مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

الخيرُ كُلُّه
أنوار المعارف على قلوب الذاكرين الله كثيرا
متى زغنا هنا زغنا هناك
قيام رمضان هروبا من دناءة الهمة

يوليوز 2014

رابط تحميل المختارة

الخيرُ كُلُّه

المستدرك للحاكم رحمه الله

قال النبي ﷺ: “يا عائشة، عليك بالكوامل” أو كلمة أخرى، فلما انصرفت عائشة رضي الله عنها سألته عن ذلك فقال لها: “قولي: اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك خير ما سألك عبدك ورسولك محمد، وأعوذ بك من شر ما استعاذ بك منه عبدك ورسولك محمد ﷺ، وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشدا”. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “من يحرم الرفق يحرم الخير كله”.

عن قتادة رضي الله عنه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله ﷺ: “إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم”.

عن عبد الرحمن بن الأسود الكاهلي رضي الله عنه أن عليا كرم الله وجهه كان يقْنُت بهاتين السورتين في أنه يقدم الآخرة ويقول: “اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إن عذابك بالكافرين ملحق. اللهم إنا نستعينك ونستهديك، ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك”.

عن رجل من ولد حذيفة رضي الله عنه أنه قال: “خلوت يوما وأنا أريد أن أجتهد في الثناء على ربي والدعاء، فارتجت فسمعت قائلا يقول ولا أرى أحدا: قل: اللهم ربنا لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره، أهل أن تحمد، إنك على كل شيء قدير. اللهم اغفر لي جميع ما سلف من ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني أعمالا زاكية ترضى بها عني”. قال: فأتيت النبي ﷺ فذكرت له ذلك فقال: “ذلك ملك علمك الثناء على ربك والدعاء”.

عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن فعلمني ما يجزئني في الصلاة أن أقول. قال: “قل: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله”. قال: يا رسول الله، هذا لله فما لي أن أقول؟ قال: “قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني”. فلما أن ولى الرجل قال النبي ﷺ: “أما إن هذا قد أصاب الخير كله” أو “علم الخير كله” أو نحو هذا.

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه أتى النبي ﷺ فقال: “بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلما يقول: اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، بيدك الخير كله، إليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره، فأهل أن تحمد إنك على كل شيء قدير. اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني عملا زاكيا ترضى به عني. فقال النبي ﷺ: “ذاك ملك أتاك يعلمك تحميد ربك”.

عن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: “تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل”.

وعن زيد الشامي رحمه الله قال: “إنى لأحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب”. وعنه أنه قال: “انو في كل شيء تريد الخيرَ حتى خروجك إلى الكُنَاسَة”[1].

وعن داود الطائي رحمه الله قال: “رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية، وكفاك بها خيرا وإن لم تصب”.

وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: “ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي لأنها تنقلب علي”.

وعن يوسف بن أسباط رحمه الله قال: “تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد”.

وعن مطرف بن عبد الله رحمه الله قال: “صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية”.

وعن بعض السلف رحمه الله قال: “من سره أن يكمل له عمله فليحسن نيته، فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا حسن نيته حتى باللقمة”.

وعن ابن المبارك رحمه الله قال: “رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية”.

وقال ابن عجلان رحمه الله: “لا يصلح العمل إلا بثلاث؛ التقوى لله، والنية الحسنة، والإصابة”.

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: “إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك”.

وعن يوسف بن أسباط رحمه الله: “قال إيثار الله عز وجل أفضل من القتل في سبيل الله”.خرج ذلك كله ابن أبي الدنيا رحمه الله في كتاب الإخلاص والنية.

وعن الحسن البصري رحمه الله قال: “إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة، فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئاً إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً إلا جمعه”.رواه البيهقي رحمه الله في شعب الإيمان.

وقال أحمد بن صالح رحمه الله: “رأيت الخير كله في رقة القلب والرحمة، وذلك قوله عز وجل: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ الآية، ورأيت الشر كله في اثنتين؛ في الفظاظة وغلظ القلب، وذلك قول الله عز وجل: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ[2].

عن الحسن رحمه الله قال: “أوصيكم بتقوى الله وإدمان الفكر، فإن الفكر أبو كل بِرٍّ وأمُّه، مفتح خلالَ الخير كله، وبه يحضر تسديد الله عز وجل كل موفق. واعلم أن خير ما ظفر به مدرك من تفكر مخالصة الله والشرب بكأس حبه، وإن أحباء الله هم الذين ورثوا طيب الحياة وذاقوا نعيمها مما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم، وربما وجدوا من حلاوة حبه في قلوبهم ولا سيما إذا خطر على بال منهم ذكر مشافهته وكشف ستور الحجب عنه في المقام الأمين والسرور وأراهم جلاله وأسمعهم لذة منطقه ورد عليهم جواب ما ناجوه به أيام حياتهم إذ قلوبهم مشغوفة وإذ مودتهم إليه معطوفة وإذ هم له مؤثرون وإليه منقطعون، فليبشر المصغون لله ودهم بالمنظر العجيب بالحبيب فو الله ما أرى يحل لعاقل ولا يجمل به أن يستوعب سوى حب الله عز وجل”.

وقال أبو بكر المروزي رحمه الله: قلت لأبي عبد الله -يقصد الإمام أحمد رحمه الله-: “من مات على الإسلام والسنة مات على خير”، فقال لي: “اسكت! من مات على الإسلام والسنة مات على الخير كله”.

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: “جعل الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا”.

قال الجنيد رحمه الله لرجل وهو يعظه: “جماع الخير كله في ثلاثة أشياء؛ إن لم تمض نهارك بما هو لك فلا تمضه بما هو عليك، وإن لم تصحب الأخيار فلا تصحب الأشرار، وإن لم تنفق مالك فيما لله فيه رضى فلا تنفقه فيما لله فيه سخط”.

وعن جعفر رحمه الله قال: سمعت مالك بن دينار يقول في دعائه: “اللهم أقبل بقلوبنا إليك حتى نعرفك حسنا، وحتى نرعى عهدك حسنا، وحتى نحفظ وصيتك حسنا. اللهم سومنا سيماء الايمان، وألبسنا لباس التقوى. اللهم نتوب إليك قبل الممات، ونلقى بالسلام قبل اللزام. اللهم انظر الينا منك نظرة تجمع لنا بها الخير كله خير الدنيا وخير الآخرة”. ثم يقف مالك عن كلامه فيقول: “أتحسبون أني أعني خير الدنيا الدينار والدرهم؟ إنما أعني العمل الصالح حتى ألقاك يوم لقاك وأنت عني راض رغبة ورهبة إليك يا إله السماء وإله الأرض”.قال ثم يبكي بكاء خفيفا فنبكي معه رحمه الله.

أنوار المعارف على قلوب الذاكرين الله كثيرا

قوم تسبق أنوارهم أذكارهم، وقوم تسبق أذكارهم أنوارهم

يعني أن الواصلين إلى الله تعالى على قسمين: قوم تسبق أنوارهم أذكارهم، وهم المجذوبون المرادون الذين لم يتكلفوا شيئاً، بل واجهتهم الأنوار فحصلت منهم الأذكار.

وإذا حلت الهداية قلباً
نشطت للعبادة الأعضاء

وقوم تسبق أذكارهم أنوارهم، وهم المريدون السالكون، فمتى اجتهدوا في الأذكار حصلت لهم الأنوار واهتدوا لمرضاة العزيز الغفار. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[3]. ثم بين حال الفريقين بعبارة أخرى فقال: ذاكر ذكر ليستنير قلبه، وذاكر استنار قلبه فكان ذاكراً.

الأول راجع للفريق الثاني وهم السالكون، والثاني راجع للفريق الأول وهم المجذوبون، وكل على نور.

ما كان ظاهرُ ذكرٍ، إلا عن باطن شهود وفكر

يعني أن الذكر الظاهر -والمراد به الأعمال الظاهرة جميعها- لا تكون إلا عن باطن شهود الحق جل شأنه، والتفكر في آثار قدرته، فإن صلاح الظاهر تابع لصلاح الباطن. وإنما خص الذكر بالذكر من بين سائر الأعمال لأنه روحها والمقصود بالذات منها قال تعالى: ﴿وَأَقِم الصَّلَاةَ لِذِكْرِي[4]. ثم وضح هذا المعنى بقوله: أشهدك من قبل أن يستشهدك فنطقت بإلـهيته الظواهر، وتحققت بأحديته القلوب والسرائر.

أي أطلعك سبحانه على وحدانيته بتجلي أنوار المعارف على قلبك، حتى شاهدت ذلك على حسب قدرك، من قبل أن يستشهدك؛ أي يطلب منك أن تشهد بعظمته وجلاله بذكرك وعبادتك، فإن الذكر والعبادة شهادة منك بعظمة المذكور والمعبود، فنطقت بألوهيته؛ أي ما يدل عليها –الظواهر- أي الجوارح، بأن أتت بالأعمال التي تكاد تنطق بعظمة ذي الجلال، وهذا راجع للاستشهاد.

أكرمك بكرامات ثلاث: جعلك ذاكراً له؛ ولولا فضله لم تكن أهلاً لجريان ذكره عليك، وجعلك مذكوراً به؛ إذ حقق نسبته لديك. وجعلك مذكوراً عنده، فتمم نعمته عليك.

يعني أن الله تعالى أكرمك أيها المؤمن بثلاث كرامات جمع لك فيهن أنواع الفضائل والمبرات:

الأولى: جعلك ذاكراً له بلسانك وقلبك، ووجه حلاوة ذلك إليك، ولولا فضله لم تكن أهلاً لجريان ذكره عليك.

والثانية: جعلك مذكوراً به عند الناس؛ بأن يقال: هذا ولي الله وذاكره؛ إذ حقق نسبته -أي خصوصيته- لديك، وهي ما أظهره من أنوار الذكر والطاعة عليك.

والثالثة: جعلك مذكوراً عنده، فتمم نعمته عليك بمزيد الإكرام ومنتهى الفضل والإنعام.

وفي الحديث القدسي: “من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه”.

وقال ﷺ: “ما جلس قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده”. والعندية هنا عندية مكانة -أي شرف- لا مكان، تعالى الله عن ذلك.

متى زغنا هنا زغنا هناك

العهود المحمدية، للإمام الشعراني رحمه الله تعالى

روى الشيخان رحمهما الله تعالى مرفوعا: “يضرب الجسر على جهنم”، قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: “دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فيه خطاطيف وكلاليب وحَسَكٌ تكون فيها شويكة يقال لها السعدان”[5]، “فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالطير، وكالريح، وكأجاويد الخيل، وكالركاب، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ”.[6]، “ومَخْدُوشٌ مُرْسَل”[7]، “ومَكْدُوش”[8] “في نار جهنم”[9]. والدَّحْض: هو الزَّلَقُ، والمزلة: هو المكان الذي لا تثبت عليه الأقدام إذا زلت، والمكدوش: هو المدفوع في نار جهنم دفعا عنيفا. والله أعلم.

أخذ علينا العهد العام من رسول الله ﷺ أن لا نتهاون بتمادينا على شيء من العوج في أعمالنا وأحوالنا ما دمنا في هذه الدار، فإن مشينا على الصراط على صورة مشينا هنا على الشريعة المحمدية، فمتى زغنا هنا زغنا هناك.

وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: “سرعة مرور الناس على الصراط وبطؤهم يكون بحسب مبادرتهم لفعل الطاعات وتخلفهم عنها”.

وسمعت سيدي محمد بن عنان رحمه الله يقول: “ثبوت الأقدام على الصراط يكون بحسب طول الوقوف بين يدي الله عز وجل في قيام الليل، ومزلة الأقدام تكون بحسب تركه القيام في بعض الليالي”.

وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: “المشي على الصراط حقيقة إنما هو ههنا في هذه الدار، فمن تحفظ في مشيه هنا على الشرع حفظ في مشيه على الصراط المحسوس في الآخرة، فالعاقل من استقام هنا في أفعاله وأقواله وعقائده ولم يسامح نفسه بشيء يقع فيه من الذنوب، بل يتوب ويندم على الفور، والله يحفظ من يشاء كيف يشاء”.‏

قيام رمضان هروبا من دناءة الهمة

العهود المحمدية للإمام الشعراني رحمه الله تعالى

روى النسائي والبيهقي رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  يقول: “أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك فرض الله تعالى عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله تعالى فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله”.

وفي رواية لمسلم رحمه الله: “فتحت أبواب الرحمة وسلسلت الشياطين ومردة الجن”.

وفي رواية لابن خزيمة وابن ماجه رحمهما الله وغيرهما: “إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن”. ومعنى صفدت: أي شدت بالأغلال. قال الحليمي رحمه الله: وتصفيد الشياطين في شهر رمضان يحتمل أن يكون المراد به أيامه خاصة، وأراد الشياطين الذين يسترقون السمع، ألا تراه قال: مردة الشياطين؟ لأن شهر رمضان كان وقتا لنزول الرحمة والقرآن إلى السماء الدنيا، وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب كما قال تعالى: ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ[10]. فزيد التصفيد في شهر رمضان مبالغة في الحفظ. والله تعالى أعلم. قال: ويحتمل أن المراد أيامه ولياليه، ويكون المعنى أن الشياطين لا يخلصون فيه إلى إفساد الناس كما يخلصون في غيره لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات بقراءة القرآن وغيره من سائر العبادات.

وروى ابن ماجه رحمه الله بإسناد حسن مرفوعا: “إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم”.

وروى البيهقي رحمه الله، وقال الحافظ المنذري رحمه الله: حديث حسن، مرفوعا: “ينادي مناد من السماء كل ليلة -يعني من شهر رمضان- إلى انفجار الفجر: يا باغي الخير تمم وأبشر، ويا باغي الشر أقصر وأبصر، هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من تائب يتاب عليه؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من سائل يعطى سؤله؟”.

وروى النسائي رحمه الله مرفوعا: “إن الله تعالى فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”.

وذكر مالك رحمه الله في الموطأ قال: “سمعت من أثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله ﷺ أري أعمار الأمم قبله، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر”.

وروى الشيخان رحمهما الله مرفوعا: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”. وفي رواية لمسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه: “من يقم ليلة القدر فوافقها أراه قال: إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”.

وروى الإمام أحمد رحمه الله وغيره عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، أخبرنا عن ليلة القدر قال: “هي في شهر رمضان في العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو آخر ليلة من رمضان، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”. والله تعالى أعلم.

أخذ علينا العهد العام من رسول الله  أن يكون معظم قصدنا من قيام رمضان وغيره امتثال أمر الله عز وجل، والتلذذ بمناجاة الحق لا طلب أجر أخروي ونحو ذلك هروبا من دناءة الهمة، فإن من قام رمضان لأجل حصول الثواب فهو عبد الثواب لا عبد الله تعالى، كما أشار إليه حديث: “تعس عبد الدينار والدرهم والخميصة” الخميصة: وهي ثوبُ خَزٍّ أَو صُوفٍ مُعلَم، وقيل: لا تسمى خَمِيصة إِلا أَن تكون سَوْداءَ مُعْلَمة، وكانت من لباس الناس قديماً، وجمعها الخَمائِصُ، وقيل: الخمائص ثيابٌ من خَزٍّ ثخانٌ سُودٌ وحُمْر ولها أَعْلامٌ ثِخانٌ أَيضاً.، اللهم إلا أن يطلب العبد الثواب إظهار الفاقة ليميز ربه بالغنى المطلق، ويتميز هو بالفقر المطلق، فهذا لا حرج عليه، لكن هذا لا يصح له إلا بعد رسوخه في معرفة الله عز وجل بحيث يصير يجل الله تعالى أن يعبده خوفا من ناره أو رجاء لثوابه.

فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به حتى يدخله حضرة التوحيد، فيرى أن الله تعالى هو الفاعل لكل ما برز في الوجود وحده، والعبد مظهر لظهور الأعمال، إذ الأعمال أعراض وهي لا تظهر إلا في جسم، فلولا جوارح العبد ما ظهر له فعل في الكون، ولا كانت الحدود أقيمت على أحد، فافهم.

ومن لم يسلك على يد شيخ فهو عبد الثواب حتى يموت لا يتخلص منه أبدا، فهو كالأجير السوء الذي لا يعمل شيئا حتى يقول لك: قل لي إيش تعطيني قبل أن أتعب؟ فأين هو ممن تقول له: افعل كذا وأنا أعطيك كذا وكذا، فيقول والله ما قصدي إلا أن أكون من جملة عبيدك أو أن أكون تحت نظرك أو أن أكون في خدمك لا غير؟ أليس إذا اطلعت على صدقه أنك تقربه وتعطيه فوق ما كان يؤمل لشرف همته؟ بخلاف من شارطك فإنه يثقل عليك، وتعرف أنت بذلك خسة أصله وقلة مروءته، ثم بعد ذلك تعطيه أجرته وتصرفه عن حضرتك، وربما انصرف هو قبل أن تصرفه أنت لعدم رابطة المحبة التي بينك وبينه، فما أقبل عليك إلا لأجرته، فلما وصلت إليه نسيك، ولا هكذا من يخدمك محبة فيك. فاعلم ذلك.

وسمعت سيدي عليا الخواص إذا صلى نفلا يقول: “أصلي ركعتين من نعم الله علي في هذا الوقت”، فكان رضي الله عنه يرى نفس الركعتين من عين النعمة لا شكراً لنعمة أخرى، فقلت له في ذلك فقال: ومن أين يكون لمثلي أن يقف بين يدي الله عز وجل؟ والله إني لأكاد أذوب خجلا وحياء من الله لما أتعاطاه من سوء الأدب معه حال خطابه في الصلاة، فإن أمهات آداب خطابه تعالى مائة ألف أدب، ما أظن أنني عملت منها بعشرة آداب، فأنا إذا وقفت بين يديه في صلاة أو غيرها من العبادات إلى العقوبة أقرب، فكيف أطلب الثواب؟

وسمعته مرة أخرى يقول: “يجب على العبد أن يستقل عبادته في جانب الربوبية ولو عبد ربه عبادة الثقلين، بل ولو عبده هذه العبادة على الجمر من ابتداء الدنيا إلى انتهائها، ما أدى شكر نعمة إذنه له بالوقوف بين يديه في الصلاة لحظة ولو غافلا، وكذلك ينبغي له إذا قلت طاعاته أن يرى أن مثله لا يستحق ذلك القليل، ومن شهد هذا المشهد حفظ من العجب في أعماله، وحفظ من القنوط من رحمة الله تعالى”.

وقال له مرة شخص: يا سيدي، ادع لي، فقال: “يا ولدي، ما أتجرأ أسأل الله في حاجة وحدي لا لنفسي ولا لغيري، اصبر حتى تجتمع مع الناس في صلاة العصر وندعو لك معهم في غمارهم”.

وسمعت أخي أفضل الدين يقول: “والله إني لأقوم أصلي بالليل فأرى نفسي بين يدي الله كالمجرم الذي قتل النفس وفعل سائر الفواحش وأتوا به إلى الوالي يتلفه، وأرى الجميلة لله تعالى الذي أذن لي في الوقوف بين يديه ولم يطردني في جملة واحدة كما طرد التاركين للصلاة”.

وسمعته مرة أخرى يقول: “من شرط الكامل في الطريق أنه يكاد يذوب حياء من الله تعالى إذا تلا كلامه وإن كان الله تعالى قد أذن في تلاوة كلامه للكبير والصغير، ولكن من شرط العارف أن لا يتلو كلامه إلا بالحضور معه تعالى، لأن قراءة كلامه مناجاة له تعالى، وكيف حال من يناجي رب الأرباب وهو غافل؟ فوالله لو رفع الحجاب لذاب كل تال للقرآن كما أشار إليه قوله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا[11]. وقوله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ[12]. وهنا أسرار يذوقها أهل الله تعالى لا تذكر إلا مشافهة لأهلها”.

ورأيته مرة في وليمة فقال له شخص من العلماء: ادع الله لي. فصار يعرق جبينه ولم يقدر ينطق من البكاء، وقال لي: ما كان إلا قتلني هذا.

وكان سيدي أبو المواهب الشاذلي رحمه الله يقول: “حكم الملك القدوس أن لا يدخل حضرته أحد من أهل النفوس”.

وكان سيدي إبراهيم الدسوقي يقول: “من كان الباعث له على حب القيام بين يدي الله تعالى في الظلام لذته بمناجاته فهو في حظ نفسه ما برح، لأنه لولا الأنس الذي يجده في مناجاته ما ترك فراشه وقام بين يديه، فكأن هذا قام محبة في سواه وهو لا يحب من أحب سواه إلا بإذنه، فإن الأنس الذي يجده في قلبه سواه بيقين”.

وكان يقول: “ما أنس أحد بالله قط لعدم المجانسة بينه وبين عبده بوجه من الوجوه، وما أنس من أنس إلا بما من الله تعالى من التقريب الإلهي، لا بالله تعالى”.

ومن هنا قامت الأكابر حتى تورمت منهم الأقدام لعدم اللذة التي يجدونها في عباداتهم، فإن اللذة تدفع الألم فلا يتورم لهم أقدام، فاعلم أن عبادتهم لله تعالى محض تكليف لا يدخلها اللذة، ولو دخلها لذة لكانوا عبيدها وهو مطهرون مقدسون عن العبودية لغير الله تعالى.

فاسلك يا أخي الطريق على يد شيخ حتى يخرجك من العلل وتصير تأتي العبادات امتثالا لأمر ربك لا غير ولا تريد بذلك جزاء ولا شكورا.

وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: “إذا وقع لأحدكم تقريب في المواكب الإلهية فلا يقتصر على الدعاء في حق نفسه فيكون دنيء الهمة، وإنما يجعل معظم الدعاء لإخوانه المسلمين”. وقد من الله تعالى علي بذلك ليلة من الليالي لما حججت في سبع وأربعين وتسعمائة، فمكثت في الحجر أدعو لإخواني إلى قريب الصباح، فأعطاني الله تعالى ببركة دعائي لهم نظير جميع ما دعوته لهم بسهولة، ولو أني دعوت ذلك الدعاء لنفسي لربما لم يحصل لي ذلك، فالحمد لله رب العالمين.

وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا تقتصروا في قيام رمضان على العشر الأواخر من رمضان، بل قوموه كله… والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.


[1] الكُناسَة: ما كُنِسَ. وكُناسَة البيت ما كُسِحَ منه من التراب فأُلقي بعضه على بعض. والكُناسة أَيضا: مُلْقَى القُمَامِ.
[2] آل عمران، 159.
[3] العنكبوت، 69.
[4] طه، 14.
[5] السعدانِ: جمع سعدانة؛ وهو نباتٌ ذو شوكٍ
[6] قِسْم يَسْلَمُ؛ فَلَا يَنَالهُ شَيْء أَصْلًا
[7] وَقِسْم يُخْدَشُ، ثُمَّ يُرْسَل فَيُخَلَّص، وخَدْشُ الجلد: هو قَشْرُه بِعُود أو نحوه
[8] وقسم مكدوش: من الكدش، وهو السوق الشديد. ويروى بالسين مكدوس: مدفوع، وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط.
[9] أخرج الإمام مسلم رحمه الله تعالى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “نَعَمْ” قَالَ: “هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟” قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: “مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا. إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ: فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنْ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا. قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ؟ قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُؤوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بنجد فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ. يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ، فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا”. وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه: يَقُولُ إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَأوا إِنْ شِئْتُم: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا”، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: “شَفَعَت الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، أَلَا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ، مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ، وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ. قَالَ: فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا”.
[10] الحجر، 18.
[11] المزمل، 15.
[12] الحشر، 21.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد