post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

الدكتور زكي مبارك: يمثل الإمام ياسين مدرسة جديدة في الكتابة التاريخية:
تعرفت على الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله عام 1965م حين عُين مديرا لمركز تكوين المتفتشين بالرباط، كنت حينها أساعد والدي «باحماد» حارس المؤسسة في بعض أعماله، فتلقيت من الإمام تشجيعا حين علم بأني حاصل على دبلوم اللغة العربية ودبلوم الكفاءة في الترجمة. وشخصية الرجل شخصية فريدة، تفرض نفسها على الآخر، بما في ذلك المفتشين بالمركز، فكان يعمل في صمت، ولا تكاد تشعر حين تلقاه بأنك تجلس إلى المدير لتواضعه الجم.
وحين سافرت إلى فرنسا سنة 1969م ظلت العلاقة موصولة بالإمام عبر صديقه الحاج إبراهيم الشرقاوي رحمه الله، فعملنا على التواصل مع الأساتذة الباحثين في فرنسا، والتمهيد لتواصلهم المباشر بالإمام رحمه الله، فتم ذلك وكانت نتائجه ظاهرة فيما أنتجوه من كتابات جادة، ما تزال محفوظة في حوليات شمال إفريقيا.
ولما عدت إلى المغرب سنة 1973م كان الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله رهن الاعتقال التعسفي في مراكش، وذات يوم حمل إلي السيد إبراهيم الشرقاوي عددا من المنشورات من بينها رسالة «الإسلام أو الطوفان» الموجهة إلى ملك البلاد آنذاك سنة 1974م، وهي رسالة أثارت انتباه كل المهتمين بالشأن الثقافي وكذا السياسي بالمغرب. وكان الجميع ينتظر رد فعل ملك هو في عنفوان سلطته، على هذه الرسالة القوية المباشرة، وما تحمله من أفكار مجدِّدة.
وفي سنة 1975م قررت السكن في سلا، وفي أحد الأيام حلَّ الإمام ضيفاً على السيد إبراهيم الشرقاوي، وكان أن أُعجب بالحي الذي يسكنه السي إبراهيم حي السلام، فطلب إليه أن يبحث له عن مسكن قريب، قائلا:&#8221;حتى نكون جيران السي زكي&#8221;، وبعد ذلك انتقل الإمام رحمه الله ليسكن قريبا من سكناي، لا تفصلنا إلا أمتار قليلة، فكان يحلو له أن يناديني بـ: «الجار العزيز»، كلما التقيته أو كتب إلي مكتوبا.
وقد استدعاني الإمام رحمه الله مرة إلى بيته، لأقدم للإخوة في قيادة أسرة الجماعة عرضا حول كيفية تأسيس جمعية، فاقترحت عليهم التفكير في تأسيس حزب سياسي وضرورة اقتحام الإمام رحمه الله للساحة الثقافية الفكرية، عبر فتح حوار مع النخب الفرنكفونية، فحبذ الإمام الفكرة الثانية، ورفض الأولى مبرراً بأن لا فائدة في إضافة حزب إلى تلك الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية. فكلِّفت حينها بالإعداد لمحاضرة تحت إشراف جمعية الشباب والتقدم، يلقيها الإمام رحمه الله باللغة الفرنسية وذلك يوم الجمعة 27 يونيو 1980م، على الساعة السادسة مساء بقاعة وزارة الثقافة. وكان من المقرر أن يكون إلى جانب الإمام المفكر رشدي فكار، إلا أنه اعتذر في آخر لحظة.
كما كلفت بطبع كتاب «La Révolution à l&#8217;heure de l&#8217;Islam» خارج المغرب، نظرا للحصار المضروب على الإمام رحمه الله ومن معه، وقد عملت إبان إقامتي بالديار الفرنسية على ربط الاتصال بدار النشر، ليحضر الناشر إلى الرباط ويلتقي بالإمام فيتفقا على شروط النشر، وقد تسلم الناشر مبلغا من المال في شكل تسبيق، كما أنه لم يُخفِ تخوّفه مما قد يجره عليه هذا الكتاب بعد ذلك. وكذلك كان، ففي 16 نونبر 1981م وجّه الناشر رسالة إلى الإمام رحمه الله على يدي -يد الأستاذ زكي مبارك- يشكو فيها ما تعرض له من عراقيل إدارية ومالية واستجوابات على يد أجهزة الأمن الفرنسي، وكيف تحمّل كل ذلك تقديرا لمكانة الإمام رحمه الله عنده، ولما يربطه بي من صداقة. وفي 14 دجنبر 1981م وجّه الإمام رحمه الله للناشر رسالة شكر على مجهوداته الحميدة، في أعقاب طبع الكتاب ونشره.
وقد شرفني الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله بحضور عقد قران كل بناتي الثلاث، في تواصل أبوي وأخوي، وينجلي ذلك أيضا في العبارات الرقيقة التي كان يخطّها على الصفحة الأولى من كل كتاب يصدر له فيهديه إلي. ومن بين هذه الكلمات التي أعتز بها -وأعتز بها جميعها- ما خصني به في إهداء كتاب «حوار الماضي والمستقبل»، يقول:&#8221;الأخ الكريم والجار العزيز الدكتور مبارك زكي، مع العواطف الخالصة لمؤرخ عساه يعيد حاضرا كئيباً، ليستشرف مستقبل أمة تصحو إلى إسلامها، وتستيقظ اليوم وتنهض ناشطة غداً إن شاء الله، غدا الإسلام ولا شيء غير الإسلام&#8221;. وفي كتاب «الشورى والديموقراطية»، يقول: &#8220;ما يقول المؤرخ مبارك زكي في أصحاب أرصدة تاريخية مسلمين بلا إسلام، الأوفياء منهم والأدعياء&#8221;. وفي كتاب «حوار مع صديق أمازيغي»، يقول: &#8220;الأخ الكريم الدكتور زكي مبارك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما يقول المؤرخ في معركة المصير هاته، أقصد ثورة الأمازيغ لا غيرها&#8221;. وفي كتاب «Islamiser la modernité» يقول: &#8220;إنها كلمة واحدة تلخص عشرات الصفحات، كلمة سياسية هي &#8220;الميثاق الإسلامي&#8221; وكلمة مصيرية هي: من أنا؟ وإلى أين؟ وماذا بعد القبر؟&#8221;. وفي كتاب «سنة الله» يقول: &#8220;الأخ العزيز سيدي مبارك زكي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، راجيا لكم دوام الصحة, أخوكم عبد السلام ياسين، سلا&#8221;.
وإلى جانب كتابات الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله كان لسلوكه في مواجهة الأحداث التي عانى منها، الأثر البالغ في صفوف جيل السبعينيات وما بعدها، فكان المتتبعون لنشاطه يقدرون الرجل ويُكبرونه، فهو الرجل الطيب الهادئ الطبع المتواضع.
وقد حاولت أن أتعرض في إحدى كتاباتي لموضوع الكيفية التي قارب بها الإمام رحمه الله قضية التاريخ، وقراءته لمجموعة من الشخصيات وفي طليعتهم الأمير عبد الكريم الخطابي. ويمثل الإمام في ميدان الكتابة التاريخية مدرسة جديدة، بأسلوبها وتفكيرها ومنهجها، إذ تطرق في كثير من المواضيع بتحليلات منطقية تعبر عن قراءة عميقة ومتنوعة، لمختلف المصادر التاريخية. وكنا قد أسسنا مجموعة البحث في تاريخ عبد الكريم الخطابي نخصص لذلك ندوة علمية، وفكرنا في موضوع ندشن به عملنا، وبعد تواصل مع بعض الإخوة عقدت هذه الندوة في مقر الجماعة، وهي مبادرة يسجلها التاريخ للجماعة.
ولا ينكر أحد تناول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله لموضوعات كثيرة، منها الاقتصاد والحكم والشورى والديمقراطية والمرأة والتربية والتعليم والتغيير إلخ، ومما أشكر عليه جماعة العدل والإحسان أنها عملت بكل جهدها لتخرج هذه الكتابات، ليستفيد منها المثقفون والكتاب، إضافة إلى وسائل التواصل الحديثة التي أحسنت توظيفها أحسن توظيف.
ولا ننسى للإمام رحمه فضله الكبير في تجنيب المغرب وأبنائه منزلق العنف، الذي عانت منه دول عديدة. كما رفض أي تنسيق أو دعم من الخارج، خاصة بعد نجاح الثورة الشيعية في إيران.
وأجدني فخورا أيما فخر لكون الإمام رحمه الله اختصني بأن كنت الوحيد الذي سمح له بزيارته إبان فترة الحصار في بيته، فكنت أزوره في أي وقت أشاء، ما جعلني مثار تساؤلات عديدة. كما شرفني الإمام بأن كسر الحصار لحضور عقد قران ابنتي الصغرى، فأخبر حراس الأمن بباب بيته بما عزم عليه. وفي اليوم نفسه تلقيت اتصالا هاتفيا من عامل مدينة سلا، يخبرني بما هم فيه من حرج. وبعد صلاة العصر خرج الإمام رحمه الله تلاحقه أعين الشرطة بالزي المدني، حتى دخل داري وسلم على من فيها. فكانت مبادرة جريئة، حضر فيها إلى جانب المدعوّين وقرأ الفاتحة. لأن الرجل لم ينس فضل بيتي على هذه الجماعة في بداياتها، ولعله لتقديري واعترافه بما قدمته رفقة سيدي إبراهيم الشرقاوي رحمه الله، في تواصلي بفرنسا وإعداد الندوة مع النخب المغرّبة، ودعوة الأساتذة الفرنسيين والباحثين في مراكز بحثية تهتم بالتيارات السياسية بالدول المغاربية، من أجل دراسة فكره ومسيرته. وربما كانت هذه المعطيات والمواقف جعلته يأخذ ذلك بعين الاعتبار، فيكنّ لي الاحترام والتقدير.
ومهما قلت عن الأستاذ والمرشد والداعية والمربي والمجاهد عبد السلام ياسين رحمه الله فلن أوفيه حقه، ويكفيني هنا أن أستلهم ما وصف به المفكر طارق رمضان شخصية الإمام رحمه الله، بقوله: &#8220;استوقفني وفاؤه لرؤيته ووفاؤه لمبادئه ووفاؤه لمواقفه وطموحاته، لن أنساه رحمه الله، عطوف، ذا هيبة، يجلس بتواضع، دائم التأمل، لا تفارق وجنتاه الابتسامة رحمه الله&#8221;.

د. زكي مبارك: يمثل الإمام ياسين مدرسة جديدة في الكتابة التاريخية

شهادة البروفسور فرانسوا بورغا في الإمام عبد السلام ياسين

السيدة خديجة المالكي | كان الإمام عبد السلام ياسين أبا مثاليا

الشيخ العلامة الحسن ولد الددو (موريطانيا)

الشيخ العلامة الحسن ولد الددو: الشيخ عبد السلام ياسين من ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمننا

ساعف: أحيي في الإمام ياسين المفكر والمناضل السياسي

شهادة الإمام ياسين في كتب العالِم يوسف القرضاوي

الشيخ القرضاوي: هذه شهادة الإمام ياسين في الإمام البنا رحمهما الله

ذ. الحبابي: وجدت الشيخ ياسين بشوشا ومتفائلا وهادئا ومطمئنا، وقد أثر فيَّ كثيرا

شهادات

د. زكي مبارك: يمثل الإمام ياسين مدرسة جديدة في الكتابة التاريخية

أضف تعليقك (1 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

سفر إلى الله || ذ.فضل الله الفلاحي || يوم المؤمن وليلته

جاءكم المطهر

شهر رمضان

إدارة مواقع الإمام تبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك

أسرى الحرب في الإسلام

20 فبراير 1978 | خروج الإمام من الاعتقال إثر رسالة الإسلام أو الطوفان

مقالات ذات صلة