post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

الشيخ عبد الله جاب الله عبر مشاركة مكتوبة : الإمام من الأئمة المصلحين الذين توسعوا في دراسة العلوم الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم الشيخ /عبد السلام ياسين رحمه الله العالم والداعية الرباني إلى الأستاذ محمد عبادي ألامين العام لجماعة العدل والإحسان وإخوانه في قيادة ومناضلين وعموم إخواننا من المسلمين في المغرب الشقيق السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا ونبينا المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وسار على سنته إلى يوم الدين، أما بعد، لقد وصلتني دعوة كريمة من جماعة العدل والإحسان لحضور الذكرى الخامسة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، وكم تمنيت الحضور بشخصي فعاليات هذه التأبينية لعالم من علماء الأمة ورمز من رموزها رحمه الله، ولكن حالت بيني وبين الحضور ظروف قاهرة، فرأيت من واجبي المشاركة بكلمة مختصرة في هذا الحفل التأبيني في الذكرى الخامسة لوفاة الشيخ عبد السلام، وفاء مني لآصرة العلم والدعوة التي هي عندي أقوى من كثير من غيرها من عوامل الارتباط وأسباب التواصل، فأرجو من الله تعالى له المغفرة ولكم الثبات والتوفيق لجهودكم في الصلاح والإصلاح . إنّ الإسلام أنشأ أمّة على التوحيد والمتابعة، وأوجد منها نماذج فذة من مختلف شرائحها ومكوناتها، فكانت أمّة صالحة في ذاتها مصلحة لغيرها، تقودها قيادات كفؤة وراشدة، ولذلك انتشر الإسلام وساد، ولما قوي التآمر عليه من الداخل والخارج وبعد قرون من تعطيل العمل بالشريعة والاهتداء بها صرنا إلى ما صرنا إليه، وحلّ بنا ما حلّ من فتن وفساد، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلاّ بما صلح به أولها، وقد صلح أمر هذه الأمة في عهودها السابقة بالدين لما أحسنوا فهمه وأحسنوا الالتزام به والدعوة إليه وعرفوا كيف يقيمون حياتهم على هداه وينظموها بمنهجه، وكيف يغزون بحقائقه عقول الناس وقلوبهم، فدخل الناس في دين الله تعالى وفاءوا إلى مصادره الأساسية يدرسونها ويتفقهون فيها ويقيمون حياتهم على أحكامها، فصار الإسلام هو الحاكم في حياتهم بمختلف جوانبها وفي جميع مجالاتها، وهو الحكم في كل ما يجدّ في حياتهم كأفراد وكمجتمع وأمة ودولة، فمنّ الله تعالى عليهم بالنصر والتمكين وذاقوا حلاوة السعادة والعزة في الحياة. لقد كان أول هذه الأمة صالحا بالفعل كما يشهد بذلك التاريخ ويعترف به القريب والبعيد والصديق والعدو والراضي والساخط، فالتاريخ لم يعرف أمة أقوم على الحق وأهدى به مثل أول هذه الأمة، ولم يعرف قوما اتحدت سرائرهم وظواهرهم على نصرة الخير ونشر الفضيلة والدعوة إلى ذلك مثل أول هذه الأمة، ولم يعرف أمة أقامت حياتها على العدل والإحسان وبنت علاقاتها على مقتضياتهما مثل أول هذه الأمة، ولم يعرف نموذجا صحيحا للإنسانية الكاملة والإنسان النموذجي الذي يعرف لكل ذي حق حقه، ويلتزم الموضوعية الحقّة في الحكم على غيره مثل ما عرفه في أوّل هذه الأمّة، ولم يعرف مجتمعًا متكافلاً ومتعاونًا على البر والتقوى يرحم قويُّه ضعيفه ويوقّر صغيرُه كبيره ويعرف عوامُه قدر علمائه مثلما عرفه أوّل هذه الأمة، ولم يعرف تكاملاً في خدمة الدين وتطبيق أحكامه وتنمية داره وبلاده بين الحكام والمحكومين مثلما عرفه أوّل هذه الأمة. وقد تحقق هذا لهذه الأمة دون غيرها بسبب القرآن والسنة، ولا عجب في ذلك فالله تعالى قد وصف القرآن بكل صفات الجمال والكمال فهو إمام وموعظة ونور وبرهان وشفاء وبشرى ورحمة، وأنه يهدي للتي هي أقوم، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنّه كما قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام: «فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه» وهو بعد ذلك حجة لنا أو علينا . ثمّ تخلى الحكام تدريجيا في بناء الدولة وتصريف شؤون الأمة عن الإسلام، حتّى عطّلوا العمل به بصفة كاملة إلاّ ما كان من بعض أحكام الأسرة، ومارسوا عليه من صور الظلم والعدوان ما يقصر القلم عن وصفها والإحاطة بها، وأحلّوا النظريات والنظم الوضعية محلّ الإسلام؛ ومنها الاشتراكية ونظام حكمها الثوري الاستبدادي، والليبرالية ونظام حكمها الديمقراطي التعددي، وأحيانا حاولوا المزاوجة بين تلك النظريات والنظم مع إهمال شبه كامل للجوانب الايجابية فيها، وأشاعوا الفواحش والمنكرات وشجعوا عليها، فأضحى الدين غريبا وأضحى أتباعه وأولياؤه غرباء، ولا سبيل أمامهم للخروج من غربتهم إلاّ السبيل الذي اتّبعه السلف الصالح.. لقد بشر الله تعالى عباده المؤمنين بأن الأرض لا تخلو من قادة مهتدين يدعون إلى الحق ويلتزمون به على بصيرة وعلم لتستمر القدوة السلوكية المؤثرة ويستمر صوت الحق مدويًا بأفواه من اهتدوا بالحق وقصروا حياتهم على الدعوة إليه، فإذا فسدت الأوضاع والأحوال وكثر المفسدون الذين يعطلون العمل بالشريعة ويستبدون بالحكم ويعتدون على الحقوق وينهبون الثروة فإن الأمة الكبيرة لا تخلو من أمة صغيرة داخلها تكون قدوة لأنها تهتدي بالشرع وتهدي به، قال تعالى: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾[الأعراف: 1881]، فالخير لا ينقطع من الأرض مهما كثر الفساد وعم الظلم، وقد شهد التاريخ ويشهد الواقع على هذه الحقيقة . إنّ التيار الإسلامي هو في الأصل هذه الأمة التي تلتزم بدينها وتدعو إليه وتسعى في توفير عوامل إعلاء مجده وأسباب عزه ونصره، وفي طليعة هذه الأمة علماؤها وزعماؤها وقادة الرأي فيها، وأحسب أنّ المرحوم الشيخ عبد السلام بن محمد بن سلام رحمه الله وأسكنه فسيح جناته من العلماء والدعاة والقادة المربين الذين فهموا أنّ النصر الذي ننشده والأهداف التي من أجل تحقيقها ظهر التيّار الإسلاميّ وجاهد، إنّما تتحقق بعد توفيق الله تعالى وعونه بالنجاح في تمتين الجبهة الداخلية وتغيير أحوالها على الصورة التي يحبها الله تعالى ويرضاها، فشرط الفوز بالجائزة هو النجاح، في توفير أسباب ذلك وشروطه ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الروم:46]، ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[آل عمران: 120]، فقصر حياته على إيجاد الأمة التي توفر أسباب النصر، وقد دلّت سيرته الذاتية وآثاره العلمية والعملية الواضحة في عشرات الكتب وفي جماعة العدل والإحسان؛ كبرى الجماعات العاملة في المغرب، على أنّه رحمه الله لم يعش لنفسه وإنما عاش لدينه وأمته، ولم ينطو على ذاته وإنّما انطلق بين قومه وشعبه موجهًا ومعلمًا ومربيًا وناصحًا، ولم يكن سلبيًا ولا أنانيًا ينظر إلى أحواله ويهتم بأموره وحسب، وإنّما اهتم بأمور شعبه ووطنه وسعى في خيرهم متجاوزًا كل الشدائد والعقبات صابرًا على كل المحن والابتلاءات بثبات متفرد وإصرار متميز على المضي في أداء واجباته. لذلك فهو علم من الأعلام وإمام من الأئمة المصلحين الذين توسعوا في دراسة العلوم الشرعية باستقلال واضح في الاستدلال لها، وداعية من أبرز الدعاة المصلحين مستنير العقل مستقل الفكر في الحكم على الأشياء، وقائد من القادة العاملين على التمكين للدين بمنهج مستقل قائم على فقه عميق لمعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[الرعد:11]، ومفكر واسع الإطلاع على الفكر الإسلامي، عميق المعرفة بواقع الأمة، ملم بالفكر الغربي وبجانب مهم من معارف عصره، إلى جانب ما هو عليه من حظ وافر من الأخلاق الحميدة والإرادة القوية التي لا تلين لباطل ولا تخضع لظلم. كل هذه الخلال أهلته لتأسيس أكبر جماعة إسلامية في المغرب، وبوأته مكانة عالية لدى شعبه وأمته وبين علماء الأمة ومصلحيها وقادة حركاتها وجماعاتها، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة ورفع منزلته في الجنة ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾، وأمد الله تعالى في عمر أولاده وأصحابه وأتباعه وأعانهم على الثبات على الحق والالتزام به والدعوة إليه. الجزائر في: 22 ربيع الأول 1439هـ الموافق لـ 12 ديسمبر 2017م البروفيسور الشيخ عبد الله جاب الله

الشيخ جاب الله:الإمام من الأئمة المصلحين الذين توسعوا في دراسة العلوم الشرعية

الدكتور موسى الشريف | الإمام جاهد كثيرا وعمل كثيرا من أجل التغيير

د. أحمد الزقاقي : مزالق العنف وتداعياته

كلمة سيدي محمد عبادي في حفل تأبين الذكرى الخامسة

الشيخ جاب الله:الإمام من الأئمة المصلحين الذين توسعوا في دراسة العلوم الشرعية

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

جاءكم المطهر

شهر رمضان

إدارة مواقع الإمام تبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك

أسرى الحرب في الإسلام

20 فبراير 1978 | خروج الإمام من الاعتقال إثر رسالة الإسلام أو الطوفان

Top 10 Issues & Solutions

مقالات ذات صلة