مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

المرأة والأسرة

أم سلمة بنت زاد الركب

0
أم سلمة بنت زاد الركب

أم سلمة بنت زاد الركب

رضي الله عنها

هي هند بنت سهيل من المعروف بأبي أمية بن المغيرة، القرشية المخزومية تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أربع للهجرة، وكانت رضي الله عنها من أكمل النساء فهما، وأرجحهن عقلا، وأتمهن مشورة. أسلمت مبكرا مع زوجها الأول أبي سلمة بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، الصحابي ذي الهجرتين.

أبوها أحد أجواد العرب المشهورين، لقِّب بزاد الركب، لأنه كان إذا سافر لا يترك أحدا يرافقه ومعه زاد، بل يكفي رفقتَه من الزاد. وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة من بني فراس الأمجاد.

وكان لأبي سلمة  وزوجه هند إلى جانب هذا النسب العريق سبق وغَناء، فقد هاجرا مع العشرة الأولين إلى الحبشة حيث ولد لهما ابنهما سلمة.

وكان في قصة خروجهما بعد ذلك إلى المدينة محنة أليمة، تحكي أم سلمة رضي الله عنها تقول : « ‏لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحّل بعيرا له وحملني وحمل معي ابني سلمة ثم خرج يقود بعيره، فلما رآه رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد؟

‏ونزعوا خطام البعير من يده وأخذوني، فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد وأهووا إلى ولدنا سلمة وقالوا لرهط زوجي: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده وانطلق به رهط أبيه، وحبسني بنو المغيرة عندهم.

‏«ومضى زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة، وفرِّق بيني وبين زوجي وابني، فكنت أخرج كل غداة وأجلس بالبطحاء بالأبطح فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريبا منها. حتى مر بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وابنها. ومازال بهم حتى قالوا: الحقوا بزوجكِ إن شئتِ.

‏«ورد علي بنو عبد الأسد عند ذلك ابني، فرحّلت بعيري ووضعت ابني في حجري، ثم خرجت أريد زوجي في المدينة وما معي أحد من خلق الله. حتى إذا كنت بالتنعيم، على فرسخين من مكة، لقيت عثمان بن طلحة، فقال: أين  يا بنت أبي أمية؟ فقلت : أريد زوجي بالمدينة،  قال: هل معك أحد؟ قلت لا والله إلا الله وابني هذا!

 قال: والله ما لك من مَترك. وأخذ بخطام البعير فانطلق يقودنا، فوالله ما صاحبت رجلا من العرب أراه كان أكرم منه.

‏«إذا نزل المنزل أناخ بي ثم تنحى إلى الشجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه ورحّله ثم استأخر عني وقال: اركبي. فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمر بن عوف في قباء، وكان بها منزل أبي سلمة في مهاجره، قال: إن زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة»[1].

فكانت أم سلمة أول ظعينة دخلت المدينة كما كانت من المهاجرين الأولين إلى الحبشة.

وكان زوجها أبو سلمة أول من هاجر إلى يثرب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهد بدرا وأصيب في أحد، ثم عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء على سرية لغزو بني أسد، فعاد ظافرا إلا أن الجراح الذي أصابته في أحد انتكأت فمات رضي الله عنه في جمادى الآخرة من السنة الرابعة.

صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبر عليه تسع تكبيرات، فقيل له : يا رسول الله أسهوت أم نسيت؟ فقال : «لم أسه ولم أنس، ولو كبرت على أبي سلمة ألفا، كان أهلا لذاك»[2].

قال ابن عبد البر : «إن أبا سلمة قال عند وفاته : اللهم أخلفني في أهلي بخير، فأخلفه رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم على زوجه أم سلمة فصارت أما للمؤمنين، وعلى بنيه : سلمة وعمر وزينب ودرة»[3].

خطب أم سلمة بعد زوجها أبو بكر وعمر، فردتهما في رفق. ولما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذرت قائلة: إنها غيرى، مسنة ذات عيال.

فقال عليه السلام : «أما إنك مسنة، فأنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله عنك، وأما العيال فإلى الله ورسوله»[4]. وتم الزواج في شهر شوال من السنة الرابعة.

شغلت أم سلمة بيت زينب أم المساكين رضي الله عنهما، وكان لها عند النبي صلى الله عليه وسلم مكانة رفيعة لما كان منها من العناية به والحرص على مرضاته، فلم يؤثَر عنها أنها خالطت أمهات المؤمنين بشيء من الغيرة، وهي التي كانت تخشى على نفسها ذلك، إلا أن الله أذهب عنها ذلك ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لها.

كان النبي صلى الله عليه وسلم عندها يوما وابنتها زينب هناك، فجاءته الزهراء مع ولديها الحسن والحسين عليهم السلام، فضمهما إليه ثم قال : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد. فبكت أم سلمة فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألها حانيا : ما يبكيك؟ أجابت يا رسول اللح الله حصصتهم وتركتني وابنتي، قال : «إنك وابنتك من أهل البيت».

وقد شبت زينب في رعاية الجناب الكريم فكانت من أفقه نساء أهل زمانها. يروى أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فنضح وجهها، فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعجزت.

كانت أمنا عائشة تباهي أمهات المؤمنين بنزول الوحي في بيتها، حتى جاءت أم سلمة فكان مما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندها قوله تعالى : «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»[5].

وقد نزلت في أبي لبابة الذي ربط نفسه بسارية المسجد عقابا لنفسه على إفشائه سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال : لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله على مما صنعت. فلما نزل الوحي في شأنه في بيت أم سلمة استأذنت نبي الله أن تكون من يبشره بالمغفرة فأذن لها.

فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب الحجاب على أمهات المؤمنين فقالت: «يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك!»، فثار الناس ليطلقوه فأبى وقال : لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده. فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.

وفي العام السادس صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى مكة معتمرا، فكان عهد الحديبية. ولأم سلمة في ذلك شأن وأي شأن!

ذلك أن الصحابة اغتموا حين بلغهم نص العهد الذي أمضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فثاروا، ووثب عمر: ألسنا على الحق يا رسول الله؟ فلمَ نعطي الدنية من ديننا، فقال له الصديق كلمته الخالدة : الزم غرزه!

واستفحل الأمر حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يقوموا فينحروا ثم يحلقوا، فما قام منهم رجل. فدخل رسول الله على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس فقالت : «يا نبي الله، أتحب ذلك؟ أخرج لا تكلّم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما وندما»[6]. ثم فتح الله فتحا ما فُتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه!

ثم صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وفي فتح مكة، وفي حصاره الطائف وغزو هوازن وثقيف، ثم في حجة الوداع.

وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف نساءه من بعده، فبقيت أم سلمة في على حالها إلى أن جاءت الفتنة الكبرى فاندفعت تؤازر أمير المؤمنين علىا كرم الله وجهه.

وودت لو تخرج فتنصره، لكنها كرهت أن تبتلى وهي أم المؤمنين بمثل ذاك الخروج ، فجاءت أمير المؤمنين وقدمت إليه ابنها عمر قائلة : «يا أمير المؤمنين، لولا أن أعصي الله عز وجل، وأنك لا تقبله مني، لخرجت معك. وهذا ابني عمر، والله لهو أعز علي من نفسي، يخرج معك فيشهد مشاهدك»[7].

ثم هرعت إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما فقالت تعنفها : «أي خروج هذا الذي تخرجين؟ الله من وراء هذه الأمة. لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي : ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا هاتكة حجابا قد ضربه علي».

وتوفيت رضي الله عنها بعدما جاءها نعي سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما على ما صح.

وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، وشيعت إلي البقيع بنت زاد الركب أم المؤمنين أم سلمة، وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين.

حديثها عن النبي صلي الله عليه وسلم في الكتب الستة ثمانية وسبعين  وسبعون وثلاثمائة حديث.

رضي الله عنها وأرضاها ورزقنا محبتها وشفاعتها آمين.

 

 

 

[1]  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، الجزء الثامن، ص 404، دار الكتب العلمية، بيروت، 1410هـ.
[2]  رواه الطبري في تاريخه، الجزء الثالث، ص 164، دار التراث، بيروت، 1387.
[3]  الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، الجزء الثلث، ص 940، دار الجيل، بيروت 1990.
[4]  رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أم سلمة، رقم الحديث 26619.
[5]  سورة التوبة، الآية 102.
[6]  رواه الطبري في تاريخه، الجزء الثاني، ص 637، دار التراث، بيروت، 1387.
[7]  رواه الطبري في تاريخه، الجزء الرابع، ص 451، دار التراث، بيروت، 1387.

 

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد