post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

كيف ننجمع على الله عز وجل | 
ماهية الانجماع
<a href="https://wordpress-1153707-4083331.cloudwaysapps.com/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%b9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%8a%d8%a7/">الانجماع</a> مصدر من فعل انجمع، جذره جمع وهو تأليف المتفرق .. واجتمع ضد تفرق، كاجتمع وتجمع واستجمع. وانجمع يفيد المطاوعة، فيحصل الجمع بطواعية وانقياد واستجابة. ورجل جميعٌ: مُجْتَمِعُ الخَلْقِ. وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: كان إِذا مَشَى مشى مُجْتَمِعاً أَي شديد الحركة قويَّ الأَعضاء غير مُسْتَرْخٍ في المَشْي.
قال الشاعر :
 ليْتَ شِعْري، والمُنى لا تَنفعُ                      هل أَغْدُوَنْ يوماً، وأَمْري مُجْمَع؟
والجمع والجماعة هي روح الدين وعماده. فصلاة الجماعة جمع، والجمعة جمع، والعيد جمع، والحج جمع، واجتماع المؤمنين في جماعة منظمة جمع. ثم إن المطاوعة والاستجابة لكل طاعة من هذه الطاعات سبيل للانجماع على الله، بمعنى من المعاني.
إلا أن معنى الانجماع المقصود ، هو من مستوى الإحسان، أعلى مراتب الدين. وهو مطلب ثمين بما هو جمع القلب على الله، وإخلاص الوجهة له، وعدم الالتفات إلى السوى.
وهذا لا يتأتى في زماننا إلا بصحبة وارثة وجماعة مجاهدة، وإن كان من قبلنا من أهل الله راموا ذلك في خلواتهم بعيدا عن هوس الدنيا. لذلك  فالإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله ورضي عنه ، يريد طريقا للجمع والانجماع على منوال  «الانجماع الأول»، انجماع الصحابة رضوان الله عليهم في صحبة خير الأنام صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله في كتاب الإحسان : «لا يمكن أن تولَدَ الشخصية الإيمانية والهوية الإحسانية في فراغ الخلوة وقارورة المختَبَر. من بين فرث المجتمع ودمه يتعين أن تبرُز هذه الهوية من ضَرْع التربية لبناً خالصا»[1].
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عَن يَمينِ الرَّحمنِ وكلتا يدَيْه يمينٌ رجالٌ ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ يغشَى بياضُ وجوهِهم نظَرَ النَّاظرين يغبِطُهم النَّبيُّون والشُّهداءُ بمقعدِهم وقُربِهم من اللهِ عزَّ وجلَّ، قيل يا رسولَ اللهِ: من هم؟ قال: هم جماعٌ من نوازعِ القبائلِ يجتمعون على ذكرِ اللهِ فينتقون أطايِبَ الكلامِ كما ينتقِي آكلُ التَّمرِ أطايبَه»[2].
والانجماع في حق الفرد المؤمن حياة، كما هو للجماعة حياة وهو للأمة كذلك.
يقول ابن القيم رحمه الله : «إنما كان جمع القلب على الله والخواطر على السير إليه حياة حقيقية، لأن القلب لا سعادة له ولا فلاح ولا نعيم، ولا فوز ولا لذة ولا قرة عين إلا بأن يكون الله وحده غايةَ طلبه ونهايةَ قصده، ووجه العلي هو بغيته، فالتفرقة المتضمنة للإعراض عن التوجه إليه، واجتماع القلب عليه هي مرضه إن لم يمت منه»[3].
الجمعية على الله أم الفضائل
فالمؤمن إن تحققت له الجمعية على الله عز وجل، جاءت الفضائل كلها تباعا، لأنها أصل والباقي فروع لأصل. ولا يكون ذلك إلا باتباع سنة سيد المرسلين الذي تفتح محبته باب الدخول على الله رب العالمين.
يقول الإمام المجدد رحمه الله ورضي عنه  : «متى انجمع همي وتوحد، ومتى أصبحت قضيتي مع ربي أم القضايا، عندئذ تأتي القضايا الأخرى في مرتبتها  حيث تخدم الوسائل الغاية»[4].
وفي حق الجماعة المؤمنة يكون الانجماع على الله، بأن يكون لأفرادها حياة قلبية واحدة، على قلب رجل واحد، بفهم واحد وعلم واحد ووجهة واحدة، بما تقتضيه سنة الله في كونه من تغيير وتبدل. ذلك أن «الإسلام الفردي والإيمان والإحسان لا يكون بنفسه جماعة، ولو تجمع آلاف من المحسنين ما كونوا جماعة حتى تربطهم روابط ثلاث هي المحبة والطاعة والنصيحة»[5].
ثم إن الأمة مأمورة بالانجماع على الله، جسدا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. فتتوجه الأمة بكليتها لإعلاء كلمة الله، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ومدافعة للظلم ومحاربة للفساد والاستبداد. وفي هذا حياتها لتكون الأمة الوسط الشاهدة بالقسط.
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[6] قال الإمام رحمه الله شارحا : «إنما يصح الاعتصام لمن انجمع على الله فاجتمعت له الرسالة واحدة، واجتمعت له الأمة واحدة».
ولن يتأتى ذلك إلا بانبعاث من يجدد لهذه الأمة دينها. قال رحمه الله : «فرأينا أن «مَن» المذكورة في الحديث قد تعني شخصا بعينه كما تعني جماعة يتعاونون على إحقاق الحق بعد إبطال الباطل»[7]. نرجو الله جلت عظمته أن يستعملنا فيكون لنا حظ من هذا الـ«مَن» الذي يجدد الله به الدين للأمة.
كيف ننجمع على الله عز وجل
مسيرة تستغرق منا العمر كله، وتبدأ من الاستعداد للقاء الله. أول ما ننجمع عليه هو يوم الميعاد مع الله فرادى وجماعة، ثم تنجمع الأمة من شتات. ثم إن الدعاء لمن أوثق عرى طلب الجمعية على الله، فقد  علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية كثيرة، منها الدعاء الجامع: «اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي ، وتجمع بها شَمْلِي ، وتَلُمُّ بها شَعَثي ، وتَرُدُّ بها أُلْفَتِي وتُصلِحُ بها دِيني ، وتحفظ بها غائبي ، وترفع بها شاهدي ، وتُزَكِّي بها عملي ، وتُبَيِّضُ بها وجهي ، وتلهمني بها رُشْدي ، وتعصمني بها من كل سوء»[8].
ويتوثق ذلك ويقوى إذا كان في صحبة مجالس الإيمان للاستمداد من قلوب المؤمنين، خلوة في جلوة. ورأس الأمر ما  دأبت عليه جماعة العدل والإحسان من رباطات واعتكافات هي فرصة سانحة، ومحطة مواتية لجمع الهم على الله، والرجوع على النفس ومساءلتها.
«الرباط انجماع على الله، أو هو تدريب على الانجماع على الله»، كما عبر الإمام رحمه الله. الرباط مدرسة تربوية يتحقق فيها الجمع والانجماع، تنتشلنا من أودية الغفلة، وتعود بنا إلى أصلنا الذي هو الصحبة والجماعة والذكر والصدق.
نسأل الله جل عظمته أن يوفقنا لكل خير، وأن يمن علينا بفضله وكرمه، هو ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. والحمد لله رب العالمين.
[1]  <a href="https://siraj.net/ar/read?id=1061&amp;page=423">الإحسان، الإمام عبد السلام ياسين، الجزء الثاني، ص 423</a>، الطبعة الثانية، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 2018. [2]  أخرجه الطبراني، وإسناده حسن. [3]  مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، الجزء الثالث، ص269، دار الكتاب العربي، بيروت، 1996. [4]  تنوير المؤمنات، الإمام عبد السلام ياسين، الجزء الأول، ص 7، الطبعة الرابعة، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 2018. [5]  الإسلام غدا، الإمام عبد السلام ياسين، ص 201، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 1973. [6]  سورة آل عمران، الآية 103. [7]  المنهاج النبوي، الإمام عبد السلام ياسين، ص 51، الطبعة الخامسة، دار إقدام للطباعة والنشر، استانبول، 2022. [8]  أخرجه الترمذي والطبراني باختلاف يسير.

كيف ننجمع على الله عز وجل

حريص عليكم..

الحبيب صلى الله عليه وسلم

التزكية والدعوة

كيف ننجمع على الله عز وجل

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

محبة النبي الكريم ﷺ

الهداية إيمان بالغيب ويقين بالآخرة

نظرات في رسالة تذكير للإمام عبد السلام ياسين

الجرح الفلسطيني

قصيدة الهمزية «أم القرى» للإمام البوصيري رحمه الله

الأدب مع الله عز وجل

مقالات ذات صلة