مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

كأنهم قط ما كانوا
للمؤمن مطلوب واحد وغيره سخف
التفكر في عجائب خلق الله

ذو القعدة 1434ه / شتنبر 2013م

رابط تحميل المختارة


كأنهم قط ما كانوا

من كتاب المدهش لأبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله

يا من يرحل في كل لحظة عن الدنيا مرحلة، وكتابه قد حوى حتى قدر خردلة، كن كيف شئت فبين يديك الحساب والزلزلة. يا عجبا من غفلة مؤمن بالجزاء والمسألة! أيقين بالنجاة أم غرور وبَلَهٌ[1]؟  

تبني وتجمع والآثارُ تنْدَرس
وتأمُل اللَّبْث والأرواحُ تُخْتَلَس
ذا اللُّبِّ فكِّرْ فما في الخلْد من طمع
لا بد ما ينتهي أمرٌ وينعكس
أين الملوك وأبناء الملوك ومَن
كانوا إذا الناس قاموا هيبةً جلسوا
ومن سيوفهم في كل مُعْتَرك
تخشى ودونهم الحُجَّاب والحرَس
أضحوا بِمَهْلكة في وسط معركة موتى
وماشي الورى من فوقهم يطس
قد حُبِسوا كأنهم قط ما كانوا ولا خُلِقوا
ومات ذِكْرهم بين الورى ونسُوا
والله لو نظرتْ عيناك ما صنعت
يدُ البِلَى بهم والدُّود يفْتَرس
مِنْ أوْجُهٍ ناظراتٍ حارَ ناظِرُها
في روْنق الحسْن منها كيف تنْطمس؟
وأعْظُمٍ بالِياتٍ ما بها رَمَق
وليس تبقى لهذا وهي تُنْتَهَس
وألسنٍ ناطقاتٍ زانَها أدب
ما شانُهَا   شَانَها   بالآفة الخرس؟
تلتهم ألسن للدهر فاغرة
فاها   فآهاً   لهم إذ بالرَّدى وُكِسُوا
عُرُّوا عن الوَشْي لما أُلْبِسوا حُلَلا
من الرَّغام   على أجْسادهم وَكُسُوا
حتّامَ يا ذا النهي لا تَرْعَوِي   سَفها
ودمْعُ عينك لا يَهْمِي   ويَنْبَجِس

أيها المطمئن إلى الدنيا وهي تطلبه بدَخَل[2]، قد مرضت عين بصيرته فيها فما ينفع الكَحَل، يتبختر في رياضها وما يصبح إلا في الوَحل، انتبه للرحيل ثم اشدد الرّحل، واستبدل خِصْب المرْأب[3] عن قَحْل المحل، وتأمَّر على نفسك فللنَّخل فَحْل[4]!

اترك الشرَّ ولا تأمنْ بَشَرْ
وتواضعْ إنما أنت بشرْ
هذه الأجسامُ تُرْب هامد
فمن الجهل افتخار وأشَرْ
جسد من أربع يلحظها سبعة
من فوقها في اثني عشرْ
في حياة كخيالٍ طارقٍ
شَغَلَ الفكْر وخلاك ومرْ

تالله لقد كشفت الغير ما انسدل، فلم يبق مراء ولا جدَل، هذا حَمَام الحِمَام[5] قد هَدَل، فكم صرخ صوته وكم جدل! يا جائرين احذروا ممن إذا قضى عَدل، واعلموا أن الآخرة ليس منها بدل، هذا هو الصواب لو أن المزاج اعتدل.

يا شمس العصر على القصر، قد بلغ مركبك ساحل الأجل، ووقف بعيرك على ثنية الوداع، وقاربت شمس عمرك الطفل، وبقي من ضوء الأجل شفق، فاستدرك باقي الشعاع قبل غروب الشمس.

أيُنْفَقُ العمر في الدنيا مجازفة
والمال ينفق فيها بالموازين؟

البدار البدار قبل الفوت! الحذار الحذار قبل الموت! ما في المقابر من دفين إلا وهو متألم من “سوف”. 

يا هذا! متى تبت بلسانك وما حللت عُقَد الإصرار من قلبك لم تصحَّ التوبة، كما لو سكنت الأمراض بغتة من غير استفراغ فإن المرض على حاله.    

يا هذا! إذا لم يتحقق قصد القلب لم يؤثر النطق باللفظ. إن المكرَه على اليمين لا تنعقد يمينه، “إنما الأعمال بالنيات”، وقلبك كله مع الهوى. “إن في البدن مضغة إذا صلحت صلح البدن، وإذا فسدت فسد البدن ألا وهي القلب”. أكثر الأمراض أمراض الهوى، وأكثر القتلى بسيفه.

أرباب الهوى أطفال في حجور العادات وإن شابوا، انحدرت عزيمتك في جريان نهر الهوى، فاصبر صبْر مداد لعلك تردها. 

ويحك! انتبه لإصلاح عيوبك لعل المشتري[6] يرضى. تالله إن المشتري[7] ما يحب بطْء زُحل[8]! اكفف ثوب الكلام بالصمت، وإلا تنسل. أطفِ حراق الهوى، وإلا عمل. ارفق بزجاج العمر فما ينشَعِب[9] إذا انكسر.

واعجبا! الظاهر غير طاهر، والباطن باطل، الأمل بخار فاسد، الرعونة علة صعبة، منام المنى أضغاث، رائد الآمال كذوب، مرعى المشتهى هشيم، العجز شريك الحرمان، التفريط مضارب الكسل، دَيْجور[10] الجهل معتم، سُؤْر الهوى مُغْرِق، روض اللهو وَبِي، غدير اللذات غُدَر.     

أيُنْفَقُ العمر في الدنيا مجازفة
والمال ينفق فيها بالموازين؟

كم قد لمتك وما نفع! كم قد نصبت لك شَرَكا وما تقع! قُفْل قلبك رومِي ما يقع عليه فَشٌّ[11]

يا هذا! المجاهدة حرب لا يصلح لها إلا بطل. متى تغيَّر من جنود عزمك على الإنابة قلب واحد لم آمن قلب الهزيمة عليك.  

 أيها المريد، تلطَّفْ بنفسك في الرياضة لكيلا تضِل. مشْيُ القَطا[12] بتدبير، ومشي العصفور نَقَزَان[13]. العنكبوت الفطن ينسج في زاوية، والمغفل ينسج على وجه الأرض.

كن قيما على جوارحك، وفِّها الحظوظ، واستوف منها الحقوق، أما ترى حاضن البيض يقلبه بمنقاره لتأخذ كل بيضة حظها من الحضن؟ ثم أكثر ساعات الحضن على الأنثى لاشتغال الذكر بالكسب، فإذا صار البيض فراخا كان أكثر الزَّقِّ[14] على الأب، ﴿فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى[15]. ما لقيت حواء عشر ما لقي آدم؛ لأنها وإن شاركته في العلم بفقد صورة النعيم فهو منفرد عنها بملاحظة المعنى بعد عز ﴿اسجدوا لآدم[16]. يقبض جبريل على ناصيته للإخراج، والمدْنِف[17] يقول: ارفق بي.

يا سائق البكرات استبق فضلتها
على الغُوَيْر فظهر الفكر معقور

 كان يتوقف في خروجه لو ترك، ويتشبث بذيل لو نفع، ولسان الأسى يصيح بمن أسا:

تزود من الماء القَراح   فلن ترى
بوادي الغضا ماء قراحا ولا بردا
ونل من نسيم البان والرند نفحة
فهيهات واد ينبت البان والرندا!
وكر إلى نجد بطرفك إنه
متى تسر لا تنظر عقيقا ولا نجدا

ما زال مذ نزل يرفع قصص الغُصص على أيدي أنفاس الأسف، فتصعد بها صعداء اللهف.  

ألا يا نسيم الريح من أرض بابل
تحمل إلى أهل الحجاز سلامي
وإني لأهوى أن أكون بأرضهم
على أنني منها استفدت سقامي

  واعجبا! من فاق آدم بلا معين على الحزن؛ هوام الأرض لا تفهم ما يقول، وملائكة السماء عندها بقايا  ﴿أتجعل[18]، فهو في كُرْبة وحيد بدار غربة. 

ألا راحم من آل ليلى فأشتكي***غرامي له حتى يكِلَّ لسانيا
 

للمؤمن مطلوب واحد وغيره سخف

كتاب الأخلاق والسير لابن حزم رحمه الله

قال أبو محمد علي بن أحمد بن حزم رضي الله عنه: الحمد لله على عظيم مننه، وصلى الله على محمد عبده، وخاتم أنبيائه ورسله، وسلم تسليما وأبرأ إليه تعالى من الحول والقوة، وأستعينه على كل ما يعصم في الدنيا من جميع المخاوف والمكاره، ويخلص في الأخرى من كل هول ومضيق.

أما بعد، فإني جمعت في كتابي هذا معاني كثيرة، أفادنيها واهب التمييز تعالى بمرور الأيام وتعاقب الأحوال بما منحني عز وجل من التهمم بتصاريف الزمان، والإشراف على أحواله حتى أنفقت في ذلك أكثر عمري، وآثرت تقييد ذلك بالمطالعة له، والفكرة فيه على جميع اللذات التي تميل إليها أكثر النفوس وعلى الأخلاق والسير الازدياد من فضول المال، وزمَّمْت[19] كل ما سبرت من ذلك بهذا الكتاب لينفع الله تعالى به من يشاء من عباده ممن يصل إليه بما أتعبت فيه نفسي وأجهدتها فيه، وأطلت فيه فكري فيأخذه عفوا وأهديته إليه هنيئا، فيكون ذلك أفضل له من كنوز المال وعقد الأملاك إذا تدبره ويسره الله تعالى لاستعماله، وأنا راج في ذلك من الله تعالى أعظم الأجر لنيتي في نفع عباده وإصلاح ما فسد من أخلاقهم، ومداواة علل نفوسهم، وبالله أستعين.

مداواة النفوس وإصلاح الأخلاق

لذة العاقل بتمييزه، ولذة العالم بعلمه، ولذة الحكيم بحكمته، ولذة المجتهد لله عز وجل باجتهاده؛ أعظم من لذة الآكل بأكله، والشارب بشربه، والواطئ بوطئه، والكاسب بكسبه، واللاعب بلعبه، والآمر بأمره. وبرهان ذلك أن الحكيم والعاقل والعالم والعامل واجدون لسائر اللذات التي سَمَّينا كما يجدها المنهمك فيها، ويحسونها كما يحسها المقبل عليها، وقد تركوها وأعرضوا عنها، وآثروا طلب الفضائل عليها، وإنما يحكم في الشيئين من عرفهما لا من عرف أحدهما ولم يعرف الآخر.

إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك وانتهيت في آخر فكرتك باضمحلال جميع أحوال الدنيا إلى أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط؛ لأن كل أمل ظفِرت به فعقباه حزن، إما بذهابه عنك وإما بذهابك عنه، ولا بد من أحد هذين الشيئين إلا العمل لله عز وجل، فعقباه على كل حال سرور في عاجل وآجل، أما العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس، وإنك به معظم من الصديق والعدو، وأما في الآجل فالجنة.

تطلبت غرضا يستوي الناس كلهم في استحسانه وفي طلبه، فلم أجده إلا واحدا وهو طرد الهم، فلما تدبرته علمت أن الناس كلهم لم يستووا في استحسانه فقط، ولا في طلبه فقط، ولكن رأيتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم، وتباين هممهم وإراداتهم لا يتحركون حركة أصلا إلا فيما يرجون به طرد الهم، ولا ينطقون بكلمة أصلا إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم؛ فمن مخطئ وجه سبيله، ومن مقارب للخطإ، ومن مصيب وهو الأقل من الناس في الأقل من أموره.

فطرد الهم مذهب قد اتفقت الأمم كلها مذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى عالم الابتداء، ويعاقبه عالم الحساب على أن لا يعتمدوا بسعيهم شيئا سواه وكل غرض غيره، ففي الناس من لا يستحسنه، إذ في الناس من لا دين له فلا يعمل للآخرة، وفي الناس من أهل الشر من لا يريد الخير ولا الأمن ولا الحق، وفي الناس من يؤثر الخمول بهواه وإرادته على بعد الصيْت، وفي الناس من لا يريد المال ويؤثر عدمه على وجوده ككثير من الأنبياء عليهم السلام ومن تلاهم من الزهاد والفلاسفة، وفي الناس من يبغض اللذات بطبعه ويستنقص طالبها كمن ذكرنا من المؤثرين فقد المال على اقتنائه، وفي الناس من يؤثر الجهل على العلم كأكثر من ترى من العامة، وهذه هي أغراض الناس التي لا غرض لهم سواها، وليس في العالم مذ كان إلى أن يتناهى أحد يستحسن الهم ولا يريد طرده عن نفسه.

فلما استقر في نفسي هذا العلم الرفيع، وانكشف لي هذا السر العجيب، وأنار الله تعالى لفكري هذا الكنز العظيم، بحثت عن سبيل موصلة على الحقيقة إلى طرد الهم الذي هو المطلوب للنفس الذي اتفق جميع أنواع الإنسان الجاهل منهم والعالم والصالح والطالح على السعي له، فلم أجدها إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة، وإلا فإنما طلب المال طلابه ليطردوا به هم الفقر عن أنفسهم، وإنما طلب الصيت من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الاستعلاء عليها، وإنما طلب اللذات من طلبها ليطرد بها عن نفسه هم فَوْتها، وإنما طلب العلم من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الجهل، وإنما هش إلى سماع الأخبار ومحادثة الناس من يطلب ذلك ليطرد بها عن نفسه هم التوحد ومغيب أحوال العالم عنه، وإنما أكل من أكل، وشرب من شرب، ونكح من نكح، ولبس من لبس، ولعب من لعب، واقتنى من اقتنى، وركب من ركب، ومشى من مشى، وتودع من تودع؛ ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه الأفعال وسائر الهموم، وفي كل ما ذكرنا لمن تدبره هموم حادثة لا بد لها من عوارض تعرض في خلالها، وتعذر ما يتعذر منها، وذهاب ما يوجد منها، والعجز عنه لبعض الآفات الكائنة، وأيضا نتائج سوء تنتج بالحصول على ما حصل عليه من كل ذلك من خوف منافس أو طعن حاسد أو اختلاس راغب أو اقتناء عدو مع الذم والإثم وغير ذلك.

ووجدت العمل للآخرة سالما من كل عيب، خالصا من كل كَدَر، موصلا إلى طرد الهم على الحقيقة، ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم، بل يسر إذ رجاؤه في عاقبة ما ينال به عون له على ما يطلب، وزائد في الغرض الذي إياه يقصد، ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم إذ ليس مؤاخذا بذلك، فهو غير مؤثر فيما يطلب.

ورأيته إن قصد بالأذى سُرَّ، وإن نكبته نكبة سر، وإن تعب فيما سلك فيه سر، فهو في سرور متصل أبدا، وغيره بخلاف ذلك أبدا.

فاعلم أنه مطلوب واحد وهو طرد الهم، وليس إليه إلا طريق واحد وهو العمل لله تعالى، فما عدا هذا فضلال وسخف.

لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها، وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل، في دعاء إلى حق، وفي حماية الحريم، وفي دفع هوان لم يوجبه عليك خالقك تعالى، وفي نصر مظلوم.

وباذل نفسه في عرض دنيا كبائع الياقوت بالحصى. لا مروءة لمن لا دين له.

التفكر في عجائب خلق الله

من كتاب المدهش لأبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله

يا من قد أرخى له في الطول، وأمهل له بمد الأجل! اُخْلُ بنفسك وعاتبها، وخُذْ على يدها وحاسبها، لعلها تأخذ عُدَّتها قبل أن تستوفي مدتها. 

وجدت أيامي لي رواحلا
وآن أن ينحط عنها الراحل
وصيح بي عَرِّسْ   فقد طال المدى
وكل ركب في التراب نازل
تهدد الحين فهل من سامع
وجاء بالنُّصح فأين القابل؟
وكل شيء زاجر محدث
يفهم ما قال الحصيف   العاقل

إخواني، بادروا قبل العوائق، واستدركوا فما كل طالب لاحق، واشكروا نعمة من ستركم عن الذنوب، واعرفوا فضله فقد أعطاكم كل مطلوب.

ما أعم جوده لجميع خلقه! وما أكثر تقصيرهم في حقه! عم إحسانه الآدمي والبهائم، والمستيقظ والنائم، والجاهل والعالم، والمتقي والظالم. من تأمل حسن لطفه لخليقته حيره الدهش. 

القلب جوهر في معدن البدن، فاكْشِف عنه بِمِعْول المجاهدة، ولا تُطيِّنْه[20] بتراب الغفلة. رميت صخرة الهوى على ينبوع الفطنة فاحتبس الماء، انقب تحتها إن لم تطق رفعها لعل الجرف ينهار.  

في قُربنا نيل المنى
فتنبهوا يا غافلينا
عجبا لقوم أعرضوا
عنا وقومٍ واصلونا
نقضوا العهود وبارزونا
بالصدود وكاشفونا
واستعذبوا طعم القطيعة
والجفا حتى نسونا
يا ويحهم لو قد دروا
ما فاتهم لاستعطفونا

إلهي! ما أكثر المعرض عنك والمعترض عليك! وما أقل المتعرضين لك!

يا روح القلوب، أين طلابك؟ يا نور السماوات، أين أحبابك؟ يا رب الأرباب، أين عبادك؟ يا مسبب الأسباب، أين قصادك؟ من الذي عاملك بلُبِّه فلم يربح؟ من الذي جاءك بكربه فلم يفرح؟ أي صَدْر صَدَر عن بابك ولم يشرح؟ من ذا الذي لاذ بحبلك فاشتهى أن يَبْرح؟

يا معرضا عنه! إلى من أعرضت؟ يا مشغولا بغيره! بمن تعوَّضت؟     

مت على من غبت عنه أسفا
لست عنه بمصيب خلفا
لن ترى قرة عين أبدا
أو ترى نحوهم منصرفا

بِعْتَ قيام الليل بفضل لقمة، شربت كأس النعاس ففاتتك الرفقة، ضُرِب على أذنك لا في مرافقة أهل الكهف، تناولت خمر الرقاد فوقع بك صاحب الشرطة، فجعل حدك الحبس عن لحاق المتهجدين. والله لو بعت لحظة من خلوة بنا بعمر نوح في ملك قارون لغبنت، لا بل بما في الجنان كلها ما ربحت، ومن ذاق عرف.

إخواني، اسمعوا بحرمة الوفاء فما كل وقت يطلع سُهَيْل[21]، فإذا خرجتم من المجلس فاقصدوا المساجد الخراب، وضعوا وجوهكم على التراب، وابعثوا أنفاس الأسف، وكفى بها شفيعا في الزلل، فإن وجدتم قلوبكم قد حضرت فاذكروني معكم.     

للشريف الرضى رحمه الله تعالى:

وقولوا لجيران على الخيْف من منى
تراكم من استبدلتم بجواريا؟
ومن ورد الماء الذي كنت واردا
به ورعى العشب الذي كنت راعيا؟
فوا لهفتي كم لي على الخيف شهقة
تذوب عليها قطعة من فؤاديا!

[1] البَلَهُ: الغَفْلة عن الشرّ. بَلِهَ بَلَهاً وتَبَلَّه، وهو أَبْلَه وابتُلِهَ كبَلِه.
    إِنَّ الذي يَأْمُلِ الدُّنْيا لَمُبْتَلَهٌ***وكلُّ ذي أَمَلٍ عنها سيُشْتَغَلُ
[2] الدَّخَل: العيب والغِشُّ والفَساد.
[3] الـمِرْأَبُ: المشْعَبُ.
[4] الفَحْل والفُحَّال: ذَكَر النخْل.
[5] الحِمامُ: قَدَر الموت.
[6] إشارة إلى قول الله تعالى: ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم﴾. سورة التوبة، الآية 111.
[7] المُشْتَري: نجمٌ.
[8] زُحَلُ اسم كوكب من الخُنَّس، وقيل: سمي زحلَ لأَنه زَحَلَ أَي بَعُد.
[9] شَعَبَه يَشْعَبُه شَعْباً، فانْشَعَبَ، وشَعَّبَه فَتَشَعَّب. والشَّعْبُ: الجَمعُ والتَّفْريقُ، والإِصلاحُ والإِفْسادُ: ضدٌّ. وشَعْبُ الصَّدْعِ في الإِناءِ: إِنما هو إِصلاحُه ومُلاءَمَتُه، ونحوُ ذلك.
[10] الدَّيْجُورُ الظُّلْمَةُ، ووصفوا به فقالوا: ليل دَيْجُورٌ وليلة دَيْجُورٌ.
[11] فَشَّ القُفْلَ فَشّاً: فتَحه بغير مفتاح.
[12] قَطا يَقْطو: ثَقُل مشيه. والقَطا طائر معروف، سمي بذلك لثِقَل مَشيْه، واحدته قَطاة، والجمع قَطَوات وقَطَياتٌ، ومشيها الاقْطِيطاء.
[13] النَّقَزُ والنَّقَزَانُ: كالوَثَبانِ صُعُداً في مكان واحد.
[14] الزَّقّ: مصدر زَقَّ الطائرُ الفَرخَ يزُقُّه زَقّاً وزَقْزَقَه غَرّه، وزَقَّه: أَطعمه بفِيه.
[15] سورة طه، الآية 117.
[16] سورة طه، الآية 116.
[17] الدَّنَفُ: المَرَضُ اللازِمُ المُخامِرُ، وقيل: هو المرض ما كان. ورجل دَنَفٌ ودَنِفٌ ومُدْنِفٌ ومُدْنَفٌ: براه المرضُ حتى أَشْفى على الموت
[18] إشارة إلى قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ. سورة البقرة، الآية 30
[19] زَمَّ الشيءَ يَزُمُّه زَمّاً فانْزَمَّ: شده. والزِّمامُ: ما زُمَّ به، والجمع أَزِمَّةٌ. والمقصود التدوين والكتابة، فقد قيل: العلم صيْد، والكتابة قَيْد.
[20] طانَ الحائطَ والبيتَ والسطحَ طَيْناً وطَيَّنه: طلاه بالطين.
[21] سُهَيْلٌ: نجم يُرى بالحجاز وفي جميع أَرض العرب. ويقال: إِنه يَطْلُع عند نَتاج الإِبل، فإِذا حالَتِ السَّنَةُ تَحَوَّلَت أَسنانُ الإِبل.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد