post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<p>تتشرف هيئة تحرير موقع الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله بلقاء فضيلة الأستاذ الكريم حسن قبيبش، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، ومن أبرز من صحبوا الإمام رحمه الله طيلة عقود، وأسهموا بصحبته في تثبيت أركان الدعوة إلى الله تعالى بالمغرب. كما يسعدنا التحاور معكم بشأن قضية الدعوة إلى الله سبحانه في تراث الإمام وسيرته العطرة.</p>
<h4>مرحبا بكم فضيلة الأستاذ.</h4>
<p>بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.<br />
<br />بداية شكر الله عز وجل للأحبة القائمين على هذه العمل والمشرفين عليه، وبارك في جهدهم وجهادهم، ونسأل الله عز وجل أن يجدد رحماته وبركاته على روح الإمام المربي الداعي إلى الله، وأن يلحقنا به مسلمين، مؤمنين بجوار الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه.</p>
<h4>يميز الإمام المرشد رحمه الله بين الدعوة إلى الله والدعوة إلى الإسلام والدعوة للحل الإسلامي لماذا هذا التفريق، وما حقيقة كل دعوة من هذه الدعوات؟</h4>
<p>&#8211; لقد كان الإمام المربي رحمه الله عز وجل نعم الداعية إلى الله عز وجل في كل أحواله، جالستَه أو كلمتَه أو استمعتَ إليه، لذلك كان لتجربته الروحية السلوكية المتميزة أثر في أن تصطبغ الدعوة بالعمق والإخلاص والتجرد الكامل لله عز وجل، وذلك منذ زمن ليس باليسير، خاصة بعد أن من الله عز وجل عليه <span class="citation">&#8220;باليقظة القلبية&#8221;)</span> كما يسميها رحمه الله عز وجل.<br />
<br />إن الدعوة إلى الإسلام أو الحل الإسلامي أو غيرها، ليست تصنيفات بالنسبة إليه رحمه الله عز وجل، بل كان يروم التحذير من انزلاق النية وانحرافها إلى الدعوة إلى ما دون الله عز وجل &ndash; بفعل عوامل ومتغيرات مختلفة &ndash; وذلك حتى تكون الوجهة خالصة، لأن الإنسان بطبيعته ومع ضعف الوازع التربوي الإيماني، قد يعتريه ما يعتري البشر من نقائص كالعجب والتعصب لفكرة أو مشروع. وكان الإمام قد كتب منذ مدة طويلة: <span class="citation">&#8220;نريد تربية رجال يكونون مع الحق لا مع الهوى&#8221;)</span> (المنهاج النبوي). لأنه ومع مرور الوقت وطول المدة، يوشك أن ينسى الأمر الأهم والأعظم وهو لقاء الله عز وجل وإخلاص النية إليه سبحانه، وتلكم كانت بالنسبة إليه غاية الغايات والمطلب الأعظم الذي ينبغي ألا يغيب عن الأذهان أو ينحرف إلى وجهة ثانوية مهما كان بريقها.</p>
<h4>لا شك أن المتصدي لحمل أمانة عظيمة مثل أمانة الدعوة وتبليغ كلمة الله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يلزمه التحلي بقدر وافر من الخصال والصفات والمؤهلات.. هلا حددتم لنا أهم هذه الخصال؟</h4>
<p>لا يخفى على الإنسان المسلم أهمية وشرف أمر الدعوة إلى الله عز وجل، وقد أولى الإمام رحمه الله عز وجل عناية خاصة لهذا الأمر، غير أنه لم ينحُ منحى الكثير من الدعاة، بارك الله في الجميع، من حيث سرد الصفات والمؤهلات والخصائص التي ينبغي أن تتوفر في المرء المتصدي لهذا الأمر، بل وضع رحمه الله عز وجل، إضافة إلى ذلك، الأسس العملية التي ينبغي أن ينخرط فيها الفرد حتى يتدرج في مدارج الإيمان وصولا إلى درجة الإحسان، وتلك هي الخصال العشر، والتي تبدأ بالصحبة والجماعة حيث في حضنها يتربى على خصال الخير كلها وفي الوقت نفسه هو يمارس الدعوة إلى الله عز وجل بما يسر الله له.<br />
<br />أمر ثان أريد ان أشير إليه، هو أن الإمام رحمه الله عز وجل كان يتحدث عن الجماعة الداعية إلى الله عز وجل، حيث أن الأهداف الكبرى والغايات البعيدة لا يمكن أن يتصدى لها آحاد أفراد مجتمعين أو فرادى دون تنظيم.<br />
<br />الأمر الثالث هو أن الإمام رحمه الله، كما أشرنا سابقا، يربط الأمر دائما بالغاية العظمى وهي وجه الله عز وجل، يقول رحمه الله (المنهاج النبوي: ص 13): <span class="citation">&#8220;التربية الإسلامية تخاطب أعمق ما في الإنسان وهو شعوره بالخواء والعبث ما دام بعيدا عن الله، ثم ترفعه في صحبة المؤمنين المتواصين الصابرين المتراحمين إلى طلب أسمى غاية وهي وجه الله والاستواء مع أصحاب الميمنة&#8221;.)</span><br />
<br />أمر أخير هو كذلك على قدر كبير من الأهمية، وهو أن الإمام رحمه الله لم يكن يحصر الدعوة في المجال التعبدي السلوكي الأخلاقي فقط، بل كانت له نظرة شاملة للدعوة، يقول في كتابه إمامة الأمة (ص 31): <span class="citation">&#8220;فلئن كان العالم الداعي قبلنا يغشى الاسواق، ويخالط الناس ليفقههم في أحكام البيوع و آداب السلوك و فرائض العبادات، فإن الداعي منا يجب أن يضيف إلى ذلك الإشعار بأن شريعة الله تنكر التفقير، واحتقار الناس، وظلمهم، كما تنكر الكفر والفسوق والعصيان&#8221;.)</span><br />
<br />لذلك لا بد للداعية من الوعي التام بهذه الأمور، إضافة إلى ما يمكن تعلمه من تقنيات التواصل والحوار، وما يوطن النفس عليه، كالصبر والتحمل وطول النفس، وكل ذلك تحت ظل التبتل الدائم إلى المولى عز وجل طلبا للتوفيق والخير والمغفرة.</p>
<h4>يؤكد الإمام المرشد رحمه الله تعالى في سياق حديثه عن ثنائية الدعوة والدولة على أن تكون الدعوة أميرة على الإدارة والدولة، ما جدوى هذا التأكيد في مستقبل البناء الإسلامي؟</h4>
<p>إن مفهوم الدعوة والدولة، كما أورده الإمام رحمه الله عز وجل، ليس أمرا جديدا أو حديثاً من حيث الاهتمام والدراسة كما هو الشأن بالنسبة للصحبة والجماعة وغيرها، بل إن الأمر يمتد إلى السبعينيات من القرن الماضي، ثم توالت الإشارات وبعض التفصيلات في الكتب اللاحقة كلها تقريبا، ومجمل الأمر فيما يرمي إليه الإمام رحمه الله في تقديري، هو أن تكون للدعوة استقلاليتها التامة عن السلطان، حتى لا تصبح أداة طبيعية في يده، فتذوب الدعوة في الدولة، ويتسرب مشروع الهداية والتغيير العميق في <span class="citation">&#8220;رمال السياسة الآنية&#8221;)</span> على حد تعبير الإمام رحمه الله، حيث يراد للدعوة أن تكون اليد اليمنى للدولة دون أن تتحول أداة تنهمك في شؤون الهدف الاقتصادي المحض فيضيع المقصد والغاية؛ لأنه مع مرور الزمن <span class="citation">&#8220;يأتي السلطان فيلتهم رجال الدعوة ويستهلك جهودهم في الارض فينسون تربية الأجيال والجهاد المتفتح على العالم الحامل للرسالة&#8221;)</span> كما قال الإمام في موطن آخر: (الإسلام غداً: ص818). فرجال الدعوة إذن مهمتهم بعيدة المدى، تنصب على الإنسان وتربيته حتى يعرف ربه ويحبه ويستعد للقائه مع الانخراط المحسوب في برامج إعمار الدولة ورقيها وتقدمها الاقتصادي &#8220;التنموي&#8221;، تأطيرا للناس وتحفيزا ومشاركة.<br />
<br />أضف إلى ذلك، فالدعوة رقيبة وضامنة لكيلا <span class="citation">&#8220;يصبح التنظيم أو الدولة جماعة من الخدم عند أقدام الأمير، تتلى له آيات الطاعة، وأحاديثها، فيزداد طغيانا ويزداد من حوله من خدم خنوعا حتى يعبد من دون الله&#8221;.)</span> (المنهاج النبوي: ص 91).<br />
<br />على أن الإمام رحمه الله عز وجل لم يتحدث عن انحراف الدولة ورجالها فقط، بل حذر كذلك وفي غير ما موطن من انحراف القصد بالنسبة للدعوة، وخصص لذلك فقرات معتبرة في مكتوباته. عصمنا الله جميعا من الزلل.<br />
<br />إن الإنسان المسلم، عادة لا تؤثر فيه الحوافز المادية الاقتصادية وحدها، بل لابد من حوافز إيمانية روحية أخلاقية، وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا عن دعوة قوية حرة مستقلة الإرادة، يثق الناس فيها، وينخرطون فيما تدعو إليه.<br />
<br />بقيت إشارة أخيرة وهي أن الإمام رحمه الله لم يفصل تفصيلا دقيقاً في طبيعة العلاقة التي ستنظم الحدود بين الدعوة والدولة، وما القوانين التي تحكم الجانبين إلخ، بل ترك ذلك للاجتهاد والنظر والبحث حيث لكل زمن ظروفه ومقتضياته.</p>
<h4>قد تختلط على رجال الدعوة المهام ويحارون في ترتيب الأولويات فما هي المهمة الأولى المنوطة بهم؟</h4>
<p>إن من أولى الأولويات بالنسبة للداعية إلى الله عز وجل، وكما قال الإمام رحمه الله عز وجل <span class="citation">&#8221; إسماع صوت الإسلام وليس شن الحروب وتسعير نيران الحقد بين الناس&#8230;&#8221;)</span> العدل.<br />
<br />نعم إسماع صوت الحق، الرحمة، العدل، وبكلمة واحدة صوت الفطرة <span class="quran">فطرة الله التي فطر الناس عليها</span><span class="citation">.)</span> إن واقع المسلمين خالطه دخن كثير، وحجب الرؤية الصافية الطبيعية عن الناس نظرا للزمان الذي عمرت فيه الفتنة في المجتمعات، وعوامل التعرية التي أتت على أسس وقواعد الدين، واستغلاله لقضاء مآرب شخصية والتسلط على رقاب الناس. وهذا يتطلب الانتباه أولا إلى العامل الذاتي وتزكية النفس وفطمها عن المألوفات. فـــ<span class="citation">&#8220;العريان لا يسمع كلامه الكاسون&#8221;)</span>. أضف إلى ذلك التحرر من طاغوت الهوى وطاغوت العباد وعدم استفراغ الوقت والجهد في النزاعات الهامشية وإلهاء الأمة في الجزئيات، وشن الحروب حولها وتبادل التهم والقذف، بينما الطاغوت يجثم على صدر الأمة، كاتماً لأنفاسها، حتى إننا نكاد لا نسمع لها أنيناً بفعل الضجيج المحدث، والذي يملأ الأسماع والآفاق. وتبقى الحكمة ضالة المؤمن يلتمسها حيث كانت، ويصبغها بصبغة الإيمان والتقوى: <span class="quran">صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة</span><span class="citation">.</p>
<p>)</span></p>
<h4>من شأن القائم بالدعوة أن تعترضه عقبات متعددة وعقابيل مختلفة، فما السبيل إلى اقتحامها؟</h4>
<p>كل إنسان في هذه الحياة الدنيا إلا وتعترضه عقبات، وتقف في وجهه حواجز. والمتصدي إلى الدعوة إلى الله عز وجل أول ما يعترضه عقبة الهوى والنفس وما يتبعهما من أمراض العجب والتكبر والفتور والشك إلخ، لأن الطريق مفروشة بالأشواك والواقع صعب متمنع، لذلك كان الإمام رحمه الله يشدد على <span class="citation">&#8220;بناء رجال فوق مستوى الانتماء التعصبي&#8221;)</span> ليكونوا قادرين على التعامل والتعاون والصبر وخفض الجناح إلخ. وكل ذلك لا سبيل إلى التغلب عليه واقتحامه إلا بالتبتل والدعاء المستمر، والوقوف الدائم بباب المولى عز وجل، ثم التعلم من سنن الله عز وجل التي يحدثها في خلقه وفي الكون، وأن يكون للداعي اطمئنان داخلي، أنه لن يكون في الكون إلا ما أراد الله عز وجل له أن يكون: <span class="quran">والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون</span>.</p>
<h4>يحذر الإمام رحمه الله الإسلاميين أن تتحول دعوتهم عن مقاصدها الإيمانية وغاياتها الإحسانية. فما الأخطار التي تتهدد الدعوة بالاضمحلال والذوبان؟</h4>
<p>كل عمل بشري معرض للخطأ والانحراف والزيغ عن المقاصد التي تسطر في البداية، إن تخلت عنه العناية الإلهية: وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان<br />
<br />والإسلاميون أخي الكريم ناس من الناس، عباد من عباد الله عز وجل يتهددهم ما يتهدد الغير من الصفات المثبطة للإرادة، ومن ذلك اليأس الناتج عما يحدثه الله عز وجل في الكون من أحداث يبتلي بها عباده، أو فتنة الدنيا والانجرار إليها والركون إلى الظلم، أو إعجاب كل ذي رأي برأيه، والاستغناء بالرأي، أو أن تتحول الدعوة إلى مجرد &#8220;بديل&#8221; ثقافي أو سياسي أو اقتصادي لا غير، يزاحم ويقارع البدائل الأخرى، ويبرز تفوقه عليها.<br />
<br />وفي كلمة واحدة، تضمحل الدعوة إن فرطت في الأصل الذي بنيت عليه رسالة الإسلام وهو معرفة الخالق عز وجل: <span class="quran">وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون </span>.<br />
<br />نسأل الله عز وجل الحفظ لأحبابه والمؤمنين والمؤمنات في بقاع الأرض كلها. وقد تكلف الله عز وجل بحفظ كتابه، ومع حفظ القرآن، تحفظ الدعوة الإسلامية إن شاء الله عز وجل رغم ما يعتري رجالاتها من عوامل مختلفة، تؤثر وتشوش، ونحن نستحضر البشريات التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين سينتشر، وسيدخل بيوتا لا يعلمها إلا الله، في الحواضر والبوادي. وكل مرحلة يقيض لها الله عز وجل رجالها ونساءها ويؤيدهم بنصره ومدده. نسأل الله أن يحفظنا كما حفظ أحبابه وجنوده وأولياءه. آمين.</p>
<h4>أستاذنا الفاضل: نتقدم إليكم بعبارات الشكر لقبولكم إجراء هذا الحوار الغني الذي كشف جوانب من التراث العلمي والدعوي الذي أثله الإمام المربي رحمه الله ورفع قدره.</h4>


حوار في الدعوة إلى الله في تراث الإمام وسيرته العطرة

الشابة فاعلة ومؤثرة: حوار مع ذة سعيدة رامضي

راهنية رسالة إلى الطالب والطالبة

طوفان الأقصى دفع الشباب إلى توسط حركة التغيير والتحرير: حوار مع د. البشير قصري

الدكتور عبد الحكيم حجوجي

الشباب والأبعاد القيمية للقضية الفلسطينية | حوار مع د. عبد الحكيم حجوجي

التربية والتعليم في تراث الإمام عبد السلام ياسين

الدكتور عبد الحليم آيت أمجوض

حوارات

حوار في الدعوة إلى الله في تراث الإمام وسيرته العطرة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

جاءكم المطهر

شهر رمضان

إدارة مواقع الإمام تبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك

أسرى الحرب في الإسلام

20 فبراير 1978 | خروج الإمام من الاعتقال إثر رسالة الإسلام أو الطوفان

Top 10 Issues & Solutions

مقالات ذات صلة