تعليم القرآن:
بعد صحبة المؤمنين، بعد لقاء رجال الدعوة والاستئناس بهم ومحبتهم التي تجر إلى الإيمان، يأتي ذكرُ الله عز وجل، فيتمُّ التفاعل بين عامِلَيْ التربية الإيمانية الأساسيين. ويتجدد إيمان العبد الصادق بالإكثار من ذكر لا إله إلا الله حتى يستنير القلب، وتزولَ قساوتُه، ويوقى شُحَّه، فيتأهلُ لتلقي كلام الله عز وجل بالسماع الخاشع والنية التنفيذية. كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول لمُسْلِمَةِ الجيل التابع: «أوتينا الإيمان قبلَ القرآن، وأنتم أوتيتم القرآن قبل الإيمان، فأنتم تنثرونه نثر الدقل». أي ترمونه رمي التمر الحشف اليابس. رواه الحاكم رحمه الله وصححه. واختصرناه.
من يقرأ القرآن بدون استعداد إيماني قلبيِّ فإنه لا يجد إلا كلاما كالكلام. إن كان عربيا قُحّاً أخذته فصاحةُ القرآن المعجزة، وبلاغته وبيانُه. فإن كان من أعجام اللسان والقلب فإنما هو جرْيٌ على سطح الحَرْفِ القرآني. ويَهدي الله من شاء أن يشرَح صدره للإسلام حتى بهذه القراءة. إن الله على كل شيء قدير.
فإذا قرأ المؤمن كتابَ الله عز وجل بالتعظيم اللازم، والتعرُّضِ للرحمة بالإقبال على الله عز وجل تقربا إليه بتلاوة كتابه وتدارُسِه، غَنِمَ مزيدا من الإيمان، ومزيدا من النور. روى أبو داود رحمه الله بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده».
لا حظ الشروط الأربعة:
-1 الاجتماع، وهو صحبة المؤمنين والكينونة معهم.
-2 في بيت من بيوت الله، حُرمة المكان ليتم الاحتفال والاهتبال والتعظيم.
-3 التلاوة، وهو التعبد المحض بترديد كلام الله تعالى.
-4 التدارسُ، وهو إشراك العقل في العملية لننتقل من التعبد بالحرف المقدس إلى تنفيذ الأمر على جَسر التعليم والتعلم والتواصي بالحق والصبر.
إذا استُكمِلَتْ هذه الشروطُ كان فضلُ الله على الجماعة الملْتفين حول كلام ربهم أكرم الجزاء: يذكرهم الله فيمن عنده كما اجتمعوا على كلامه، وتَحُفُّهم الملائكة الطوافون على مجالس الذكر جزاءَ تلاوتهم، وتنـزل عليهم سكينة العلماء جزاءَ تدارسهم، وتغشاهم الرحمة جزاء تعظيمهم.
جاءت الآيات والأحاديث في حث الأمة على التعلق بحبل الله المتين، والتمسك بالحق الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، واتباعِ النور الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وأحاديثُ تحث على تعلُّم القرآن وحفظه. روى الشيخان والترمذي والنسائي رحمهم الله عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الماهر بالقرآن مع السَّفَرَةِ الكرام البَرَرَةِ. والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتعُ فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران».
الماهر، الحاذق العارف، مع الملائكة الكرام. أكرِم بها من معية. والمتتعتع هو المتردد الذي لا يُتقن القراءة، فيجتهد. له أجران، أجرنيته وتعظيمه، وأجرُ اجتهاده.
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي رحمهم الله عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُكم من تعلم القرآن وعلمه».
لكلِّ هذا الفضل الوارد في حق من تعلم القرآن، وقرأه وتلاه، واجتمع عليه، كان أهلُ القرآن هم أهلَ الله وخاصَّتَه كما جاء في الحديث. فمن كان أساسُ بنائه القلبيِّ والفكريِّ كتابَ الله عز وجل خليقٌ أن ينعكس فضلُ القرآن ونورهُ على حياته. ولن تزال هذه الأمة بخير ما اتخذت القرآن عُمدةَ التعليم والتربية وقِوامَهُما. ففي مدارس الصبيان واليافعين والشباب والكبار ينبغي أن تُعاد للقرآن حرمتُه ومكانتُه بحيث يكون صُلْبَ دروس اللغة والفقه والأخلاق والعقيدة. في حلقات الدعوة، في المسجد، في برامج التعليم المدرسي والجامعي. وإنَّ إبعاد القرآن عن المدارس والمعاهد والجامعات، وتقليصَ حصصه، وعدمَ اعتبار حِفظه، وتجويده، وفهمه، في الامتحانات لمحاربة لواحدة من شعائر الإسلام العظمى.
المصدر: الإمام عبد السلام ياسين، إمامة الأمة، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، الطبعة1 السنة 2009، ص: 162 ـ 165 (موسوعة سراج).
أضف تعليقك (0 )