فتوبتُنا إلى الرحمن، وتسميتنا لدولة القرآن، لا يصحان لنا إلا بهدي القرآن، علوم القرآن. منه ننطلق، وإليه ننتهي. به تُطَبُّ القلوبُ، وبه تهذَّبُ الأخلاقُ، وفي مدرستِه تُطْبَعُ كلُّ العلوم لتأخُذَ صبغةَ الله، وتجَنَّدَ لخدمة دين الله. الحق الذي جاء به القرآن هو معيارُ كل القيم، به نعرفُ نسبة الإنسان للإنسان، ونسبةَ الإنسان للكون، ونسبة الدنيا للآخرة، ونسبة الحق للباطل، في إطار نسبة العبد لربه. وأنصعُ ما تكون النسبة بين العبيد ومولاهم الحقِّ حين يتلون كتابَه المنـزَّل عليهم رحمةً وحكمة، وحين يشمرون لتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي. فإذا صحت هذه النسبةُ بين العبد ومولاه، بين الأمة وربِّها وسيدها، اتخذَتْ كلُّ مَلَكات الإنسانِ وطاقاته الظاهرة والباطنة من قلب، وعقل، وجسم، وأشياءَ صنعتها المهارة، وعلاقاتٍ نسجتها الأعراف، وتاريخٍ ألَّفتْهُ الأقدارُ، مكانَها الحقيقيَّ بالنسبة للغاية التي كشف عنها الرب جل وعلا لعباده.
الوضعُ معكوس في النمط التربويّ التعليمي السائدِ في بلاد الجاهلية، المستورَدِ إلينا، بل المفروضِ علينا. في هذا النمط إنسان بالصورة والشكل، فارغٌ من إنسانيته، ممتلئٌ بهواه وبهيميته، يدور حول فلَك شهواته. وكلُّ إفرازات ذهنه، وهواجِس نفسه، وصناعةِ يده، وابتكارِ حِذقه، مُسَخَّرَةٌ لإسعاف هواه.
يَصعُب على الغافلين عن ربهم أن يتصوروا نظاما تربويا تعليميا برنامجه القرآن، ومضمونه القرآن، وأهدافه القرآن، ومنهاجُه السنة وعمل النبوة. كيف نُدْخِل في الإسلام لغة ملوثة بمعاشَرة اللغات؟ كيف ندخل للإسلام علوم الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والتكنولوجيا، والتاريخ؟ كيف وكل هذه العلوم طُوِّرَتْ في حظيرةٍ لا تدين لله بدين، ولا ترجو له حسابا؟ ثم كيف نربطها بالقرآن ونفرعها عنه، وقد شبَّت وشاخت في أحضان قوم لا يومنون بالقرآن، ولا برسالة القرآن، فهي في ذاتها الأصلُ في تقدير الفكر المادي العريق في معرفة الوسائل المُبْعَدِ عن معرفة الغاية؟…إقرأ المزيد “كتاب إمامة الأمة ص-157”
أضف تعليقك (1 )