الظلم الواقعُ على عالم المستضعفين لا يزال القاعدة. كلما ازداد الاقتصاد الرأسمالي ازدهارا ازدادت حالة المستضعفين في الأرض سوءا. ازدهارهم كارثة مدمرة لنا ولمن على الأرض، سُكانِها وبيئتِها.
في عنق المستضعفين حبلُ مشنقة تشده أو تُرخيه الهياكل المالية الرأسمالية. المديونية كلمةٌ عنوانٌ في زمن النظام العالمي الجديد على حال المستضعفين.
كان المستضعفون، على عهد التقابل والتضاد بين الشيوعية والرأسمالية، يجدون مُتنفسا بين العملاقين. أمريكا كانت تدعم الطواغيت فتجد الشعوب المقهورة سلاحا ونصيرا استراتيجيا عند الدولة العظمى التقدمية السوفياتية. أما اليوم فالوِفاق بين شرق الجاهلية وغربها وحَّدَ السياسة بما لا يُبْقي متنفسا للمستضعفين.
كان الحِلف الغربي ضدَّ الشيوعية مُحَرِّكَ «الناطو» وعامِلَ التلاحم بين الأغنياء الأقوياء. أما اليومَ فالمحرك في النظام العالمي الجديد هو العِداء للإسلام. الإسلام هو «دولة الشر».
كان الرئيس الأمريكي السابق ريجان منذ بضع سنوات يصف الاتحاد السوفياتي بأنه «دولة الشر». وقد انتهت تلك الدولة إلى السقوط في أحضان عدو الأمس. وبذلك فقدت الحضارة الرأسمالية مِرآة تعكِس لها حقيقتها لترى وجهَ نفسها في عدوٍّ مطلق، في «دولة شر». ولا تجد الحضارة المادية في تاريخ عِدائها للإسلام، ولا في حاضر استعمارها لمنابع النفط، ولا في مستقبل تخوفها من الصحوة الإسلامية «دول شر» أشرَّ من الإسلام.
ليكن هذا ثابتاً عندنا. فالدولة اليهودية القابعة في ديارنا مذكِّرٌ كاف، مذكر حاضر، مذكر مؤلم، مذكر جارح، مذكر قاتل، بمعاني العداء الأبـدي في صدورهم. وصدق الله العزيز العليم قال: ﴿ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾1.
إذا ثبت هذا عندنا، فلنتيقن معه أن اختزال التاريخ وتلخيص موقفنا في شعار «أمريكا الشيطان الأكبر» مُقابِلَ نظرتهم إلينا بعين العائذ من «دول الشر» لن يتقدم بنا خطوة في طريق تحررنا.
لا بد لنا أن نعرف العدُوَّ، ولا بد لنا أن نعرف سبب عدائه، وجذور عدائه، وتكتيك عدوانه. ونكون أغبياء إن لم نستعمل النظام العالمي والحقوقية الدولية لنكسِبَ من خلالها بعض المعارك.
نتأكد أولا من قوتنا الذاتية، وعلاج أمراضنا الذاتية، وتحرير إرادتنا الذاتية. وكل ذلك تعرقله إن قدرَتْ قوى العدوان. علينا أن نجاهد حتى نغلبَهم على أمرنا. وأثناء ذلك وبعده ننزل إلى «ساحة المعارك الأساسية» بنيةٍ اقتحامية وبأهداف تحريرية.
كان نكسون الرئيس الأمريكي السابق يقول عن حقوق الإنسان: «إنها ساحة المعارك الأساسية». ذلك كان شعارَهُ على عهد الحرب الباردة. في العبارة اتهام للسوفيات بما يعترف به السوفيات الآن من أنهم ظلموا العباد.
علينا بعون الله أن ننازل الجاهلية العادية على المستضعفين على أرضيـة هذه «المعارك الأساسية» بالوسائل التي نصَبُوها من قوانين دولية وأعراف وشعارات. إن نازلناهم ونحن جميعٌ صفُّنا، ملتئمةٌ إرادَتُنا، عالٍ قصدُنا، فلن نعدَم من الله تعالى التوفيق. إنه هو العلي القدير.
العدل: الإسلاميون والحكم، ص: 334-335
أضف تعليقك (0 )