مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

المرأة والأسرة

أطفالنا والتربية بالقدوة

أطفالنا والتربية بالقدوة

أطفالنا والتربية بالقدوة

نعرف أن غريزة التقليد قوية في الطفل، تسهل عليه إنجاز حركات وإخراج أصوات وتعلم حقائق تكمل استعداده للتكيف الاجتماعي. ويقلد الطفل أيضا السلوك السائد في بيئته في الميدان الخلقي. يرى في بيئته ناسا يتأدبون فيتأدب مثلهم أو يرى ناسا يكذبون فيكذب مثلهم؛ لا يخترع سلوكا من عنده أبدا.

ويجيء إلى المدرسة فيعطيه أمثلة يقتدي بها رفقاؤه ومعلموه.

وكيفما تكن شخصية الطفل فلن يكون بمنحى من تأثير المثال الذي يجده في البيت أو المدرسة وكيفما تكن الأوامر التي تعطاه، فإن داعي التقليد سيكون أقوى من هذه الأوامر. لذا فمهم جدا إذا أردنا أن نعطي الطفل خلقا صالحا أن نهيء له وسطا صالحا. لنجنبه في البيت كل عارض يطلع فيه على شر الأعمال، لنقتصد في أقوالنا ولنبد الاحترام لحقوق الغير إن أردنا أن يكبر الطفل غير ثرثار ولا مستخف بالناس. وليكن جو المدرسة خاليا من أمثلة السوء. وإن كان في المدرسة فرد فاسد، فلنحترس منه ولنخف أن يعدي سلوكه الأطفال، وإن من واجب المدرسة في مثل هذه الحالة أن تعالج الأمر من أقرب الطرق، وذلك بإبعاد هذا عن المدرسة إبعادا نهائيا.

وإن المعلم هو المحور الرئيسي الذي يدور حوله طموح كل طفل؛ الأطفال يسرعون إلى تقليده في كل شيء، فينبغي أن يكون حيث تكون الأمثلة الصالحة علو نفس وفضل. هذا الشرط واجب، فما تعني تعليمات الأستاذ إذا لم يكن نفسه أول من يدين بها. ولا ينفع أن يتظاهر أمام الأطفال غير مخلص لأنهم دقيقو الإحساس لا يخدعون بسهولة.

الأطفال يهتمون بأحوال معلمهم ويستقصونها، فيطلعون على حالته خارج المدرسة، ويرقبونه في القسم عندما يكافئ أو يعاقب، لا يفوتهم حركة واحدة من حركاته، يشعرون بعدله إن كان عادلا، ويشعرون به إن لم يعدل، بل يشعرون أيضا إن كان يفضل بعضهم على بعض ولو تفضيلا خفيا.

المثال السوء في المدرسة وخارجها يكمن في الطريقة التي نتحدث بها إلى الطفل عن الرذائل التي ينبغي أن يتجنبها، لأن الطفل يكون بعيدا عن تخيل رذيلة ما حتى نجيء بها نحن ظانين أننا ننفعه. عندما أطلب إلى الطفل ألا يكذب، أعلمه في نفس الوقت أن هناك شيئا اسمه الكذب وأن بوسع المرء أن يكذب. وعندما أخبره عن قصة شخص سرق أو اعتدى أضع أمامه مثلا سيئا لا يؤمن أن يقتدي به مهما استقبحته له ومهما وعظت. ويظهر أن الشر أشد إغراء للناس من الخير.

ومن الحكمة على أي حال أن نتجنب ما نسميه التربية بالسلب، فلا نقدم للطفل إلا أمثلة تعطيه نموذجا لبناء خلق مستقيم أو نتجنب هذا السلب في كل حديثنا وفي كل أعمال المدرسة. فدرس القراءة يكون مفيدا من الناحية الخلقية إذا كان حول فتى صالح نجح في عمله ونال إعجابنا، ويكون مضرا إذا كان حول الفتى المجرم. لا يخفف من ضرره أن هذا المجرم نال عقابا، ولا يخفف من ضرره حتى إن شعر الطفل باشمئزاز منه واحتقار له.

خير «أن نبني للطفل نموذجا حسنا ونثير حماسه لفعل الفضيلة من أن نحذره من الرذيلة وعواقبها».

لكن كيف نعالج هفوات الأطفال حين يهفون؟ من واجبنا أن لا نسكت عندئذ وأن نستعمل كل سلطتنا لنسترجع برهة حرية الطفل التي لم يستحسن استعمالها. ومن واجبنا أن نعزره على عمله. لكن واجبنا أيضا ألا نشهر به ونبسط فعلته أمام زملائه ليشاهدوا قبحها. لا نفرض عليه عقابا فاضحا ظانين أن هذا العقاب سيكون موعظة الآخرين. لا نفعل هذا أولا لأن للأطفال شخصية نحن مسؤولون عن رعايتها وينال منها الفضح والتشهير. ثم لا نفعله خاصة لأننا نخاف أن يعدي هذا المثال فيأتي بالنتيجة التي لا ينتظرها عادة ذلك الذي يريد أن يؤدب المجموع بتقريع فرد مذنب وعقابه.

حقيقة ثابتة مغناطيس المثال الحسن الذي يأخذنا بسموه وجماله فلا نزال به عالقين. وأن نتأمل كبار الرجال نجد أنهم تقدموا في طريق الفضيلة لأنهم نزعوا إلى مثالية متسامية. وأن نفتقد فاضلا واحدا سما به إلى الفضيلة خوف الهاوية لا نجد شيئا.

مذكرات في التربية، ص: 129-131

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد