post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

وقد فرغت من ترتيب شروط السياق الشوري لألتفت إلى المساق الديمقراطي، أنظر إليه من وجهين اثنين:
1. من اعتباره نظاما بشريا، لا شأن لي هنا بالتعقيب على نقائصه، ومن اعتباره ترتيبا عقلانيا لحياة المجتمع، ومن اعتباره تجربة بشرية خصبة راكمت آليات حكيمة لتسيير الدولة وتيسير التعايش السلمي بين الناس في مؤسسات مستقرة وتراضٍ عام.
2. ثم أنظر إليه إن شاء الله من زاوية الإنسان القاعدي في النظام الجاهل بالدين أو المتجاهل للدين، أو المهمش للدين. ما الدين «أمر» عنده إلا أن يكون شأنا خاصا يتعلق بما تحت التراب بعد الموت. وَرَدَ تراب على تُراب. دهرية لا تحب أن تتسمّى باسمها.
يبدو الحديث عن الإيمان والأخلاق والصلاة والآخرة والأسرة الحافظة للفطرة وسائر شروط السياق الشوري لغة لا تتناغم في سمع الديمقراطي مع كلمات: التنمية، التصنيع، التمويل، التشغيل، الاستثمار، والانتقال من حياة البادية إلى حياة الحاضرة، ومشاكل الفقر، وكارثة التعليم، وضرورات المنافسة العالمية وأضرارها، والآفات الصحية، والخراب البيئي، والسياسات الدولية، وشروط المؤسسات البنكية الدولية إلخ&#8230;
كذلك يبدو الحديث عن كل هذه الأمور بمعزل عن لغة القرآن هذرا في سمع المؤمنين. يكتنف الغموض، ويكتنف خوف الناس المسألة من أطرافها، فتتعتم الأجواء، ويتحول الكلام إلى حوار صُم.
فهل تحتكر الديمقراطية العلم بما ينبغي أن يكون عليه الناس في عالم الكلمات العظمى في الحياة: التنمية، التصنيع، التمويل&#8230; إلخ.
أم أن حذق الديمقراطية وذكاءها وانفتاحها وخبرتها بالعالم وبما يضِجُّ فيه هي خصائص امتاز بها عقل معاشي طرحَ من حسابه كل أمر ما عدا شؤون الحياة الأرضية.
لعل من أهم خصائص الديمقراطية بصفتها ترتيبا عقلانيا لشؤون المجتمع، وبصفتها تجربة خصبة راكمت آليات عمل حكيمة، أنها انبنَتْ على مطلب بشري لا تتوق النفوس البشرية لأعزّ منه. فلِتألّقِ مطلب الحرية في أفق المطالب البشرية الغريزية، ولمعاناة الناس في بلاد المسلمين من انعدام الحرية تحت حكم هو تعريفا حجب للحرية، تكتسي اللفظة حلّة جمالية أسطورية، وتطن في الآذان طنينا خاصا، وتداعِب في الخيال المثقف آمالا عراضا.
فإذا نزلنا من سماء تعَشّقِ الممنوع، وبسطنا أمام العقل المؤمن هذه الغنيمة العظيمة من غنائم العقل المعاشي، هذه الزبدة الرائعة لتجارب أمم أوربا، وَوَزَنَّا الديمقراطية بمعيار إسلامي، وجدنا أنّها لا تغطي جوانب الحكمة العملية فيها قارَّة الجهل المخيف بالغاية التي جيء بالإنسان لتحقيقها في الحياة.
رأت الديمقراطية بثاقب نظرها أن المصير بعد الموت أسطورة اتَّجرتْ فيها الكنيسة قرونا. وعقلنة الحياة تتنافى مع الارتباط بالخرافات والنفاق الكنسي، ورأت الديمقراطية الحَصيفة النظر أن ضرورة التعايش مع أوهام الشعب تفرض الإبقاء في هوامش الحريات الشخصية على اختيار المواطن لدينه. لا شأن للدولة الديمقراطية (اللاييكية طبعا وأصلا حتى يقنعنا الفضلاء بخلاف ذلك) بالدين.
الشورى والديموقراطية، ص: 43-45

السياسة والحكم

نظرتان إلى الديمقراطية

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الولد الصالح

بذكر الحبيب المصطفى الكونُ يعْبَقُ

حقد بلا حدود

إن الله اشترى…

القرآن محور تعليم الأطفال

عظمة الرسالة

مقالات ذات صلة