post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

بسم الله الرحمن الرحيم



اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه



قال الله تعالى في محكم التنزيل : ﴿الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾<a href="#_ftn1" id="_ftnref1">[1]</a>. وقال أيضا : &nbsp;﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾<a href="#_ftn2" id="_ftnref2">[2]</a>.



وعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: «كَانَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا النَّبِيُّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ كان مما قَالَ : خَيْرُ الزَّادِ التَّقْوَى، وَرَأْسُ الْحِكَمِ مَخَافَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرُ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ الْيَقِينُ، وَالِارْتِيَابُ مِنَ الْكُفْرِ».



علمنا الإمام المجدد رضي الله عنه، بعد أن ضرب المثل بنفسه، أن من منطلق الإيمان بالله وباليوم الآخر، ومن معقِل اليقين بلقاء الله بعد الموت، ومن حِرصِ المؤمنين والمؤمنات على سلامة آخرتهم، يبدأ العمل والجهاد لإعلاء كلمة الله،&nbsp; وقال رحمه الله : «عندنا الهداية عنوانها الإيمان بالغيب وخاتمها اليقين بالآخرة»<a href="#_ftn3" id="_ftnref3">[3]</a>.



فالإيمان بالغيب واليقين بموعود الله إذن مبتدأ وخبر، ومقدمة للعمل والجهاد لإعلاء كلمة الله عز وجل. &nbsp;



<ol>
<li>الإيمان بالغيب</li>
</ol>



ليس عبثا أن تفتتح أول سورة من المصحف ببيان شرط فهم القرآن ومفتاح تدبره، وهو التقوى والإيمان بالغيب، إذا لم يتوفرا فما تغني التلاوة أو حفظ الحروف. فقد كان سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يخبر عن السابقين الأول من صحابة رسول الله &nbsp;ويقول : «أوتينا الإيمان قبل القرآن».»<a href="#_ftn4" id="_ftnref4">[4]</a> لذلك كانت علاقتهم بالتنزيل تصديقا ينهض للعمل، وإيمانا يصدقه الفعل.



والأيمان بالغيب، بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره إيمان فاعل محرك، ذلك أن حياة قلب المؤمن بحب الله ورسوله وبتصديق وعدهما يرفع الهمة فيرتفع العمل والجهاد ليسامي جهاد السابقين وعملهم.



«أبو الدحداح رضي الله عنه اشترى من رسول الله ﷺ نخلة في الجنة بحائطه كله. هذا رجل عالم عمل بعلمه. وضيف رسول الله المجهود آواه صحابي فقير فتعجب الله من صنعه، يخبر بذلك رسوله. وهذا رجل عالم عامل. وكل الصحابة كانوا علماء بعلم النبوة الذي مصدره غيب وملابسات العمل به متشكلة بالغيب، والجزاء عليه غيب، لكنه غيب كالشهادة وأقوى»<a href="#_ftn5" id="_ftnref5">[5]</a>.



الصحابة رضي الله عنهم أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقوه وتعلموا منه، وكان حبهم إياه على الفطرة، لأنهم رضي الله عنهم اتصلت في حياتهم معاني الغيب بالشهادة. معجزات يرونها رأي العين، وقدوة ماثلة هي اليقين بعينه. يخبرهم بالغيب فيرونه رأي العين. حتى يقول الواحد منهم عندما يسأل هل رأيت، فيجيب: نعم رأيت بعين رسول الله.



وأهل الله وأولياؤه يصدقون كما صدق الصحابة بالملائكة وبما أخبر به الرسول الكريم. ذلك أنهم عاشوا الغيب وآمنوا به كما عاشه الصحابة وآمنوا به، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.



«وإن تفرع علوم الشريعة وتجردها من الغيب والإيمان سبب أصلي في تدهور المسلمين. ولكي يعود الإسلام حياة ويكون العلم عملا لا بد لنا من علم يجمع لنا شتات التخصص المدني الذي أضاع الوراثة النبوية في علم منهاجي معتصم بالقرآن لابث مع القرآن مشتق منه، يرجع لنا كل شتات إلى نصابه ويخطط لنا حياة إيمانية غيبية في وسط الفتنة المعاصرة ويعطينا هذه الحياة»<a href="#_ftn6" id="_ftnref6">[6]</a>.



فالإيمان بالغيب ليس تعمية وتضليلا كما يزعم المرجفون، لكنه هداية وسعة أفق واتصال بالوحي يعضده النظر في كتاب العالم والاستفادة من علوم الأكوان.



<ul>
<li>اليقين</li>
</ul>



واليَقِين: نَقيض الشك، كما العلم نقيضُ الجهل، تقول عَلِمْتُه يَقيناً. &nbsp;وقد أَيْقَنَ يُوقِنُ إيقاناً، فهو مُوقِنٌ، ويَقِنَ يَيْقَن يَقَناً، فهو يَقنٌ. ويقال: “يقن الماء في الحوض” إذا استقر فيه.



عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اليقين الإيمان كله»<a href="#_ftn7" id="_ftnref7">[7]</a>.



واليقين شعبة عظيمة من شعب الإيمان، وصفة من صفات أهل التقوى والإحسان.&nbsp; وأول اليقين يكون بالآخرة وبما فيها من جزاء وعقاب وبما فيها من درجات وقرب أو بعد من جنابه سبحانه ثم بما عند الله.



وقد تربى الصحابة على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقى روحانيتهم حتى أصبحوا وكأن الجنة والنار منهم رأي العين وبلغ إيمانهم اليقين. فأقبلوا على آخرتهم وطلبوا ما عند الله عز وجل لما علموا ما ينتظرهم من نعيم وقرب، وهانت عليهم الدنيا لما علموا أنها غير دار قرار. فحيزت لهم الدنيا وجاءتهم راغمة.



ذاقوا الصحابة حلاوة الإيمان، بصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم &nbsp;وطعِمُوا طعمه، فحصل لهم اليقين. ثم توالت صحبة التابع للمتبوع تدفق هذا النور في القلوب الحية، والجداول النورانية حية لا تزال، تحيي أرض القلوب كما يحيي الغيث أرض الزرع.



وإن ذكر الآخرة هو تحرر من أسْرِ المادة وارتفاع عن سفساف الحياة الدنيا لطلب ما عند الله. فتتحرر طاقات المؤمنين حين تصبح الآخرة عندهم هي حقيقة الحياة، وحين يَكون العمل الصالح هنا في الدنيا هو الزاد المطلوب هناك. فتصلح دنيا الناس ويستقيم معاشهم، استعدادا للقاء الآخرة التي هي دار القرار.



قال الإمام المجدد رحمه الله : «ربطٌ محكم يقيني في عقيدة المؤمنين والمؤمنات، وجهاد المؤمنين والمؤمنات، وعبادة المؤمنين والمؤمنات، بين شؤون الدنيا والآخرة، بين السياسة والدين»<a href="#_ftn8" id="_ftnref8">[8]</a>.



وعلمنا رحمه الله أن مع اليقين صبرا، وأن العمل الصالح يطلب خصلتين: واحدة لتَثْبُتَ الخطى على الطريق بثقة وعزم، والأخرى لئلا يتسـرب اليأس إلى النفوس إن عاقت العوائق وطالت المسافة. الأولى اليقين بموعود الله ورسوله، والثانية هي سنة التدرج.



رضي الله عن الإمام المجدد وقدس سره العزيز، وجعلنا على العهد لا نحيد حتى نلقى الله غير خزايا ولا مفتونين، هو ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وآله والحمد لله رب العالمين.



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="#_ftnref1" id="_ftn1">[1]</a> &nbsp;سورة البقرة، الآيتان 1-2.



<a href="#_ftnref2" id="_ftn2">[2]</a> &nbsp;سورة لقمان، الآيتان 4-5.



<a href="#_ftnref3" id="_ftn3">[3]</a> &nbsp;تنوير المؤمنات، الإمام عبد السلام ياسين، الجزء الأول، ص 69، الطبعة الرابعة، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، 2018.



<a href="#_ftnref4" id="_ftn4">[4]</a> &nbsp;الإسلام غدا، الإمام عبد السلام ياسين، ص 309، الطبعة الرابعة، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2023.



<a href="#_ftnref5" id="_ftn5">[5]</a> &nbsp;الإسلام غدا، الإمام عبد السلام ياسين، ص 165، الطبعة الرابعة، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2023.



<a href="#_ftnref6" id="_ftn6">[6]</a> &nbsp;المصدر نفسه، ص 166.



<a href="#_ftnref7" id="_ftn7">[7]</a> &nbsp;أخرجه الإمام البيهقي في شعب الإيمان.



<a href="#_ftnref8" id="_ftn8">[8]</a> &nbsp;حوار الماضي والمستقبل، الإمام عبد السلام ياسين، ص 279، الطبعة الرابعة، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، 2018.

التزكية والدعوة

الهداية إيمان بالغيب ويقين بالآخرة

أضف تعليقك (1 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الهداية إيمان بالغيب ويقين بالآخرة

نظرات في رسالة تذكير للإمام عبد السلام ياسين

الجرح الفلسطيني

قصيدة الهمزية «أم القرى» للإمام البوصيري رحمه الله

الأدب مع الله عز وجل

كيف ننجمع على الله عز وجل

مقالات ذات صلة