post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

يوم المؤمن وليلته؛ خصائصه وبنوده.
مقدمة:
        الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
       المؤمن المريد وجه الله تعالى، المحب المحبوب، الساعي إلى بلوغ كمال الإيمان وتسلق ذرى الإحسان، يحصي حركاته وسكناته، يغتنم أيامه ولياليه، يراقب أنفاسه وخطواته، لا يعرف التيه ولا العبث، فهو حريص على التقرب إلى مولاه ونيل رضاه بالأعمال الصالحة مفروضها ومسنونها. له في يومه وليلته معالم وصوى لا يتجاوزها ولا يغفل عنها. كل ذلك محققا الغاية السامية التي خلق لها، قال سبحانه: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾. (الذاريات: 56). وممتثلا أمر مولاه: ﴿يا أيّها الّذِين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلّكم تفلِحون﴾ (الحج:77).
<h2>أولا: خصائص يوم المؤمن وليلته عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله؛</h2>
       وضع الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله برنامجا ليطبقه المؤمن في يومه وليلته، يتوافق مع فكره التجديدي، الذي يروم تخريج أفواج من المحسنين، قادرين على التأسيس للخلافة الموعودة إن شاء الله تعالى. ويتميز هذا البرنامج بخصائص مهمة:
1- الربانية: وذلك أن أعمال يوم المؤمن وليلته من الله سبحانه وإليه. فهي مستمدة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فكل بند من بنوده مؤصل، مستند لأدلته الشرعية. كما سيتبين في الفقرة اللاحقة. كما أن هذه الأعمال وضعت لإرادة وجه الله عز وجل، إذ الإخلاص هو روح العمل.
2- الشمول: فهو برنامج شامل للفرض والنفل، مستغرق أوقات الليل والنهار، مؤطر عملَ القلب والجوارح، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: &#8220;من أعمال شعب الإيمان ما يلزم المؤمن مرة في العمر كالحج. ومنها ما يلزم مرة في السنة كصوم رمضان، ومنها ما هو موقوت مضبوط كالصلاة والزكاة، ومنها ما يسنح في أوانه وبمناسبته كعيادة المريض وتشييع الجنازة، ومنها ما هو فرصة دائمة كإماطة الأذى عن الطريق، ومنها ما هو صفة نفسية مصاحبة كالحياء، ومنها ما ينبغي أن يصبح عادة راسخة كقول لا إله إلا الله&#8221;[1].
3- التوازن:  بنود يوم المؤمن تخدم جانب التربية والفكر والحركة. فتتكون شخصية المؤمن المتوازنة  المجاهدة. يقول الإمام المجدد رحمه الله: &#8220;يجب ألا تكون السمة الغالبة على جند الله زهادة بدعوى الروحانية، ولا إغراقا في الفكر، ولا تقصيرا ولا إسرافا في الحركة[2]. لذلك نجد من بنوده ما يتعلق بجانب العبادات وما يتعلق بالعلم والدعوة كما سنرى لاحقا.
4- اليسر: كل أعمال يوم المؤمن وليلته مستمدة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما يطبعها بطابع اليسر. وهذا ما ميز مدرسة الإمام التربوية عن غيرها من المدارس الصوفية التي كانت تغالي في الأوراد. يقول رحمه الله: &#8220;إن أحوج ما نحتاج إليه بسط صفحة من التسامح والرحمة والاعتدال وضبط النفس&#8221;[3].
<h2>ثانيا: بنود يوم المؤمن وليلته؛</h2>
1 &#8211; الوتر النبوي:
به يبدأ المؤمن يومه، ومنه يستمد ما يواجه به تحديات الدعوة والعمل في نهاره. وهو سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن أنزل الله عليه:﴿يا أيّها المزّمِّل قمِ اللّيل إِلّا قلِيلا نِصفه أوِ انقص مِنه قلِيلا﴾ ( المزمل: 1-3). وعن عروة، أنّ عائِشة رضي الله عنها أخبرته أنّ رسول اللّهِ صلّى اللّه عليهِ وسلّم كان يصلِّي إِحدى عشرة ركعة، كانت تِلك صلاته -تعنِي بِاللّيلِ- فيسجد السّجدة مِن ذلِك قدر ما يقرأ أحدكم خمسِين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتينِ قبل صلاةِ الفجرِ، ثمّ يضطجِع على شِقِّهِ الأيمنِ حتّى يأتِيه المؤذِّن لِلصّلاةِ[4]. يقول الإمام رحمه الله: &#8220;يبدأ المؤمن يومه ساعة، أو سويعة إن تكاسل ولا ينبغي له، قبل الفجر يصلي الوتر النبوي إحدى عشر ركعة. ثم يجلس للاستغفار ليكون من المستغفرين بالأسحار&#8221;[5].
2 &#8211; جلسة الشروق للذكر والتلاوة والتعلم:
     وذاك وقت مبارك حضي بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: &#8220;اللهم بارك لأمتي في بكورها&#8221;[6]. وعن أنسٍ قال: قال رسول اللّهِ صلّى اللّه عليهِ وسلّم: &#8220;من صلّى الغداة فِي جماعةٍ، ثمّ قعد يذكر اللّه حتّى تطلع الشّمس، ثمّ صلّى ركعتينِ كانت له كأجرِ حجّةٍ وعمرةٍ &#8220;. قال: قال رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم: &#8220;تامّةٍ تامّةٍ تامّةٍ&#8221;[7].
3 &#8211; صلاة الضحى:
      ركعتان إلى ثمان ركعات. هي صلاة الأوابين. عنِ القاسِمِ الشّيبانِيِّ، أنّ زيد بن أرقم رأى قوما يصلّون مِن الضّحى، فقال: أما لقد علِموا أنّ الصّلاة فِي غيرِ هذِهِ السّاعةِ أفضل؛ إِنّ رسول اللّهِ صلّى اللّه عليهِ وسلّم قال: &#8220;صلاة الأوّابِين حِين ترمض الفِصال&#8221;[8].
وترمض الفصال: كناية عن اشتداد الحر.
4 &#8211; السنن الرواتب: 
      وهي النوافل التابعة للصلوات الخمس، قبلها وبعدها. يقول رحمه الله: &#8221; والنوافل ركعتان قبل الفجر ركعتان بعد الوضوء سنة سيدنا بلال. أربع ركعات قبل صلاة الظهر تفتح لها أبواب السماء وركعتان بعدها، ركعتان قبل العصر، ركعتان قبل المغرب وست ركعات بعدها، ركعتان قبل العشاء وأربع ركعات بعدها&#8221;[9]. وعن عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن تطوع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان يصلِّي فِي بيتِي قبل الظّهرِ أربعا، ثمّ يخرج فيصلِّي بِالنّاسِ، ثمّ يدخل فيصلِّي ركعتينِ، وكان يصلِّي بِالنّاسِ المغرِب، ثمّ يدخل فيصلِّي ركعتينِ، ويصلِّي بِالنّاسِ العِشاء، ويدخل بيتِي فيصلِّي ركعتينِ&#8221;[10].
5 – القرآن الكريم:
       حزبان يوميا على الأقل ليكون الختم شهريا. تلاوة وتفهما وتدبرا. يقول الإمام رحمه الله: &#8220;من لا يحفل برسالة ربه، من يهجر كتاب مولاه إليه فهو هَمَل. وبقدر صفاء النفس وطهارة القلب تكون الاستفادة من القرآن&#8221;[11]. ومع الحزبيين سور وآيات فاضلة وردت في فضل قراءتها أحاديث نبوية شريفة. منها الفاتحة وألم إلى المفلحون وآية الكرسي وخواتيم البقرة إلى غيرها. كما هي مبينة في كتاب يوم المؤمن وليلته للإمام رحمه الله تعالى.
6 -الإكثار من قول لا إله إلا الله:
      لا إله إلا الله هي أعلى شعب الإيمان، ومفتاح الجنة، وبها الفلاح في الدنيا والآخرة، والإكثار من قولها ترديدا باللسان مدعاة لتجدد الإيمان، ورطوبة اللسان، وتنوير الجنان. يقول الإمام رحمه الله: &#8220;ثلاث جلسات من ربع ساعة على الأقل لذكر لا إله إلا الله مع حضور القلب مع الله عز وجل&#8221;[12].
      عن شدّاد بن أوسٍ وعبادة بن الصّامِتِ حاضِرٌ يصدِّقه قال : كنّا عِند النّبِيِّ صلّى اللّه عليهِ وسلّم فقال: &#8220;هل فِيكم غرِيبٌ ؟&#8221;. يعنِي أهل الكِتابِ. فقلنا: لا يا رسول اللّهِ. فأمر بِغلقِ البابِ، وقال : &#8221; ارفعوا أيدِيكم، وقولوا: لا إِله إِلّا اللّه&#8221;. فرفعنا أيدِينا ساعة، ثمّ وضع رسول اللّهِ صلّى اللّه عليهِ وسلّم يده، ثمّ قال : &#8220;الحمد لِلّهِ، اللّهمّ بعثتنِي بِهذِهِ الكلِمةِ، وأمرتنِي بِها، ووعدتنِي عليها الجنّة، وإِنّك لا تخلِف المِيعاد &#8220;. ثمّ قال: &#8221; أبشِروا؛ فإِنّ اللّه عزّ وجلّ قد غفر لكم&#8221;[13].
7 -الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
       امتثالا لقوله تعالى: ﴿إِنّ اللّه وملائِكته يصلّون على النّبِيِّ ۚ يا أيّها الّذِين آمنوا صلّوا عليهِ وسلِّموا تسلِيما﴾ (الأحزاب:56). وفضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم لا تحيط به فقرة أو مقال. عن أبِي هريرة أنّ رسول اللّهِ صلّى اللّه عليهِ وسلّم قال: &#8220;من صلّى عليّ واحِدة صلّى اللّه عليهِ عشرا &#8220;[14]. ولفظها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: &#8220;من سره أن يكال له بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: &#8220;اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد&#8221;[15].
8 -التوبة والاستغفار والدعاء:
       إصلاحا لما فات وتقويما، واستقبالا لما هو آت بعزم وجد وحرص. يقول الإمام رحمه الله: &#8220;النوم توجه لله عز وجل، وحاسب نفسك، وجدد التوبة، ونم على ذكر الله وعلى أفضل العزائم&#8221;[16]. يقول الله عز وجل: ﴿وأنِ استغفِروا ربّكم ثمّ توبوا إِليهِ﴾ (هود: 3).
     وعنِ النّبِيِّ صلّى اللّه عليهِ وسلّم أنّه قال: &#8220;يا أيّها النّاس، توبوا إِلى ربِّكم؛ فإِنِّي أتوب إِلى اللّهِ عزّ وجلّ كلّ يومٍ مِائة مرّةٍ &#8220;[17]. والدعاء مخ العبادة، سيما إذا كان دعاء للمؤمنين السابقين والتابعين وهو ما يسميه الإمام &#8220;دعاء الرابطة&#8221;.
9 &#8211; طلب العلم:
       تحصيلا للحد الأدنى من العلم النافع الضروري،ما تستقيم به عبادة المؤمن وتنجح به دعوته. قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: &#8220;من يرِدِ اللّه بِهِ خيرا يفهِّمه، وإِنّما العِلم بِالتّعلّمِ&#8221;[18]. يقول الإمام رحمه الله: &#8220;خصص سويعة من يومك تلزم نفسك  فيها التفقه في الدين وذلك عن طريق المدارسة والرجوع إلى كتب الفقه الميسرة والواضحة، سعيا لإتقان شروط الطهارة والصلاة وسائر العبادات&#8221;[19].
10 – الدعوة:
     لا تتحقق ولا ينجح المؤمن فيها إلا إذا حقق ما سبق من البنود. والدعوة مهمة الأنبياء والرسل، فهي أمر ذو بال لا بد من العناية بها أيما اهتمام، يقول رحمه الله: &#8220;خصص سويعة لجلستك الإيمانية &#8230; أو لزيارة دعوة ودراسة، فلأن يهدي الله يدك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس&#8221;[20].
<h2>خاتمة:</h2>
      إن التزام المؤمن ببرنامج اليوم والليلة، أو على الأقل بالحد الأدنى منه إن تكاسل وما ينبغي له، لن يثمر ثوابا فحسب، أو ارتقاء في معارج الإيمان والإحسان فقط. فهذا من تحصيل الحاصل. وإنما هو جهاد أيضا من أجل عزة الإسلام والتمكين له، إذ أن هذا يتطلب رجالا محسنين راسخة أقدامهم في أرض العبودية لله تعالى. وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.  والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] &#8211; ياسين، عبد السلام. المنهاج النبوي. (الطبعة الثانية: 1410هـ-1989م). الصفحة: 53 [2] &#8211; نفسه. الصفحة: 55 [3] &#8211; ياسين، عبد السلام. الإحسان. (مطبوعات الأفق، الدار البيضاء. الطبهة الأولى: 1998م). ج: 1 / ص: 61. [4] &#8211; صحيح البخاري. كِتابٌ : الوِتر. باب ما جاء فِي الوِترِ. حديث رقم: 994. [5] &#8211; ياسين، عبد السلام. المنهاج النبوي. (مرجع سابق). الصفحة: 54. [6] &#8211; سنن أبي داود. كتاب الجهاد. باب في الابتكار في السفر. حديث رقم: 2606. [7] &#8211; سنن الترمذي. أبواب السّفرِ . بابٌ : ذِكر ما يستحبّ مِن الجلوسِ فِي المسجِدِ بعد صلاةِ الصّبحِ حتّى تطلع الشّمس. حديث رقم: 586. [8] &#8211; صحيح مسلم .كِتابٌ : المساجِد ومواضِع الصّلاةِ . باب: صلاة الأوّابِين حِين ترمض الفِصال. حديث رقم: 748. [9] &#8211; يوم المؤمن وليلته. عبد السلام ياسين. الصفحة: 11. [10] &#8211; صحيح مسلم . كِتابٌ : المساجِد ومواضِع الصّلاةِ . بابٌ : جواز النّافِلةِ قائِما وقاعِدا . حديث رقم: 730. [11] &#8211; يوم المؤمن وليلته. الصفحة: 12. [12] &#8211; ياسين، عبد السلام. المنهاج النبوي. (مرجع سابق). الصفحة: 54. [13] &#8211; مسند أحمد. مسند الشّامِيِّين . حدِيث شدّادِ بنِ أوسٍ. حديث رقم: 17121. [14] &#8211; صحيح مسلم .كِتابٌ : الصّلاة. بابٌ : الصّلاة على النّبِيِّ صلّى اللّه عليهِ وسلّم بعد التّشهّدِ. حديث رقم: 408. [15] &#8211; سنن أبي داود. كتاب الصلاة. باب: 181. حديث رقم: 978. [16] &#8211; ياسين، عبد السلام. المنهاج النبوي. (مرجع سابق). الصفحة: 54. [17] &#8211; مسند أحمد. أوّل مسندِ الكوفِيِّين.  حدِيث الأغرِّ المزنِيِّ.. حديث رقم: 18292. [18] &#8211; صحيح البخاري. كِتابٌ : العِلم . بابٌ : العِلم قبل القولِ والعملِ. [19] &#8211; يوم المؤمن وليلته. الصفحة: 18. [20] &#8211; يوم المؤمن وليلته. الصفحة: 18.
&nbsp;
&nbsp;
&nbsp;

التزكية والدعوة

يوم المؤمن وليلته؛ خصائصه وبنوده

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

سلامة القلوب

يوم المؤمن وليلته؛ خصائصه وبنوده

مقالات ذات صلة