مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

التزكية والدعوة

الفرح برسول الله ﷺ

1
الفرح برسول الله ﷺ

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وإخوانه وحزبه

كلما أعاد الله علينا هذه الأيام وحلت بنا هذه الذكرى العطرة إلا وترددت في أسماعنا كلمات الإمام المجدد رحمه الله ورضي عنه، «في هذه الأجواء الفواحة بالعطر النبوي، عطر المحبة والوداد والشوق إلى رسول الله.

كيف لا نفرح بمن بعثه الله رحمة للعالمين ونحن من العالمين؟»

كلمات بسيطة المبنى عظيمة المعنى جامعة سهلة ممتنعة رضي الله عنه.

ذكر الفرح في كتاب الله في عشرين موضعا، خمسة منها فقط فرح محمود وما تبقى كلها جاءت في سياق الذم.

من قبيل ﴿فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله﴾ التوبة، الآية 81، ﴿ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني، إنه لفرح فخور﴾ هود، الآية 09، ﴿كل حزب لما لديهم فرحون﴾ المؤمنون، الآية 54.

أما الفرح المحمود المرغوب فمن قبيل قول الله عز وجل : ﴿ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله﴾ الروم، ص. 4-5، وقوله ﴿والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك﴾ الرعد، الآية 36.

لكن هناك فرحا مأمورا به واجبا، بصريح البيان، وهو الفرح بفضل الله ورحمته لقوله سبحانه: ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ﴾ يونس، الآية 57. وهو من «أفضل رتب الفرح» كما قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله.

وهذه الآية هي الشاهد عندنا في الحديث عن الفرح برسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

فقد جاء في «الدر المنثور» للإمام السيوطي وفي غيره منقولا عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قوله: «فضل الله العلم ورحمته محمد ﷺ »، لقوله سبحانه ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ الأنبياء، الآية 107 .

فكان الفرح بهذه الرحمة التي أهداها لنا ومَنَّ بها علينا الحق سبحانه واجبا. فقد قال أبو العباس المرسي في لطيفة نفيسة: «الأنبياء إلى أممهم عطية، ونبينا ﷺ لنا هدية، وفرق بين العطية والهدية؛ لأن العطية للمحتاجين والهدية للمحبوبين، قال رسول الله ﷺ: «إنما أنا رحمة مهداة».

الفرح برسول الله ﷺ نعمة من عند الله، فهو يستجلب فرح المصطفى لقوله عليه السلام للشيخ أبي موسى الزرهوني لما رآه في المنام وذكر له ما ينكره البعض من أمر الاحتفال بمولده؛ قال له : «من فرح بنا فرحنا به». والفرح يشرف بشرف المفروح به كما قال العز بن عبد السلام رحمه الله، وأي فرح أشرف من الفرح بسيد الخلق ﷺ.

كيف لا وقد خُفف العذاب عن كافر بسبب فرحه بولادة المصطفى ﷺ، فما بالك بمن آمن به واتبعه. فقد روي أن العباس بن عبد المطلب رآى أبا لهب في المنام بعد مماته فسأله عن حاله، فقال له: «لم ألق خيرا بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة، وإنه ليخفف عني في كل ليلة اثنين» ، ذلك أنها بشرته بولادة النبي ﷺ. فإذا كان هذا حال الكافر الذي لا تنفعه طاعة أو خير مع كفره حيث يخفف عنه إكراما له لفرحه بولادة رسول الله ﷺ.

يكون الفرح بالمصطفى ﷺ شكرا للملك الوهاب على هذه الرحمة المهداة، وامتنانا له سبحانه على هذه النعمة المسداة، فضلا عن كونه ثمرة محبة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله بما هي شرط في الإيمان، لقوله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»، بل حتى يكون المحبوب الأكرم عليه الصلاة والسلام أحب للمؤمن من نفسه، لقوله ﷺ لسيدنا عمر لما أخبره: «أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، قال ﷺ: والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر: فإنه الآن لأنت أحب إلى من نفسي، فقال ﷺ: الآن يا عمر».

ولارتباط الفرح بالمحبة، وكون أحدهما ثمرة للآخر، فإنه كما لا حدود للتفاني في المحبة للشخص الكريم على الله حتى يكون أحب إلينا من الناس أجمعين ومن أنفسنا، فكذلك لا حدود للفرح بمن أرسله الله رحمة للعالمين، حتى نخلع في حبه العذار. ومن ثم يكون الفرح بالتأسي به واتباع سنته والذود عن دعوته، لا ادعاء وقعودا، فالمحبة دعوى والقيام بالحقوق برهان. هذا هو الميزان.

وإن من مظاهر الفرح برسول الله الاحتفاء بذكرى مولده عليه الصلاة والسلام دليلا على الشكر وعلى المحبة وعلى الاقتداء؛ دلالة يقترن فيها التعلق بسنة المصطفى ﷺ والإقبال على سيرته والتمسك بشريعته، وفي ذلك دليل على صدق الإيمان لاقتران الاتباع بالمحبة، إذ الاتباع من لوازم المحبة، وليس كل اتباع عنوانا عليها. قال عز من قائل : ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾ آل عمران: 31.

ولنا في أهل المدينة المنورة معشر الأنصار أسوة حسنة. فقد كان يوم دخول رسول الله صلى الله وسلم ديارهم يوما مشهودا لم تشهده المدينة من قبل، يصفه البراء بن عازب رضي الله عنه فيقول: «ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله ﷺ.»  وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: «ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله ﷺ»

وقال ابن القيم في كتابه زاد المعاد: «وسُمِعَتِ الرَّجَّةُ والتَّكْبِيرُ في بني عمرو بن عوف، وكبَّر المسلمون فرحاً بقدومه، وخرجوا للقائه، فتلقوْه وحيَّوْه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله، والسَّكينة تغشاه».

بأبي هو وأمي ﷺ.

وقد استغرق الفرح برسول الله حياة أصحابه وتابعيهم بإحسان كل مناحي حياتهم، فكانوا يفرحون به وبأوامره وبآثاره وكل ما له صله بالذات الشريفة، وقد حكت كتب السيرة اقتتال الصحابة على فضل وضوئه، وعلى نخامته ودمه وشعره، وما بشرهم به من قربه في الدار الآخرة، لحديث سيدنا أنس الذي رواه الشيخان وغيرهما أن رجلا سأل النبي ﷺ عن الساعة فقال: «متى الساعة؟ قال: «وما أعددت لها؟» قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله. قال: «أنت مع من أحببت». قال أنس: فما فرحنا بشيء فرَحَنا بقول النبي ﷺ: «أنت مع من أحببت».

هذا هو الفرح النفيس المبرأ من كل دعوى المنهض لطلب القرب والمنزلة عند الله عز وجل.

فرح برسول الله أصحابه وامتدحوه شعرا فاضت في سطوره أشواقهم وهيامهم بالشخص الكريم على الله حتى افتدوه بمهجهم، فصادق الحب يملي صادق الكلم.

رحم الله شوقي في بردته حيث أثنى على الإمام البوصيري بقوله :

مدحه فيك حب صادق وهوى

وصادق الحب يملي صادق الكلم

وقد استوقفتني إشارة لطيفة يقول صاحبها إن شوقي لم يسبقه أحد إلى وصف مولانا رسول الله ﷺ بأمير الأنبياء، فاستحق بذلك أن يلقب بأمير الشعراء لقبا لم يشاركه فيه أحد.

أمير بأمير، وفرح بفرح «من فرح بنا فرحنا به».

صلى الله على مولانا رسول الله ورزقنا فرحا به صادقا محبة فيه تامة كاملة مع العفو والعافية تثمر لنا شوقا واتباعا وتأسيا حتى نلقاه على الحوض يفرح بنا ونفرح به ويسقينا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، تحت جناح مرشدنا وولي نعمتنا رفع الله قدرة وخلد في الصالحين ذكره.

والحمد لله رب العالمين

أضف تعليقك (1 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد