مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

تدوينات

الوظيفة التواصلية لمجلة الجماعة

الوظيفة التواصلية لمجلة الجماعة

الإمام عبد السلام ياسين..من التجربة الشخصية إلى تأسيس مشروع أمة..(11)

الوظيفة التواصلية لمجلة الجماعة(الجزء الأول)

مقدمة

تميز الخط التحريري لمجلة الجماعة بالقصد والوضوح، لكون مديرها المسؤول يؤمن بقوة الرسالة الإعلامية. من أجل ذلك وضع الإمام لمجلة الجماعة ثلاث وظائف متكاملة: الوظيفة التعريفية بالمشروع، الوظيفة التأسيسية للعمل الميداني، ثم الوظيفة التدافعية.

سوف أتناول بالشرح والتحليل -تِباعا- كل وظيفة من وظائف مجلة الجماعة، حتى يستطيع القارئ الكريم أن يجد العلاقة بين علم المنهاج النبوي والعمل بمقتضياته.

في هذه الحلقة، أتحدث عن الوظيفة التواصلية التي أراد الإمام مد جسورها عبر مجلة الجماعة، وذلك عبر مستويين:

المستوى الأول: التعريف بمشروع بناء الفرد والمجتمع الذي يقترحه الإمام وفق مقاربة منهاجية متجددة، تعمل العقل المجتهد والقلب الذاكر لاقتحام عقبات الفقه المنحبس والعلم الغافل والحركية الجوفاء.

المستوى الثاني: فتح نقاش جاد مع كل أغيار المجتمع من أهل العلم والدعوة والسياسة والثقافة… لتقريب وجهات النظر للعمل المشترك.

المستوى الأول: التعريف بالمشروع

تعتبر افتتاحيات الأعداد السبعة من مجلة الجماعة “الورقة الإطار” المحددة لمرامي مشروع الإمام لبناء جماعة المسلمين. تميزت بالوضوح والقصد والشمولية والقوة. فتح الإمام فيها قنوات للتواصل والحوار مع فئات عريضة من أهل الدعوة والفكر والسياسة باختلاف مشاربهم. بذلك كانت الوظيفة الأولى لمجلة الجماعة مد جسور التواصل، ما دام الحوار الديمقراطي وحقوق الإنسان “دينا معلَنا”.

تميزت الأعداد السبعة الأولى بمقالات افتتاحية للمدير المسؤول[1] وأخرى تحليلية لنخبة من الأقلام الأولى ومنبر وعظ ومنبر المؤمنات وندي الطلبة وبريد القراء ولقاءات تاريخية. أبواب رسمت الخطوات العملية التطبيقية على مدرجة الإسلاميين ومطارحة الأسئلة مع المتسائلين في البحث عن الحلول، والنظر مع الناظرين فيما يجمع الإسلاميين مع سائر المسلمين والخلق أجمعين، وما يفرق ويحجب عن الحوار، وما يجعله ضروريا، وما يلزم من جهود لإقامة دولة القرآن.

الافتتاحية العدد الأول[2]: افتتاحية واستفتاح

.

تقع في 26 صفحة من المجلة. قدم فيها الإمام قراءته للأحداث الضخمة التي شهدها العالم، خاصة بعد نجاح الثورة الإيرانية في فبراير 1979، والتي أثارت إعجاب الكثيرين آنذاك، الذين رأوا فيها تعبيرا قويا عن مشاعر الشعوب التواقة للعدل والحرية ونبذ التبعية والتسلط.

وجه الإمام ثلاث رسائل قوية لتصحيح المنطلق ولتحديد المسار:

الرسالة الأولى: إلى أصحاب “الألوية الحمراء” بأن مفهوم “القومة” أعم وأعمق من المفهوم القزمي ل”الثورة” التي تتم بالعنف من خلال العمل السري. أما القومة فهي مشروع بناء حضارة الأخوة الإسلامية وتقديمها نموذجا للإنسانية. إنها قومة لتكريم الإنسان بقيمه الحقيقية وإدخاله عصر الحضارة الأخوية على الأرض.

الرسالة الثانية: إلى علماء المسلمين بأن يستفيقوا من نعاسهم وليقوموا بالدور الذي كان يقوم به أسلاف الأمة بطب الإيمان في مجالس القرآن يوم كان العلماء يجالسون الشعب في المسجد يتعهدون كل يوم مشاعره ويقاسمونه همه.

