مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

التزكية والدعوة

اسماه الشاهد والشهيد صلى الله عليه وسلم

0
اسماه الشاهد والشهيد صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى في كتابه العزيز مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾[1] ، وقال جل شأنه: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾[2]  وقال أيضا: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾[3] ، وهي الآية التي ذرفت لها عينا رسول الله ﷺ عندما قرأها عليه ابن مسعود رضي الله عنه.

والشاهد من أسماء النبي ﷺ ، وهو مقرون عند كثير من أهل العلم باسمه الشهيد. يقال : شَهِدَ فلان على فلان بحق، فهو شاهد وشهيد. والمُشاهَدَةُ : المعاينة. وشَهِدَه شُهوداً أَي حَضَره، فهو شاهدٌ. والشاهِدُ والشَّهيد: الحاضر، والجمع شُهَداء وأَشْهادٌ وشُهودٌ ، وشُهَّدٌ أَيضاً، مِثْلَ راكِع ورُكّع.

قال ابن فارس رحمه الله : «الشاهد مشتق من المشاهدة، كأنه الناظر المخبر بما رأى، ويقال للسان الشاهد لأنه يخبر ويشهد، لقول الأعشى :

ولا تحسبنِّي كافراً لك نعمة
.على شاهدَيَّ يا شاهد الله فاشهد.

أراد بشاهد الله الملَك، وبشاهد نفسه لسانَه»[4].

قال الصالحي الشامي رحمه الله: «الشاهد : العالم أو المطلع الحاضر ، وهو اسم فاعل من الشهود وهو الحضور. قال الله تعالى : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾، أي على من بعثت إليهم، مقبولَ القول عليهم عند الله تعالى، كما يُقبل الشاهدُ العدل.  والشهيد العليم أو العدل المزكي، ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، أي مُعدلا مزكِّيا.» [5]

روى البخاري من حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال: «أنا فرطكم وأنا شهيد عليكم».

والشهيد أيضا من أسماء الله تعالى، ومعناه : الذي لا يغيب عنه شيء، تقدست أسماءه عز وجل.

وفي صيغته على قول ابن الأثير : هو فعيل من أبنية المبالغة في فاعل. وإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم، فإذا أضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخبير، أو إلى الظاهر فهو الشهيد. وكل شهيد وخبير عليم ولا عكس.

وقيل هو الشهيد يوم القيامة بما علم، فقد روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : يدعى نوح يوم القيامة فيقال : هل بلغت ؟ فيقول : نعم فيدعى قومه فيقال : هل بلَّغَكم؟ فيقولون : ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد. فيقال لنوح من يشهد لك ؟ فيقول محمد وأمته، فذلك قوله تعالى : ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، والوسط العدل.

وقد أجمل الإمام الحرالي رحمه الله في شرحه الإشاري جل هذه المعاني بقول بديع، وعبارة بليغة : «الشهادة رؤية خِبرةٍ على المُخبَر عنه بما حقَّق فيه المشاهدُ له، فهو مجموع علمٍ وقضاءٍ وخبرة ونَباءٍ عن ذلك. ولمِا فيه من مَضاء الحكم إنما يَتمُّ بإيالة واطلاع، فلذلك الشهيد الحق هو الله سبحانه ومن أشهده ما شاء من خِيرة خلقه، كما أشهد محمدا ﷺ وأهل الحمد والوصلة من أمته الذين ليسوا بلعانين، لما يشهدون من إجراء الله في خلقه، قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾، ففيه إشعار بما كشف له ﷺ من أمر الخلق ومضاء التقدير فيهم، وإقامتهم فيما خلقهم له. فشهد عليهم بما هو أَخبَرُ بهم مِن أنفسهم. قال ﷺ : «إني لأعرف النظائر من أمتي بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم، من كان منهم ومن هو كائن، ومن سيكون إلى يوم القيامة» ..

«وأُودِع خواصُّ أمته من ذلك ما كانوا يشهدون به صدقَ الصادق ونفاقَ المنافق، حتى كان عمر رضي الله عنه لا يصلي على جنازة حتى يرى حذيفة أمين سر رسول الله ﷺ يشهدها . وقال له مرة: «ناشدتك الله هل ترى في شيئا من النفاق؟ فقال : لا ولا أخبر غيرك.

«فكان ﷺ شاهدا بشهادة أفاضت على خواص أمته أن كانوا شهودا…فشهدوا حقائق عالم الملك وظواهر عالم الملكوت، مما هو غيب عن الخلق، وإنما يُعَلِّمه الله ويُشهِده لمن يشاء ممن يؤتيه إحاطةً من علمه. فكان ﷺ ينبئ عن أحوال القلوب وما حوته الضمائر، فجُمع له مع الرسالة من الشهادة إعلامٌ بكمال ذاته، حتى لم يكن في بلاغه محتاجا إلى شهادة سواه، فكان هو الرسولَ الشاهدَ ﷺ. وبما هو شاهدٌ خبرَهم كان شهيدا عليهم ﷺ.» [6]

أنشد الإمام البرعي متوسلا بالمصطفى :

وتشمل مَن والاك نصراً أَو هجرةً
.وَكلَّ محب للصحابة أَو ولي

رحم الله الإمام البرعي، وحشرنا في زمرة المحبين لجناب المصطفى الأمين، وآل بيته الأطهار وصحابته الأبرار الغر والتابعين لهم بإحسان، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، والحمد لله رب العالمين.

[1]  سورة الأحزاب، الآية 45.
[2]  سورة الحج، الآية 78.
[3]  سورة النساء، الآية 41.
[4]  أسماء رسول الله ﷺ ومعانيها ، أحمد بن فارس، دار الكتب الظاهرية، دمشق، 1408.
[5]  سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي، ج 1، ص 588، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1993.
[6]  إبداء الخفا في شرح أسماء المصطفى، الإمام علي بن أحمد الحرالي، تحقيق أحمد المزيدي، ص 267، دار الكتب العلمية، بيروت، 2007.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد