مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

متابعات

د. عبد الواحد المتوكل: الحرية أول المطالب لتوفير فضاء للنقاش على أرضية ميثاق جامع

0
د. عبد الواحد المتوكل: الحرية أول المطالب لتوفير فضاء للنقاش على أرضية ميثاق جامع

كنا على مدى يومين من الحوار البناء والنقاش الماتع، اجتمعنا على مائدة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله في الذكرى التاسعة لوفاته، فنجدد الترحم على هذا الرجل الذي له علينا أيادٍ بيضاء وعلى هذا البلد الكريم.

 أشكر المشاركين والمتدخلين الذين حضروا أطوار هذه الندوة أو الذين شاركونا عبر تقنيات التواصل عن بعد، كما نشكر تجاوبهم مع دعوتنا واستماتتهم في الدفاع عن بلدهم وحقوق المغاربة، في مواجهة ما يكيده الاستبداد الظالم.

ولا أنسى شكر جنود الخفاء الذين سعوا جهدهم كله لإبلاغ أجواء هذه الندوة للناس أجمعين، ومغالبتهم عقبات الحصار الظالم المضروب على جماعة العدل والإحسان وعلى الشرفاء من أبناء هذا الوطن، حصار زادت حدته في السنتين الأخيرتين في ظل أزمة كورونا، والإجراءات الاستبدادية التي رافقتها والتخبط الذي عرفته الدولة في تدبيرها للأزمة.

وقد كشف النقاش الذي تابعناه خلال هذه الندوة، التي اتخذت لها عنوانا بارزا: «المغرب وسؤال المشروع المجتمعي»، كشفت في جلساتها الثلاث عن قضايا مؤرّقة تحتاج لجهود نظرية وعملية ميدانية.

وأقف هنا لأشير إلى بعض الملاحظات التي سجلتها من خلال متابعتي لأطوار هذه الجلسات الحوارية المميزة:

1.     ثمة تباين رهيب بين ما هو كائن وما هو ممكن؛ فالفرق شاسع بين نظام سلطوي يحتكر السلطات والثروات، ويعتمد سياسات مفلسة تزيد من الهوة الطبقية والتخلف الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي، وما فضيحة التطبيع إلا مثال على حجم الأخطار التي تهدد بلدنا.

ونرى أن نظام الحكم العادل هو الحل لمشاكل هذا البلد، نظام يحفظ للمواطنين كرامتهم وإنسانيتهم ومتطلبات العيش الكريم. ويا للأسف، فنحن اليوم -كما البارحة- في مواجهة نظام يموّل الرداءة ينشرها ويغدق الأموال في صناعة التفاهة وضرب القيم النبيلة وتخريب الفطرة الطاهرة.

كيف العمل وشروط التنمية مُغيّبة لوجود نظام استبدادي يكرس للانحطاط على كل الصُّعد، وما نفتأ نكرر ما أقره الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله أن فساد الحكم هو أم المشاكل وأبوها. يقول رحمه الله: “الوضوح والصدق! يجب أن يُعْلِموا المسلمين ويُعَلِّموهم أن الفساد في الحكم هدَمَ أخلاق الأمة، ونخَرَ في اقتصادها، وبدَّدَ ثرواتها، وشرَّد المستضعفين، ودفع الفتيات البائسات اليائسات إلى سوق البِغـاء، وخطَـفَ لقمة العيش من أفواه الأطفال، وتسبب في تفشي البطالة والمخـدرات والمرض والخمـور والعهارة ومدن القصدير والرشوة والمحسـوبية وطابور المشـاكل. ويعلموهم أن صلاح هذا الفساد يتطلب علاجا طويلا، وجراحة متخصصة، وتجريع المريض الدواء المر، وحمله على الالتزام بالمواعد، وعلى قَبول التطبيب طوعا وكرها”.[1]

وما لم تحل معضلة نظام الحكم في هذا البلد، وما لم تكن هناك مؤسسات منتخبة نزيهة ذات سلطات حقيقية، فإن حديثنا عن نهوض تنموية لا يعدو كونه ضربا من الكلام الفارغ.

2.     نحن في حاجة إلى جسور للعبور؛ بالانتقال من الواقع البائس إلى ما ننشده غدا. نحتاج تطويرا للمنطقة الرمادية؛ بالتفكير في كيفيات الانتقال من الكائن إلى الممكن.

ومطلوب منا اليوم أن لا نفتح أبوابا للجدل، باقتراح حلول ونقاشات صاحبها هو الشعب وهو وحده المخول له التأكيد على اختياراته، وأول المطالب وآكدها هو الحرية؛ ليكون ثمة فضاء للنقاش على أرضية ميثاق جامع، وبعد ذلك -وبعد ذلك فقط- يمكننا الحديث عن مخرجات هذه النقاشات العمومية.

3.     كما أشير مؤكدا على ما أثير في الجلسة الأخيرة وتفصيلها في العامل الأساس في معركة التنمية وهو «الإنسان». الركن الركين لكل تنمية مرجوة، كيف نحرره من الفساد والاستعباد؟ كيف ننتشله من أوحال الإحباط والقهر السياسي والتدمير الممنهج، حتى صار أقرب إلى حطام مسلوب الإرادة والحياة، يعتقد أن التغيير من أبعد المستحيلات!؟

وسيلتنا لبناء الإنسان هي التربية ثم التربية ثم التربية. فنسعى لإعادة ثقة الإنسان في كينونته وقدراته على أن يصنع ويغير، ويبني ما هدمته قرون الجبر والاستبداد.

وفي الأخير، نجدد شكرنا لكل المتدخلين والمتابعين، آملين أن نلتقي في محطات حوارية قابلة تجمعنا في مشروعنا الجمعي لبناء العمران.

ونختم بالدعاء للإمام المجدد رحمه الله، بما علّم وربّى وأسس وجهر بكلمة الحق ولم يخف في ذات الله عز وجل لومة لائم، فكانت سيرته ملهمة ومنهضة لطالبي الحق الساعين لتحقيق العدل بين الناس والإحسان تقربا من مولاهم عز وجل.

تلك كانت سيرته بيننا وهذه ذكراه تجدد العزم فينا، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾. [الكهف: 30].

[1] . العدل: الإسلاميون والحكم، ص: 470.

أضف تعليقك (0 )



















0
يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد