post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

منذ رُنان داعية الحرب الصليبية التي تحمل اسم «الاستعمار» تعززت في الغرب ديانة القانون، وحقوق الإنسان، وحق التدخل العسكري. بعد الاستعمار المباشر استعمار اقتصادي ثقافي شامل. و«التسامح» الغيور على احترام الإنسان يعطيك حرية الاختيار بين أمرين: إما أن تتحول عن دينك وهويتك لتندمج في دين الأقوى وإما أن تمحق محقا. دين الأقوى يتلخص من وراء نفاق القانون والحرية وحقوق الإنسان في اقتصادية سوقية حولها يدور كل شيء. الهوية الحضارية للغرب المسلح المتخم تتبخَّر شيئا فشيئا، ويفقد شيئا فشيئا كل معنى لوجوده دُولا وأفرادا غير وظيفته الاستهلاكية الأنانية المستحوذة على خيرات العالم، المتربصة بكل من يصمد في وجه الغرب. كن زبونا لصناعتي متماثلا بي، وإلا فلك الويل! اندمجت اليهودية في الصليبية وتصالحت. وضخم اليهود المسيطرون على وسائل الإعلام في العالم ما فعله هتلر النازي بهم. فالغرب يشعر أن عليه دَينا لليهود. من يسدده؟ المسلمون طبعا. كتب جيل دُولزْ الفيلسوف الفرنسي: «إن الدَّيْن الذي لا حد له، والذي كان في عنق أوربا لم تبدأ في تسديده، وإنما أرغمت شعبا بريئا على أدائه، هو الشعب الفلسطيني». المرض الجاهلي، مرض العنف الذي بلغ أوجه في الحركة النازية، لا يزال يعمل في أحشاء الغرب، ملتحما بالروح الصليبي، موجها ضد الإسلام. دخل الغزو العقل الأوربي في القرن الثامن عشر بتاريخهم، وأسكره النصر في العلوم والإنجازات الصناعية، فأخذ ينظر إلى الأمم -خاصة المسلمين- كما ينظر الراشد إلى صِبْية متخلفين. وحملت أوربا على المسلمين وعلى سائر المستضعفين نفس اللواء السيطري الكنسي الذي يحتقر «الجنس الملعون». تارة تسَمَّى الروح الصليبي «حضارة»، وتارة «ديمقراطية»، وتارة «حقوق الإنسان». والآن «حق التدخل». ما فعلته دواوين التفتيش الكنسي «الكاثوليكي جدا» في المسلمين بالأندلس يفعله اليوم الهمج الصرب بالمسلمين في البوسنة بتواطؤ ورضى من اليهود والصليبيين. «انتهى التاريخ»، وتوّج بأكاليل النصر الديمقراطية الغربية بعد انهيار الشيوعية. وإذا بمن ينازع ويصمد. من هنا كانت الغضبة الجارفة المحرقة على العراق. كانت أوربا معقل الصليبية الغازية. الآن الحملة غربية أوربية أمريكية. الحملة أمريكية، ودولة «النظام العالمي الجديد» أمريكية إلى حين. اللواء تحمله الولايات المتحدة، وتمول، وتسلح، وتتخذ القرار، وتجر معها حلفاءها الأصدقاء اليوم، الأعداء المحتملين غدا عندما تتوحد أوربا، وعندما يتعاظم اليابان ويضع يده في يد الصين. الصين المهددة بحجمها وإمكانياتها وعبقريتها المتجلية في براعة الصينيين بطايْوان، وصناعة الصينيين بهونغ كونغ، ومهارة الصينيين بسنغافورة، وتفوق أبناء العم في كوريا. همٌّ كامن، وخوف من المستقبل، وحرب اقتصادية تنِمّ بوادرها عن انشقاق الصليبيين ولو بعد حين لتصعد القوى الحقيقية في عالم اليوم: اليابان وألمانيا. والصين بعد حين. هم كامن وخوف وتوجس صرفته أمريكا إلى العدو القروني: المسلمين. في أمريكا رأيان عن الاستراتيجية في التعامل مع إسلام صاحٍ مهدد. كتبت الواشنطن بوسط في 13/01/1992 و19/01/1992، وبَغْدَادُ تحترق، حوارا بين صانعي الرأي نقتطف منه ما يلي: «اتجاهان لكل منهما مؤيدوه: الاتجاه الأول يرى أنه لا خوف من وصول الإسلاميين للحكم. لأن ضرورات الحكم وإلزامات السياسة العالمية والاقتصاد ستضطرهم للاعتدال والتعامل مع الغرب بتبادل المصالح. الرأي الثاني يعبر عنه إيموس بيرمتر الذي يقول: «إن هذه الحركة لا يجوز الخَلط بينها وبين الديمقراطية. بل يجبُ وأْدها منذ الولادة». «وقال بيرمتر»: حركة الأصوليين حركة ثورية عدوانية حربية متوحشة مثل الحركات البلشفية والفاشية والنازية القديمة. إنه يجب خنق هذه الحركات المعارضة في مهدها. لا يوافق بيرمتر أصحاب الاتجاه الأول الذين يقولون: «إنه يجب على الغرب أن يتعلم كيف يعيش مع الإسلام، لأنه لا يمكن القضاء على الإسلام كما قضي على الشيوعية. فلا بد من التعايش السلمي معهُ». أستغفر الله العظيم. طالعنا ما يضطرب في الكون لنسجل الوقائع. وما تفعل أمريكا والقوة لله وحده، وقانونه الأزلي أنه ينصر من ينصره، وأن العاقبة للمتقين؟



<a href="https://siraj.net/ar/books/%D8%AA%D9%86%D9%88%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%AC-1/pages/77">عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 1، ص 77-80.</a>

قضايا الأمة

من يُسدِّدُ ديْنَ الغرب لليهود؟!

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الشباب والسلوك إلى الله

الشباب دواء لمشكلة الشباب

نصيحة إلى الشباب

مصيري ومصير أمتي

خيْرَ مَنْ وَطِئَ الثَّرى صلى الله عليه وسلم

ما هو التخلف؟

مقالات ذات صلة