post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

قال الله عز وجل : ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾[1].
وأخرج الطبراني في الصغير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال : «أنا أحمد ومحمد والحاشر، والمقفي والخاتم».
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال : قال رسول الله ﷺ : «أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء قبلي». فقلنا : يا رسول الله وما هو؟  قال : «نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل لي التراب طُهورا، وجعلت أمتي خير الأمم»[2].
قال القاضي عياض رحمه الله في الشفا : وأحمد أفعل مبالغة من صفة الحمد كما أن محمدا مفعل مبالغة من كثرة الحمد فهو ﷺ أجل من حَمد وأفضل من حُمد وأكثر الناس حمدا، فهو أحمد المحمودين وأحمد الحامدين ومعه لواء الحمد يوم القيامة، ليتم له كمال الحمد ويشتهر في تلك العرصات بصفة الحمد، ويبعثه ربه مقاما محمودا كما وعده.
يحمده فيه الأولون والآخرون ويُفتح عليه من المحامد ما لم يُعط أحدٌ غيره.
وسمى الله أمته في كتب أنبيائه بالحمادين، وخصه بسورة الحمد، واشتق له منه عدة أسماء منها أشهر أسمائه، إذ لا شيء أحبُّ إليه تعالى من الحمد، ولذلك حمد نفسه وافتتح به كتابه : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الفاتحة ، وختم به استقرار أهل الجنة والنار: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[3]، وجعله آخر دعوى أهل الجنة : ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[4].
وأمر على لسان نبيه أن يفتتح به كل أمر ذي بال، وجعل الخالي منه أبتر قليل البركة، وكثير مما تقدم في الاسم قبله (محمد) يأتي في هذا الاسم لاتحاد مادتهما.[5]
وقال الفخر الحرالي رحمه الله في كتاب له نفيس في الباب اسمه «إبداء الخفا في شرح أسماء المصطفى» كلاما عجيبا في روح معاني أسمائه صلى الله عليه وسلم: «وإن مما شمله الاستقراء وتتبعه الإحصاء من أسماء النبي ﷺ أسماءً يُعرف كل اسم منها بوصف من أوصافه، ويعدي إلى وجه من وجوه كماله، يتضح بها للمُستجلي من معرفته ما لم يكن يعرف، ويعلم من حقيقة إحاطة نبوته ما لم يكن يعلم، فيستجد به علما إلى علمه، فيزيد إيمانا إلى إيمانه، وتنتهي معرفته إلى معجز عن معرفته، فينتهي فيه إلى وقفة تملأ قلبه تعظيما ، وجوارحه تعزيزا وتوقيرا وتكريما بما يجعله الله بذلك وسيلة لشفاعته الكبرى الموصِّلة إلى الله بالله، التي يكونون له إخوانا يود رؤيتهم، وأحباء يتشوق إليهم. ﴿وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. والحمد لله رب العالمين»[6].
وقال ابن القيم في كتابيه «جلاء الأفهام» و«زاد المعاد» واللفظ له : اختلف الناس فيه : أي في اسم أحمد، هل هو بمعنى فاعل أو مفعول، فقالت طائفة هو بمعنى فاعل، أي حمد الله أكثر من حمد غيره له، فمعناه أحمد الحامدين لربه.
وقالت طائفة أخرى هو بمعنى مفعول، أي أحق الناس وأولاهم بأن يحمد. فيكون كمحمد في المعنى، إلا أن الفرق بينهما أن محمدا هو المحمود حمدا بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وأحمد هو الذي يحمد أفضل ما يحمده غيره. فمحمد في الكثرة والكمية وأحمد في الصفة وفي الكيفية، يستحق من الحمد أكثر مما يستحقه غيره، فحمده أكثر حمد وأفضل حمد حمده بشر، والاسمان واقعان على المفعول  وهو الراجح[7].
وقال القاضي والسهيلي وابن القيم رحمهم الله تعالى: واختص صلى الله عليه وسلم من مسمى الحمد بما لم يجمع لغيره، فإن اسمه صلى الله عليه وسلم محمد وأحمد وهو مضمون قوله تعالى : ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ بفتح التاء إشارة إلي الأحمدية التي في كل شيء حين هو ﷺ رسول لكل شيء.
قال الفخر الحرالي في تدبر هذه الآية : «فهو من نفس ما بعث إليه ومن أنفس ما بعث إليه، ولما كانت الأحمدية علوا للذات كانت بمنزلة السماء في موجود الدنيا، فكان لذلك اسمه في السماء أحمد كما ورد»[8].
وزاد القاضي عياض رحمه الله : كان  ﷺ أحمد قبل أن يكون محمدا، كما وقع في الوجود، لأن تسميته ﷺ أحمد وقعت في الكتب السالفة، وتسميته محمدا وقعت في القرآن، وذلك أنه ﷺ حمد ربه قبل أن يحمده الناس. وقال السهيلي رحمه الله : «لم يكن ﷺ محمدا حتى كان أحمد ، حمد ربه فنبأه وشرفه، فلذلك تقدم أحمد على الاسم الذي هو محمد، فذكره سيدنا عيسى على نبينا وعليه السلام فقال : ﴿اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾. ذكره موسى على نبينا وعليه السلام حين قال له ربه : تلك أمة أحمد، فقال اللهم اجعلني من أمة أحمد، فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد، لأن حمده لربه قبل حمد الناس له، فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل. وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه، فيكون أحمد الحامدين لربه، ثم يشفع فيحمد على شفاعته ﷺ. فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذكر وفي الوجود في الدنيا والآخرة، تلح لك الحكمة الإلهية في تخصيصه ﷺ بهذين الاسمين»[9].
وساق الإمام السيوطي في «النهجة السوية في الأسماء النبوية» لطيفة عن العز بن عبد السلام رحمه الله:
قيل إنه ورد إلى مصر نصراني من الإفرنج وقال : لي شبهة، فإن أزلتموها أسلمت. فعقد له مجلس بالكاملية، وهي دار الحديث في ذلك الزمان، ولم يكن في مصر دار حديث غيرها، ورأس العلماء يومئذ العز بن عبد السلام رحمه الله.
فقال له النصراني: أيهما أفضل عندكم المتفق عليه أو المختلف فيه؟
فقال ابن عبد السلام : المتفق عليه، فقال النصراني : فقد اتفقنا نحن وأنتم على نبوة عيسى واختلفنا في محمد (ﷺ)، فيلزم أن يكون عيسي أفضل وأن تتبعوه.
فقيل إن العز بن عبد السلام أطرق ساكنا من أول النهار إلى الظهر، حتى ارتج المجلس واضطرب أهله ، ثم رفع الشيخ رأسه وقال : أيَّ عيسي تعني ؟ إن كنت تعني عيسي الذي قال لبني إسرائيل : ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾، فهو الذي نوافق على نبوته، ويلزمك أن تتبعه فيما قال، وتؤمن بأحمد الذي بشر به، وإن كنت تعني عيسى آخر لم يقل ذلك، فهذا لا نؤمن به ولا نوافق عليه. فقامت الحجة وأسلم النصراني[10].
&nbsp;
            قال الآثاري في النبي مادحا متوسلا:
خَير الأنامِ هُو المَقصود والسول**بالحَقِّ للخلقِ مَبعوث ومَرسولُ
المُصطَفى أَحمَد المُختار مِن مُضَر **لَه مِن اللَهِ تَعظيم وَتَبجيلُ   
خَيرُ الوَرَى أَحمَد الهادِي النَبِي وَمن**بِه لِراجِيه عِندَ الجرحِ تَعديلُ      
يا رب عَبدك في بابِ الرجا وَله**في مَدح أَحمَد تَرتيبٌ وَتَرتيلُ
بِحَق أَحمَد حَقق ظَننا فَلَنا**بِجاهِ أَحمَد تَنويهٌ وَتَنويلُ
&nbsp;
صلى الله على سيدنا محمد صلاة تملأ قلوبنا من نور معرفته وتصل أرواحنا بمدد شفاعته. اللهم أبْلغه منا سلاما يَعبُق محبة، ويُكسى توقيرا وتعظيما لجنابه الشريف. والحمد لله رب العالمين.
&nbsp;
[1]  سورة الصف، الآية 6. [2]  أخرجه الإمام أحمد (763)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (32304)، والبيهقي (1064) واللفظ له. [3]  سورة الزمر، الآية 72. [4]  سورة يونس، الآية 10. [5]  الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، الجزء 1، ص 229، دار الفكر الطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1998. [6]  إبداء الخفا في شرح أسماء المصطفى، الإمام علي بن أحمد الحرالي، تحقيق أحمد المزيدي، ص 202، دار الكتب العلمية، بيروت، 2007. [7]  زاد المعاد، الإمام ابن قيم الجوزية، الجزء الأول، ص 87، الطبعة السابعة والعشرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1994. [8]  إبداء الخفا في شرح أسماء المصطفى، الإمام علي بن أحمد الحرالي، تحقيق أحمد المزيدي، ص 208، دار الكتب العلمية، بيروت، 2007. [9] الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، الإمام السهيلي، الجزء 2، ص 96، تحقيق عمر عبد السلام السلامي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2000. [10]  النهجة السوية في الأسماء النبوية، الإمام جلال الدين السيوطي، ص 59، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، القاهرة، 2001.

اسمه أحمد صلى الله عليه وسلم

الربيع النبوي رسالة تذكير

أًسْلالْ نتَمَّنْتْ أَرَسُّولُ الله

تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم؛ محبةً واتباعاً.

تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم؛ محبة واتباعا

التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في خُلُقه

النبي أولى بالمومنين من أنفسهم

التزكية والدعوة

اسمه أحمد صلى الله عليه وسلم

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الفرح برسول الله ﷺ

محبة النبي الكريم ﷺ

الهداية إيمان بالغيب ويقين بالآخرة

نظرات في رسالة تذكير للإمام عبد السلام ياسين

الجرح الفلسطيني

قصيدة الهمزية «أم القرى» للإمام البوصيري رحمه الله

مقالات ذات صلة