أقام الإمام الحجة على كل معمَّمي الأمة ما لم يجيبوا عن السؤالين التاليين؟

ü السؤال الأول: ما هو الحل الإسلامي لمشاكل المسلمين؟

ü السؤال الثاني: من يمثل إرادة الشعب حتى يستطيع أن يفرض الحل الإسلامي؟

الرسالة الثالثة: إلى شباب الأمة بضرورة التحلي باليقظة وضرورة تمييز الحق من الزور، وعدم الثقة بأهل الانتهازية، وعدم الانجرار إلى مربع العنف وسفك الدماء.

نبه الإمام رحمه الله منذ أربع عقود للمزالق التي يمكن أن يقع فيها الشباب، لكون العنف يفرز التوتر والانغلاق وتكون مجتمع الكراهية، تحكمه دهنيات الولاءات الضيقة، والتبعية العمياء المقلدة. وهذا ما نعيشه اليوم للأسف بتفاصيل مرة، رحم أمة واحدة أصبحت متعددة الأرحام، وبوصلة واحدة أصبحت متعددة القبلات.

واقع فتنة يضيع فيها شباب تائه، وجه إليه نداء بعنوان: “يا بني اركب معنا”. أراد الإمام لكل سامع وقارئ للنداء، ركوب سفينة النجاة إلى شاطئ البر والأمان من طوفان بحر الفتن والظلام.

افتتاحية العدد الثاني[3]: تحت عنوان:”وهن وهوان”

.

لما أصاب العرب من هوان عندما انسلخوا عن المبادئ العليا وعن معاني الرجولة التي كانت تميزهم. فأصبحت العروبة غثائية تحمل عناوين الهزيمة والفقر والتطاحن الاجتماعي… وذلك عندما ارتبطت العروبة بالرايات العمية. العرب كثير لكن ذرية خاسرة باعت ضميرها لشرق الجاهلية أو غربها تقود سفينة العرب إلى الهاوية.

افتتاحية العدد الثالث[4]: “الدعوة والدولة”

.

تقع في 14 صفحة. يكشف الإمام التجاذب والتنافر الذي عرفته ثنائية الدعوة والدولة في تاريخ المسلمين. كما يفتح الإمام الباب واسعا لكل عالم عامل ومجتهد لكي يعيد العلاقة بين الدعوة والدولة إلى وضعها الطبيعي قبل أن يفوت وقت الإصلاح الترميمي ويحل أوان القومة الإسلامية بعد القطيعة التامة. والأنظمة التي تدفع إلى القطيعة بإبادة الدعاة وإهانتهم إنما تحفر بظلفها.

افتتاحية العدد الرابع[5]: “إلى رحمة الله ورضاه!”

.

نعى فيها الإمام عبد السلام ياسين، الشيخ الإمام أبا الأعلى المودودي[6]، أحد أعلام هذه الأمة رحمهما الله ورضي عنهما. كما ذكر الإمام في 15 صفحة من هذه الافتتاحية بمناقب الرجل، إذ اعتبر الإمام جهاد المودودي ومواقفه وتعليمه صوى بارزة على طريق الدعوة الإسلامية بهذا العصر. خلف جماعة مجاهدة رباها على هدى من الله وتوفيق، كما خلف علما واجتهادا. إن الله خلف عن كل أحد، وطوبى لمن لقي ربه بعد أن بذل الجهد ونصح للأمة.

افتتاحية العدد الخامس[7]: “فقه التجديد”

.

طلب الإمام إلى القارئ الإمعان في صفحات هذه الافتتاحية التي طرح فيها سؤالين أساسين، عليهما يدور فقه التجديد القائم بلسان السنة الشريفة على ركنين ثم بعد الفقه أن نتجند لتوحيد العامل البشري المجدد، هذا الـ”من” المذكور في الحديث ثم نشر الإيمان وبثه وتجديده من انكماش وغياب وبلى:

ü من يجدد وكيف يجدد؟

ü ما هو العلاج الأساسي و كيفية استعماله؟

افتتاحية العدد السادس[8]: “الجهاد”

.

جعل الإمام خصلة الجهاد العاشرة في ترتيب شعب الإيمان، لكون الجهاد بمراتبه نتاجا لتربية إيمانية متكاملة. فإذا وقع خلل في اكتساب شعب الإيمان، اختل توازن الفرد والجماعة ووقع الانحراف عن القصد والالتفات عن الغاية. ما تم إيمان ولا يصح أن يعتبر التجديد تجديدا إن لم تتوج تربية جند الله بنية الجهاد فعزمة الجهاد فطلب الشهادة في سبيل الله.

لا بد للعامل المجدد، قيادة وجماعة، من رؤية واضحة لمهمات التجديد وشروطه، ولا بد له من الإرادة العازمة التي تنقل النية من آفاق التطلع والأمل إلى ميدان الجهاد. فميدان الجهاد متشعب وتراتبي. صنف الإمام الجهاد إلى أحد عشر نوعا: جهاد النفس، جهاد المال، جهاد التعليم، جهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جهاد الكلمة والحجة، الجهاد السياسي، جهاد التنفيذ، جهاد النموذج الناجح ثم جهاد التوحيد[9].

افتتاحية العدد السابع[10]: “أسرة الجماعة”

.

أعلن الإمام عزمه تأسيس “أسرة الجماعة” بعد سلسلة الحوارات[11] وطرق الأبواب على الدعاة والعلماء وأغيار هذا البلد الحبيب على العمل المشترك[12]، على قاعدة المنهاج النبوي، لقناعة الإمام رحمه الله بالشروط المشروطة التالية: “لابد من العلم المسبق قبل الشروع في العمل. وعلى وضوح الرؤية وتكاملها يتوقف نجاح كل مشروع. سيما إن كان مشروع تغيير أمة من تخلف حضاري وفكري وخلقي وعسكري إلى قوة وتماسك. من تيه إلى رشاد”.

قال الإمام المرشد رحمه الله: “وقد آن بعد أن صدرت ستة أعداد من هذه المجلة، صودر منها العدد الخامس جورا وتعسفا، أن ننزل إلى أرض العمل المنظم بعد أن مارسنا جهاد الكلمة وحدها ما شاء الله”[13]. تعتبر هذه الافتتاحية “الوثيقة المؤسسة”، والتي تقع في 29 صفحة، لدعوة العدل والإحسان، حيث عرض المرشد رحمه الله المعالم الكبرى للمنهاج النبوي الذي هو طريقة العمل الذي به المنطلقات وكيفية العمل وكيفية استعمال الوسائل لبلوغ الأهداف والغاية.

********************

[14]. صاحَب إصدار مجلة الجماعة تأسيس أسرة الجماعة بتاريخ فاتح شتنبر 1981م الموافق ل3 ذي القعدة 1401هـ

يتبع…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]. المدير المسؤول لمجلة الجماعة: عبد السلام ياسين.

[2]. مجلة الجماعة، العدد 1، ربيع الثاني- جمادى الأولى- جمادى الثانية 1399 الموافق ل 1979.

[3]. مجلة الجماعة، العدد2، رجب-شعبان- رمضان 1399ه الموافق ل 1979م.

[4]. مجلة الجماعة، العدد3، شوال- ذوالقعدة- ذو الحجة 1399ه الموافق ل 1979م.

[5]. مجلة الجماعة، العدد4، محرم- صفر 1400ه.

[6]. أبو الأعلى المودودي: (12 رجب1321- 31 ذو القعدة1399 ). درس على أبيه اللغة العربية والقرآن والحديث والفقه. أسس الجماعة الإسلامية في الهند عام 1360 ه. له أكثر من ستين مؤلفا.

[7]. مجلة الجماعة، العدد5، ربيع الأول- ربيع الثاني1400ه.

[8]. مجلة الجماعة، العدد6،جمادى الثانية- رجب- شعبان1400ه.

[9]. انظر أبواب الجهاد في مجلة الجماعة، العدد الحادي عشر، ص15.

[10]. مجلة الجماعة، العدد7، محرم- صفر- ربيع الأول1401ه

[11]. الحوارات التاريخية: موضوع الحلقة الموالية بإذن الله وتوفيقه

[12]. انظر الحلقة 11 من هذه السلسلة: حوارات تاريخية.

[13]. مجلة الجماعة، العدد السادس، ص6.

[14]. تأسيس أسرة الجماعة نخصص له لاحقا، حلقة خاصة بحول الله.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد