أين إرادتك من الإرادات؟:
النداء العُلْوي يُهيب بك يا إنسان باقتحام العقبة، ويستفهمك سائلا لتتيقظ إلى أن هنالك عقبة تقتحم، وأن لاقتحامها شروطا. ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾1 استفهام وحض واستنهاض.
ثم ينوع الله الرحمن بخلقه، الفارح بتوبة عباده، الخطاب لتقوم الإرادات الباردة، وتعزم على طلبه سبحانه الهمم الراكدة. فمِنْ أساليب إثارتك يا إنسان وتعليمك وتنبيهك أن تُعرَض عليك مراتب الإرادات. قال الله تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾. 2 وقال عز من قائل: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.1
وأنت ترى أصلحك الله أن الله جلت حكمته لا يبخس أهل الدنيا أعمالهم في الدنيا. وما تفوق العالم المصنع المتعلم المنظم من حولنا إلا نتيجة توفية الله عز وجل لكل قوم أعمالهم وَفق ما يريدون.
فما السبيل إلى أن تقترن إرادتنا لله والآخرة بالإرادة الجهادية القائمة أسبابها على العمل الدنيوي التصنيعي التكنولوجي التنظيمي؟ مهما نَحِدْ عن تربية القرآن وأحضان النبوة نَزِغْ عن الطريق.
إن الله اللطيف الخبير أدّب نبيه صلى الله عليه وسلم فأحسن تأديبه، فكان من أهم ما أدّبه به لنتعلم نحن الأمة الربانية المرحومة أن قال: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾.2 يريدون وجهه، لا إله إلا الله!
اقتُرِحَ عليك الاقتحام، وعُينت لك الرفقة مع المريدين الذاكرين غير الغافلين، أرباب القلوب العاكفين بباب الله بالغداة والعشي. فأين إرادتك من الإرادات؟ وأين همتك من الهمم؟ إن كانت لا تحركنا الإهابة القرآنية فلعل ملاحظة أقراننا في الإنسانية والإسلام، السابقين الراقين في مرافع الإحسان، توقد فينا حمية المنافسة.
قال شيخ الإسلام ابن القيم في تفصيل الإرادات والهمم: “لذّة كل أحد على حسب قدْره وهمته وشرف نفسه. فأشرف الناس نفسا، وأعلاهم همة، وأرفعهم قدرا، من لذّته في معرفة الله، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتودد إليه بما يحبه ويرضاه. فلذته في إقْباله عليه، وعكوف همته عليه. ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله، حتى تنتهي إلى من لذته في أخس الأشياء من القاذورات والفواحش في كل شيء من الكلام والفعال والأشغَال”.3 الإحسان، ج 1، ص 125-127.
1 البلد، الآيتان: 11–12
2 الشورى، 20
1 الفوائد ص 150
أضف تعليقك (0 )