عجبا لراحل مات ولم يتزود
انتبه من رقدتك
ليقتلنك ندمك إن زلت بك قدمك
إلى الإخوة والأخوات في الرباط العشري
رجب 1429 هـ/ غشت 2008 م
عجبا لراحل مات ولم يتزود!
من كتاب المدهش لأبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله.
عجبا لراحل مات وما تزود للرحلة! ولمسافر مَاجَ[1] وما جمع للسفر رحله! ولمنتقل إلى قبره لم يتأهب للنقلة! ولمفرط في أمره لم يستشر عقله!
إخواني، مرَّ الأقران على مدرجة، وخيول الرحيل للباقين مُسَرَّجة، سار القوم إلى القبور هَمْلَجَة[12]، وباتت أرواح من الأشباح مسْتخرَجة. إلى كم هذا التسويف والمـجْمَجَة[13]؟ بضائعكم كلها بَهْرَجَة[14]، وطريقكم صعبة عَوْسَجَة[15]، وستعرفون الخبر وقت الحشْرَجَة[16].
يا من قد سَاخَ[17] في أوساخ! إلى كم تملي؟ أتعبت النُّسَّاخ[18]، يا من ضيع الشباب وما يسمع العتاب وقد شاخ! بادر صبابة القوى فاستدرك باقي الطَّبَاخ[19]! وتأهَّب للرحيل فما هذه الدنيا بمناخ! كم بات مزمار في بيت فأصبح فيه الصراخ!
أين من حصَّنَ الحصونَ واحترس، وعمَّر الحدائق واحترس[20]، ونصب سريرَ الكِبْر وجلس، وظن بقاء للنفْس فخاب الظن في نَفَس، نازله الموت فلما أنزله عن ظهر الفَرَس فُرِس[21]، ووُجِّهَ وجهُه إلى ديار البلى فانطمس، وتركه في ظلام ظلمة بين العيْب والدَّنَس، فالعاقل من بادر الندامة فإن السلامة خَلْس[22].
لابن المعتز رحمه الله:
سابقة القدر قضت لقوم بدليل ﴿سبقت لهم﴾[23]، وعلى قوم بدليل ôت﴿غلبت علينا﴾[24]. تلقيح “سبقت” نوَّرَ قلوبَ الجنّ ﴿فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا﴾[25]، وخذلان “غلبت” أعمى بصائر قريش ﴿قالوا أساطير الأولين﴾[26] .
إذا هزت صوارمُ القدر تقلقلت رقاب المقربين. غضب على قوم فلم تنفعهم الحسنات، ورضي عن قوم فلم تضرهم السيئات. ما نفعت عبادة إبليس، ولا ضرَّ عنادُ السحرة.
هبت عواصف الأقدار في بيداء الأكوان، فنقلت الوجود وعمَّ الخبر، فلما ركدت الريح إذا أبو طالب غريق في لجة الهلاك، وسلمان رضي الله عنه على ساحل السلامة، والوليد بن المغيرة يقدم قومه في التيه، وصهيب رضي الله عنه قد قدم بقافلة الروم، وأبو جهل في رقدة المخالفة، وبلال رضي الله عنه ينادي: “الصلاة خير من النوم”.
لما قُضِيَت في القِدَم سلامة سلمان رضي الله عنه أقبل يناظر أبَاه في دِين قد أباه[27]، فلم يعرف أبوه جوابا إلا القيْدَ[28]، وهذا الجواب المرذول قديم من يوم “حرقوه”[29]، فنزل به ضيف “ولنبلونكم”[30]، فنال بإكرامه مرتبة “سلمان منا”[31].
سمع أن ركبا على نية السفر فسرق نفسه من حرز أبيه، فوقف نفسه على خدمة الأدِلاَّء[32] وقرف الأذلاء[33]، فلما أحس الرهبان بانقطاع دولتهم سلموا إليه أعلام الأعلام على علامات نبينا صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن زمنه قد أظل فاحذر أن تضِل[34]، وإنه يخرج بأرض العرب، ثم يهاجر إلى أرض بين حرتين[35]، فلو رأيتموه قد فَلا[36] الفَلا[37] والدليلُ شوقُه، وخلَّى[38] الوطن خلاء يزعجه توْقُه.
لأبي العلاء المعري:
رحل مع رفقة لم يرفقوا ﴿وشروه بثمن بخس﴾[40]، فابتاعه يهودي بالمدينة، فلما رأى الحرتين توقد حرُّ شوقه، وما علم المنزل بوجد النازل[41].
للمتنبي:
فبينا هو يكابد ساعات الانتظار قدم البشير بقدوم البشير[42] وسلمان في رأس نخلة، فكاد القلق يلقيه لولا أن الحزم أمسكه كما جرى يوم ﴿إن كادت لتبدي به﴾[43]، ثم عجل النزول ليلقى ركب السيارة.
فصاح به المالك: ما لك ولهذا؟ انصرف إلى شغلك[44].
فأجاب لسان وجده:
فأخذ يضربه، فأخذ لسان حاله يترنم لو سمع الأُطْرُوش[45]:
فلما لقي الرسول صلى الله عليه وسلم عرض نسخة الرهبان بكتاب الأصل فوافقه[47].
أبو طالب إذا سئل عن اسمه قال: عبد مناف، وإذا انتسب افتخر بالآباء، وإذا ذكرت الأموال عَدَّ الإبل، وسلمان إذا سئل عن اسمه قال: عبد الله، وعن نسبه قال: ابن الإسلام، وعن لباسه قال: التواضع، وعن طعامه قال: الجوع، وعن شرابه قال: الدموع، وعن وساده قال: السهر، وعن فخره قال: “سلمان منا”، وعن قصده قال: ﴿يريدون وجهه﴾[48].
للشبلي رحمه الله:
انتبه من رقدتك!
من كتاب المدهش لأبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله
إن الدنيا مذ أبانت محبها أبانت[49] حالها، لقد روت وما روت فأرت مآلها، لقد عرف إدبارها من قد ألف إقبالها، وما اطمأنت أرضها إلا زلزلت زلزالها.
تالله لقد ركض الموت فأسرع في الركض، بث الجنود وطبق الأرض، ما حمل على كتيبة إلا وفضّ[51]، ولا صاح بجيش إلا جاش[52] وارْفَضَّ[53]، ولا لوح إلى طائر في البرج إلا انقض، إذا تكلمت قوسُه بالنَّبْض أسكتت النَّبْض[54]، بينا الحياة تعرب بالرفع جعل الشكل الخفض.
أين مصون الحصون؟ أزعج عنها، أين مقصور القصور؟ أخرج منها. نقله هادم اللذات نقلا سريعا، ومَقَلَهُ[55] في بحار الآفات مقلا فظيعا، وفرق بينه بالبيْن وبين بَنِيه، وطرقه بطارق النقض فأنقض ما كان يبْنِيه.
لقد ولى ولاء ذي وُدّ ينفعه، وبان لباني الدنيا مصرعُه، هجره والله من هاجر إليه ونسيه نسيبُه، وقد كان يحنو عليه فلا صديقُه صَدَقه في مودّته، ولا رفيقُه أرفقه في شدّته.
حُلُّوا والله بالبلاء في البلى، وودعهم من أودعهم ثم قلى، وانفردوا في الأخدود بين وحش الفلا، وسألوا الإقالة فقيل: أمّا هذا فلا.
لو نطق الموتى بعد دفنهم لندموا على غيهم وأَفَنِهِم[56]، ولقالوا: رحلنا عن ظلم شرورنا إلى ظلم قبورنا، وخلونا عن الأخلاء بترابنا في آفات لا ترى بنا، أفترى محبنا إذ ظعنا بمن اعتاض[57] عنا؟ وهذا مصيرك بعد قليل، فتأهب يا مقيما للتحويل، يا سليما يظن أنه سليم! جوارحك جوارحك[58]، سور تقواك كثير الثَّلْم[59]، وأعداؤك قد أحاطوا بالبلد.
ويحك! قبل الرمي تراش السهام، وبين العجز والتواني ينتج التَّوى[60]. يا قاليَ القائل للنصائح! أداؤك داؤك، كيف تجتمع همتك مع غوغاء المنى وضوضاء الشهوات؟ كيف تتصرف في مصالحك والشواغل للشَّوى غُل[61]؟ كم صادفت الهوى فصدفت! لقد خدع قلبك الهوى فاسْتَرَقَّك[62]، أضر ما عليك سوء تدبيرك.
آه للابس شعار الطرد وما يشعر به! واأسفا لمضروب ما يحس صوت السوط! عجبا لمن أصيب بعقله وعقله معه! يا فارغ البيت من القوت في أيام الحصاد!
يا جرحى الذنوب! قد عرفتم المراهم، اخرجوا من قصر مصر الهوى وقد لاحت مدينة مدين! اطلبوا بئر الشرب وإن صَدَّ الرعاء! فلعل حضور موسى يتفق. متى استقامت لكم جادة البكاء، فلا تعرجوا عنها.
كان عمر بن عبد العزيز وفتح الموصلي رحمهما الله يبكيان الدم.
إذا تكاثفت كثبان الذنوب في بوادي القلوب نسفها نسف أسَف في نَفَس.
يا من كان له وقت طيب وقلب حسن، فاستحال خله خمرا! ابك على ما فقدت في بيت الأسف!
ما أحسن ما كنت فتغيرت! ما أجود جادّتك! فكيف تعثرت؟
البكاء على الفائت معول الحزين.
لأبي تمام:
يا معاشر المطرودين عن صحبة أهل الدين!
هلموا نُرِقْ دمع تأسفنا على قبح تخلفنا، ونبعث مع الواصلين رسالة محضر لعلنا نحظى بأجر المصيبة!
أنجع المراهم لجراحات الذنوب البكاء، هتكة الدمع ستر على الذنب.
كان محمد بن المنكدر رحمه الله كثير البكاء فسئل عن ذلك فقال: آية من القرآن أبكتني ﴿وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون﴾[63].
كيف لا تذهب العيون من البكاء وما تدري ما قد أعد لها؟ سبقت السعادة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل كونه، ومضت الشقاوة لأبي جهل قبل وجوده، وخوف العارفين سوابقُ الأقدار، قلقل الأرواحَ هيبةُ لا يُسْأل[64]، مع تحكم ﴿ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها﴾[65] قوي قلقُ العلماء.
ليقتلنك ندمك إن زلت بك قدمك!
من كتاب المدهش لأبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله
يا هذا! لو عاينت قصر أجلك لزهدت في طول أملك، وليقتلنك ندمك إن زلت بك قدمك!
للمتنبي:
إلى متى تحرص على الدنيا وتنسى القدر؟ من الذي طلب ما لم يقدر فقدر؟ لقد أذاك إذ ذاك النصب، وأوقعك الحرص في شَرَك الشِّرْك إذ نصب.
كم غرت الدنيا فرخها فعَرَّتْه، ثم ذبحته بـمُدْية[67]، إنها لتقتل صيادها وتقتل أولادها.
والله لو كنتَ من رياشها أكسى من الكعبة لم تخرج منها إلا أعرى من الحجر الأسود.
قيل لعابد: ما الذي حبب إليك الخلوة وطرد عنك الفترة؟ قال: وثبة الأكياس من فخ الدنيا.
وقيل لآخر: لم تخليت عن الدنيا؟ فقال: خوفا والله من الآخرة أن تتخلى عني.
من غرس في نفسه شرف الهمة فنَبَتَ نَبَتْ[68] نفسُه عن الأقذار، ومن استقر ركن عزيمته وثَبَتَ وَثَبَتْ نفسُه عن الأكدار.
يا زَمِنَ الهمة! يا مقعد العزيمة! يا عليل الفهم! يا بعيد الذهن!
سار المجدون وتركوك، ونجا المخفون وخلفوك، نادِهم إن سمعوك! واسْتَغِث بهم إن رحموك!
يا من أبعدته الخطايا عنهم! ادرج مرحلة الهوى وقد وصلت.
أنت تتعلل للكسل بالقدر، فتقول: لو وفقني، ولكسب الشهوات بالندب إلى الحركة ﴿فامشوا في مناكبها﴾[70].
أنت في طلب الدنيا قدري، وفي طلب الدين جبري. أي مذهب وافق غرضك تمذهبت به. أوليس في الإجماع ﴿من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها﴾[71]؟
جسدك عندنا وقلبك في البيت، نحن في واد وأنت في واد.
لا بد والله من قلق وحرقة؛ إما في زاوية التعبد أو في هاوية الطرد، إما أن تحرق قلبك بنار الندم على التقصير والشوق إلى لقاء الحبيب، وإلا فنار جهنم أشد حرا.
القلقَ القلقَ! يا من سلب قلبه! والبكاءَ البكاءَ! يا من عظم ذنبه!
كان الشبلي رحمه الله يقول في مناجاته: ليت شعري ما اسمي عندك يا علام الغيوب؟ وما أنت صانع في ذنوبي يا غفار الذنوب؟ وبم تختم عملي يا مقلب القلوب؟
وكان رحمه الله يصيح في جوف الليل: قرة عيني وسرور قلبي، ما الذي أسقطني من عينك؟ أقلت: هذا فراق بيني وبينك؟
[1] ماجَ يَموج مَوْجاً ومَوَجاناً ومُؤُوجاً: اضطرَب وتحَيَّر.
[2] الأسل: كل ما رُقِّق وحُدَّ من الحديد من سيف أو سكين أو سِنان.
[3] يفري: فَرَى الشيءَ يَفْرِيه فَرْياً وفَرَّاه: شقَّه وأَفسده.
[4] السم الزعاف: السريع القتل.
[5] ذَمَل يَذْمُل ويَذْمِل ذَمْلاً وذُمُولاً وذَمِيلاً وذَمَلاناً، وهي ناقة ذَمُول من نُوق ذُمُل. الذَّمِيلُ: ضرب من سير الإِبل، وقيل: هو السير الليِّن.
[6] التَّبُّ: الخَسارُ. والتَّبابُ: الخُسْرانُ والهَلاكُ.
[7] الكدية: الموضع الصلب.
[8] الخُبَعْثِنة من الرجال: الشديدُ الخَلْق، والمقصود هنا العظيم الشديد من الأُسد.
[9] الجُعَل: دابة سوداء من دوابّ الأَرض، قيل: هو أَبو جَعْران.
[10] ظعنوا: رحلوا.
[11] الطلل: ما شَخَص من آثار الديار. والرَّسْمُ: ما كان لاصِقاً بالأرض.
[12] الهَمْلَجَة: حُسْنُ سير الدابة في سُرْعة.
[13] المَجْمَجَةُ: تَغْييرُ الكِتابِ وإِفْسادُه عما كُتِبَ.
[14] البَهْرَجُ: الباطلُ والرديء من الشيء.
[15] العوسجة: جمعها العَوْسَجُ، وهو شجر كثير الشوك.
[16] الحَشْرَجَةُ: الغرغرة عند الموت وتَرَدُّدُ النَّفَسِ.
[17] ساخت الأقدام تَسُوخ سَوْخاً في الأَرض وتَسيخ: تدخل فيها وتَغِيبُ.
[18] المقصود بهم الملائكة الكرام عليهم السلام، وهي إشارة إلى كثرة ارتكاب المعاصي الني تتعب الملك الموكل بكتابة السيئات. يقول الحسن البصري رضي الله عنه: “يا ابن آدم، إن الله خلقك وأوكل بك ملكين عن اليمين وعن الشمال؛ فأما الذي عن يمينك فيكتب لك الحسنات، والذي عن شمالك فيكتب عليك السيئات فاعمل ما شئت. فإذا مت طويت صحيفتك وعلقت في عنقك، وذلك قوله تعالى: ﴿وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا﴾ الإسراء، الآيتان 13و 14. عدل والله من جعلك حسيب نفسك.
[19] الطَّبَاخُ: القوَّة. وقيل: العقل. قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
المالُ يَغْشَى رجالاً لا طَباخَ بهم***كالسَّيل يَغْشَى أُصولَ الدِّندِن البالي
[20] احترس الأولى: تحرّز. والثانية احترس الشيء إذا أخذه من المرعى، ويقال للذي يسرق الغنم: مُحْتَرِس. وفي الحديث: “أَن غِلْمَةً لحاطب بن أَبي بَلْتَعَةَ احْتَرَسُوا ناقة لرجل فانتحروها”.
[21] فَرَسَ الشيءَ فَرْساً: دَّقَه وكَسَرَهُ.
[22] الخَلْسُ: الأَخذ في نُهْزَةٍ ومُخاتلة.
[23] سورة الأنبياء، الآية 101.
[24] سورة المؤمنون، الآية 106.
[25] سورة الجن، الآية 1.
[26] سورة النحل، الآية 24.
[27] أباه الأولى: والده، أباه الثانية من فعل أبى يأبى: رفض.
[28] قال سلمان رضي الله عنه: ” وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم وصلاتهم عن أصل دينهم، فقالوا: في الشام، وقلت لأبي حين عدت إليه: إنّي مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أنّ دينهم خير من ديننا، فحاورني وحاورته، ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني “.
[29] ﴿قالوا حرقوه وانصروا ءالهتكم إن كنتم فاعلين) سورة الأنبياء، الآية 68.
[30] ﴿ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم﴾ سورة محمد، الآية 31.
[31] أخرج الطبراني رحمه الله في الكبير، والحاكم رحمه الله في المستدرك عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سلمان منا آل البيت”. وقال السيوطي رحمه الله: صحيح
[32] الأدلاء والأدلة: مفردها الدليل، وهو الذي يدلك على الطريق.
[33] أَذِلاّء وأَذِلَّة: مفردها ذليل، وهو المحتقَر المهين، ونقيضه العزيز.
[34] يحكي سلمان رضي الله عنه عن آخر رجل صحبه يستوصيه فقال له صاحب عمورية: “يا بني، ما أعرف أحدا على مثل ما كنّا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلّك زمان نبيّ يبعث بدين إبراهيم حنيفا، يهاجر إلى أرض ذات نخل بين حرتين، وإنّ له آيات لا تخفى؛ فهو لا يأكل الصدقة، ويقبل الهدية، وبين كتفيه خاتم النبوة “.
[35] الحرتين: مثنى الحرَّة، وهي الأرض الكثيرة الحجارة، والمقصود المدينة المنورة.
[36] فَلا الرجلُ: سافر. وقيل: قطع.
[37] الفَلاة: القَفر من الأَرض؛ لأَنها فُلِيت عن كل خير أَي فُطِمت وعُزِلت، وقيل: هي التي لا ماء فيها.
[38] خَلَّى: الأَمْرَ وتَخَلَّى منه وعنه: تَرَكه.
[39] الضَّالُ: السِّدْر البَرِّيُّ.
[40] سورة يوسف، الآية 20.
[41] يقول سلمان رضي الله عنه: “ومرّ بي ركب يوما فسألتهم عن بلادهم، فعلمت أنّهم من جزيرة العرب، فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟ قالوا: نعم واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى، وهناك ظلموني وباعوني إلى رجل من يهود، وبصرت بنخل كثير، فطمعت أن تكون هي البلدة التي وصفت لي، والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر، ولكنها لم تكنها، وأقمت عند الرجل الذي اشتراني، حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة فابتاعني منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة. فوالله ما هوّ إلاّ أن رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي”.
[42] البشير الأولى: الشخص الذي يحمل البشرى وهي الخبر المفرح، والبشير الثانية: الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
[43] سورة القصص، الآية 10.
[44] يقول سلمان رضي الله عنه: “وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله، وقدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف، وإني لفي رأس نخلة يوما، وصاحبي جالس تحتها إذ أقبل رجل من يهود من بني عمّه، فقال: قاتل الله بني قيلة (الأوس والخزرج) إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي، فلما قالها أخذتني العرواء (اضطراب شديد ورعشة) حتى ظننت أني ساقط على سيدي، ثم نزلت سريعا فجعلت أقول: ماذا تقول؟ فغضب سيدي ولكمني لكمة شديدة وقال لي: مالك ولهذا؟ أقبل على عملك. قلت: لا شيء إنما أردت أن أستثبته عمّا قال”.
[45] الأطروش والأطرش: الأصم.
[46] بدا لي: ظهر ولاح لي.
[47] يحكي سلمان رضي الله عنه لقاءه برسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قائلا: “وقد كان شيء عندي قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنّه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، فقربته إليه فقال رسول الله لأصحابه: كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل، فقلت في نفسي: هذه والله واحدة، إنه لا يأكل الصدقة. ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحوّل رسول الله إلى المدينة فجئته به فقلت له: إنّي رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها، فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، فقلت في نفسي: هذه والله الثانية إنه يأكل الهدية. ثم جئت رسول الله وهو بالبقيع قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه، فسلّمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره، فلما رآني رسول الله عرف أنّي أستثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه على ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال رسول الله: تحوّل، فتحوّلت فقصصت عليه حديثي، فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه، ثم أسلمت”.
[48] سورة الأنعام، الآية 52.
[49] أبانت الأولى: فارقت، والثانية: أظهرت.
[50] صاح: ترخيم لكلمة صاحبي.
[51] فَضَضْتُ الشيءَ أَفُضُّه فَضّاً، فهو مَفْضُوضٌ وفَضِيضٌ: كسرتُه وفَرَّقْتُه.
[52] جاشت القِدْر تجِيش جَيْشاً وجَيَشاناً: بدأت تغلي، وكذلك الصدْرُ إِذا لم يَقْدر صاحبه على حَبْس ما فيه. والمعنى هنا: فارَ وارتفع. عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب حتى ينادي منادٍ من السماء أميركم فلان». رواه الطبراني رحمه الله في الأوسط.
[53] ارْفَضَّ الدَّمْعُ وتَرَفَّض: سالَ وتفَرَّق وتتابَعَ سَيَلانُه. والمعنى هنا تفرق.
[54] النبض الأولى: صوت السهم، نقول: أَنْبَض القَوْسَ إذا جَبَذَ وتَرها لتُصَوِّتَ. النبض الثانية: نبض القلب وتحركه، نقول: نَبَضَ العِرْقُ يَنْبِضُ نِـباضاً: تحرَّك.
[55] مَقَلَه: غمسه وغطسه.
[56] أفنهم: نقص عقولهم. أُفِنَ الرجل: ضعف رأْيه.
[57] اعتاض عنه: أخذ العوض.
[58] الجوارح الأولى: أعضاء الجسم، أما الثانية فهي الآلات الجارحات.
[59] ثلم: كسر. يقال: في الإِناء ثَلْم إِذا انكسر من شَفَتِه شيء.
[60] التوى: الهلاك، وأصله هلاك المال. يقال: توى ماله إذا هلك. يقول المتنبي:
ومن يكُ قلب كقلبي له***يشقُّ إلى العزّ قلبَ التوى
[61] الشواغل الأولى: مفردها شاغلة، وهي ما يشغل الإنسان. أما الثانية فمركبة من كلمتين؛ الشوى: اليَدانِ والرِّجْلانِ، وقيل: اليَدانِ والرِّجْلانِ والرأْسُ من الآدِميِّينَ وكُلُّ ما ليس مَقْتَلاً. الغل: القيد المعروف.
[62] استرقَّ: استعبد. الرق: العبودية.
[63] سورة الزمر، الآية 47.
[64] ﴿لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون﴾ سورة الأنبياء، الآية 23.
[65] سورة السجدة، الآية 13.
[66] تبلوا: أسقموا. والتَّبْل: أَن يُسْقِم الهوى الإِنسان. يقال: قَلْب مَتْبُول إِذا غَلَبَه الحُبُّ وهَيَّمه. وتَبَله الحُبُّ يتبُله وأَتبله: أَسقمه وأَفسده.
[67] المُدْيةُ والمِدْية: السكين والشفْرة. والجمع مِدًى ومُدًى ومُدْيات.
[68] نبَتْ: ابتعدَتْ. نَبا الشيء عني يَنْبُو أَي تَجافَى وتَباعَد.
[69] جَسَر يَجْسُر جَسارَةً وتَجاسَر عليه: أَقدم. والجَسُورُ: المِقْدامُ الشجاع.
[70] سورة الملك، الآية 15.
[71] سورة فصلت، الآية 46.
[72] الرَّسيس والرَّسُّ: ابتداء الشيء. والرَّسِيسُ: الشيء الثابت الذي قد لزم مكانه. ورسَّ الهوى في قلبه والسَّقَمُ في جسمه رَسّاً ورَسيساً وأَرَسَّ: دخل وثبت. ورسيس الحب: بقيتُه وأَثرُه.
[73] السَّلْوُ والسُّلُوُّ: النسيان والترك.
أضف تعليقك (0 )