post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

&nbsp;يجدد الله للناس آياته فيبعث فيهم دعاة قائمين على الحق يتخذهم سبحانه حجة على خلقه، من هؤلاء الرجال في عصرنا الشيخ حسن البنا، رجل مر في سماء المسلمين مر القمر المنير، أضاء لقوم الطريق، وكان فتنة للمترفين والفاسقين، فحاربوه رضي الله عنه حتى قتلوه، وقد ظهر البنا في فترة عمية، الإسلام أنكره أهله، والثقافة الجاهلية سممت فكر الولدان المغرورين، فكان علما اهتدى به جيل كان ولا يزال جيل التضحية من أجل دين الله وجيل الكرامة والعزة بالشهادة لله.



شيخ الإخوان المسلمين رجل مجدد بعثه الله ويسر على يديه انبعاثا كان وعدا مشرقا فرحت بطلعته أفئدة المؤمنين، وحاول إطفاءه أعداء الدين، ووقع في فتنته حتى بعض مهازيل القراء وديدانهم.



وشيخ الإخوان المسلمين معجزة قائمة بذاتها، إنه شاب برز من حيث لا يحتسب الناس بروز الشهاب الثاقب، حداثة سنه وضعف وسائله حير الناس لما رأوا نجاحه الباهر واستقطابه للهمم ومحبة القلوب حتى قال عنه أديب العربية الاستاذ الجليل علي الطنطاوي بعد أن أشاد بخصاله النادرة<a href="#_ftn1" id="_ftnref1">[1]</a> : «رحمة الله عليه، فلقد كان مجدد الإسلام في هذا العصر وكان من نوادر الدنيا وآحاد الدهر، وما أظن أني سأرى مثله أبدا».



فمن أين تكونت هذه الطاقة ومن أين جاءت هذه الجاذبية وهذا التأييد الإلهي الذي به تيسر للشاب الطاهر بناء جماعة طاهرة مجاهدة؟ إنها الصحبة، وإنه سر الله الذي يودعه قلوب الذاكرين، والشيخ البنا رضي الله عنه يلح في كتبه على هذه النقطة، ويلح على التربية الروحية وعلى الذكر والمداومة وعلى الأوراد والوظيفة الجماعية، ويلح على الروحانية الصوفية، ومع ذلك فقليل جدا من الإخوان المسلمين من يدرك تمام الإدراك أنه ما كان لحسن البنا أن يرشد ويربي لو لم يكن هو قد تلقى تربية عن شيوخه الصوفية، وأن سر نجاح الدعوة الإخوانية لا يكمن في الفكر الإسلامي والخطب لكن في صفاء قلب الشاب، صفاء أورثه إياه ما كان اقتبسه بالصحبة والذكر من نورانية لا إله إلا الله.



وقد كتب البنا رحمه الله مذكراته يذكر فيها صحبته منذ الصبا، ويتحدث فيها عن شيخه ومجاهداته، ونورد فيما يلي فقرات من مذكراته شهادة للتجربة الشخصية التي عرفها البنا ومارسها وصبر عليها سنوات طويلة، ولصبره على الصحبة والذكر كان له من القوة والتأييد، ولم يقدر لمحمد عبده رحمه الله، وله صحبة أيام معدودات، أن يربي ويبني ما كان يطمح إليه.



هذا حسن البنا الطفل يلتقي برحمة الله ويحس بسكينة الله في مجلس الذكر، ويكون ذلك أول خطوة للداعية الموفق الجليل في طريقه إلى الله، يقول<a href="#_ftn2" id="_ftnref2">[2]</a> : « وفي المسجد الصغير رأيت «الإخوان الحصافية» يذكرون الله تعالى عقب صلاة العشاء من كل ليلة، وكنت مواظبا على حضور درس الشيخ زهران رحمه الله بين المغرب والعشاء، فاجتذبتني حلقة الذكر بـأصواتها المنسقة ونشيدها الجميل (يقصد السماع الصوفي) وروحانيتها الفياضة، وسماحة هؤلاء الذاكرين من شيوخ فضلاء وشباب صالحين وتواضعهم لهؤلاء الصبية الصغار الذين اقتحموا عليهم مجلسهم ليشاركوهم ذكر الله تبارك وتعالى، فواظبت عليها هي الأخرى، وتوطدت الصلات بيني وبين شباب هؤلاء الإخوان الحصافية&#8230; ومنذ ذلك الحين أخذ اسم الشيخ الحصافي يتردد على الأذن فيكون له أجمل وقع في أعماق القلب، وأخذ الشوق والحنين إلى رؤية الشيخ والجلوس إليه والأخذ عنه يتجدد حينا بعد حين، وأخذت أواظب على الوظيفة الزروقية صباحا ومساء».



اتصل البنا الصغير بالإخوان الحصافية بعد وفاة شيخهم، فقد مات الشيخ والبنا في الرابعة من عمره، وإنما نفحته صحبة الأفاضل من أصحاب الشيخ، ويسمى التعلق بالشيخ بعد وفاته في اصطلاح الصوفية تبركا في مواجهة السلوك الصوفي، سلوك المقامات والرقي إلى الكماليات، الذي لا يكون إلا على يد شيخ مرب حي مأذون إذن التربية، على أن شخصية السيد الحصافي رضي الله عنه وورعه واستقامته كان لها أبلغ الأثر في قلب الشاب المتبتل فلما اقترن ذلك الحب بالذكر والتلاوة كان له بركة عظيمة أخرجت لنا حسن البنا الفذ رحمه الله، ها هو يصف لنا شيخه الراحل<a href="#_ftn3" id="_ftnref3">[3]</a>: «فكانت دعوته مؤسسة على العلم والتعليم والفقه والعبادة والطاعة والذكر، ومحاربة البدع والخرافات الفاشية بين أبناء هذه الطرق، والانتصار للكتاب والسنة على أية حال، والتحرز من التأويلات الفاسدة والشطحات الضارة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذل النصيحة على كل حال حتى أنه غير كثيرا من الأوضاع التي اعتقد أنها تخالف الكتاب والسنة مما كان عليه مشايخه أنفسهم، وكان أعظم ما أخذ بمجامع قلبي وملك علي لبي من سيرته رضي الله عنه شدته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه كان لا يخشى في ذلك لومة لائم، ولا يدع الأمر والنهي مهما كان في حضرة كبير أو عظيم».



عصم الله حسن البنا من أصحاب البدع والفتن من محترفي الزي والسبحة، وظهرت له مبشرات ثبتته على عمله حتى بايع البيعة الصوفية، يقول <a href="#_ftn4" id="_ftnref4">[4]</a> : «وظللت معلق القلب بالشيخ رحمه الله حتى التحقت بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور، وفيها مدفن الشيخ وضريحه وقواعد مسجده الذي لم يكن تم حينذاك، وتم بعد ذلك. فكنت مواظبا على زيارته كل يوم تقريبا وصحبت الإخوان الحصافية بدمنهور، وواظبت على الحضرة في مسجد التوبة كل ليلة، وسألت عن مقدم الإخوان فعرفت أنه الرجل الصالح التقي الشيخ بسيوني العبد التاجر، فرجوته أن يأذن لي بأخذ العهد عليه، ففعل، ووعدني بأنه سيقدمني للسيد عبد الوهاب (نجل الشيخ) عند حضوره، ولم أكن إلى هذا الوقت قد بايعت أحدا في الطريق بيعة رسمية، وإنما كنت محبا وفق اصطلاحهم».



ويكتب البنا بعد هذا عن التصوف ومكانه في التزكية الروحية وكيف انحرف المتصوفون المتفلسفون ويلح على ضرورة إصلاح الطرق، ثم يتحدث عن تبتله ومواظبته على الذكر، وكيف كان يرحل مع الإخوان رحلات طويلة لزيارة أضرحة الصالحين، وكيف كان يعتزل أحيانا ويصوم عن الكلام متوجها إلى ربه يفكر في آلائه.



ومن ثمرات الذكر الرؤيا الصالحة وهي المبشرات التي يرثها المؤمن عن نبيه، وهي نوع من الكشف يكرم الله به الصادقين من عباده، يقول البنا<a href="#_ftn5" id="_ftnref5">[5]</a> &nbsp;: «وإن من فضل الله تبارك وتعالى أنه يطمئن ويسكن نفوس عباده، وإذا أراد أمرا هيأ له الأسباب، فلا زلت أذكر أن ليلة امتحان النحو والصرف رأيت فيما يرى النائم أني أركب زورقا لطيفا مع بعض العلماء الفضلاء الأجلاء يسير بنا الهوينا في نسيم ورخاء على صفحة النيل الجميلة، فتقدم أحد هؤلاء الفضلاء، وكان في زي علماء الصعيد، وقال لي: أين شرح الألفية لابن عقيل؟ فقلت: ها هو ذا، فقال: تعال نراجع فيه بعض الموضوعات، هات صفحة كذا، وصفحة كذا، لصفحات عينها، وأخذت اراجع موضوعاتها حتى استيقظت منشرحا مسرورا، وفي الصباح جاء الكثير من الأسئلة حول هذه الموضوعات، فكان ذلك تيسيرا من الله تبارك وتعالى، والرؤيا الصالحة عاجل بشرى المؤمن، والحمد لله رب العالمين».



حسن البنا رجل أكرمه الله بمحبة أوليائه وأجلسه في مجالس ذكره، وأيقظ فيه غيرة على الإسلام وتشوقا لموعود الله وتوقانا لنيل رضاه، فمن صحبة الأخيار انبعث في قلبه هذا الحب الإلهي الذي يغمر قلب المؤمن فيحب لإخوانه ما يحب لنفسه، ومن صحبة الأخيار توطدت في نفسه مثل الاستقامة على دين الله وإخلاص العمل له، ومن نور الأخيار اقتبس حتى أصبح لله ذاكرا وإلى دينه داعيا، وعاشر كثيرا من الناس بعد ذلك فاطلع على ما يرتكب باسم التصوف من الحماقات والبدع التي وقاه الله شرها إذ وضعه صغيرا في حجر الرجال الحصافية رضي الله عنهم.



الإسلام بين الدعوة والدولة، ص 371-377.



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="#_ftnref1" id="_ftn1">[1]</a> مجلة «المسلمون» العدد 10 رجب 1375 ص 23.



<a href="#_ftnref2" id="_ftn2">[2]</a> مذكرات الدعوة والداعية. ط 2 ص 9. 1376



<a href="#_ftnref3" id="_ftn3">[3]</a> &nbsp;نفس المصدر ص 110.



<a href="#_ftnref4" id="_ftn4">[4]</a> &nbsp;نفس المصدر ص 113.



<a href="#_ftnref5" id="_ftn5">[5]</a> &nbsp;نفس المصدر ص 32.

12 فبراير 1949 | ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا

في فضل العشر الأوائل من ذي الحجة

08 شوال: أنهى الإمام تأليف كتاب «سنة الله»

الإمام عبد السلام ياسين

27 رمضان 1403 | انتهى الإمام من تأليف «دولة القرآن»

في مثل هذا اليوم..وفاة السيدة خديجة المالكي زوج الإمام

25 مارس 2015 | وفاة السيدة خديجة المالكي زوج الإمام

27 رجب 1415 | كتب الإمام رسالة تذكير

مجلة الجماعة المنبر الأول للإمام ياسين

مفكرة

12 فبراير 1949 | ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الولد الصالح

بذكر الحبيب المصطفى الكونُ يعْبَقُ

حقد بلا حدود

إن الله اشترى…

القرآن محور تعليم الأطفال

عظمة الرسالة

مقالات ذات صلة