مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

طلب العلم

مختارات شعرية (الجزء الأول)

مختارات شعرية (الجزء الأول)

أصدق كلمة
يذكرون ويتفكرون
قبور واعظة
إلى متى التسويف
كأس المنايا
ألا إن سلعة الله غالية!
أفق! قد دنا الوقتُ
لا تركنن إلى الدنيا
يا قومنا انتبهوا!
عاشِر بمعروف
مناجاة

إلى الإخوة والأخوات في رابطة الكتبة

الدار العامرة- سلا – السبت 19 صفر الخير 1425

رابط تحميل المختارة


أصدق كلمة

ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكل نعيم لا محالة زائل

يذكرون ويتفكرون

فَأَكْثِرْ ذكرَهُ في الأرضِ دأبـًا
لِتُذْكَرَ في السمـاءِ إذا ذُكِرْتـَـا
ونَاجِ إذَا سَجدتَ لَهُ اعتِــرافًا
بِمَا نَاداهُ ذُو النـونِ بنُ متَّـى
تفُتُّ فـؤادَك الأيــامُ فتّــًا
وتَنْحِتُ جِسمَكَ السَّاعات نَحْتـَا
وتدْعُوكَ المنونُ دعاءَ صـدقٍ
ألا يَا صَـاحِ أنْتَ أرِيدُ أنـتَـا
فلا تَقُلِ الصِّـبَا فيه مَجَــالٌ
وفكِّرْ كَمْ صـبيٍّ قد دَفَنْــتـَا
إذا ما لم يُفِــدْك الذكرُ شيئًا
فليــتَك ثمَّ ليتَك ما ذَكَـرتــا
إذا مَا لَمْ يُفِـدْك العــلمُ شيئًا
فليتَـكَ ثمَّ ليتـَك ما عَلِمْـتَــا
وإنْ ألقـَاكَ فهـمُكَ في مَغَاوٍ
فليتـكَ ثمَّ ليتَكَ ما فَهــمْتــا

حسبك الله

يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنْفَرِجٌ
أَبْشِرْ بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ
اليأسُ يَقْطَعُ أحيانًا بصاحِبِهِ
لا تَيْأسَنَّ فإنَّ الكافيَ اللهُ
اللهُ يُحْدِثُ بعدَ العُسرِ مَيْسَرَةً
لا تَجْزَعَنَّ فإنَّ القاسمَ اللهُ
إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ، وارْضَ بهِ
إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ
واللهِ مَا لَكَ غيرُ اللهِ مِن أحدٍ
فحَسْبُك اللهُ في كلٍّ لكَ اللهُ

أشرق الهدى

القَولُ فيكَ مُعَطَّرُ الكَلماتِ
يا صاحِبَ الأَخلاقِ وَالآياتِ
أَيّامُ مَولِدِكَ المُضيءِ مُضيئَة
في كُلّ ماضٍ في الزَّمانِ وآتِ
تَتَعاقَبُ الأَيّامُ في دَوَرانِها
وَترد كُلّ جَديدَة لِمماتِ
وَضِياكَ يَسْطَعُ كُلَّ يومٍ نورُهُ
وَيَزيدُ في التَّعطيرِ وَالنَّفحاتِ
الحَقُّ أَنتَ وَأنتَ إِشراقُ الهُدى
وَلَكَ الكِتابُ الخالِدُ الصَّفَحاتِ
مَن يَقصِد الدّنيا بِغَيركَ يَلقَها
تَيْهاً مِنَ الأَهوالِ وَالحَسَراتِ

طلع الصباح

الله أكبر إن دينَ محمدٍ
وكتابه أقوى وأقوم قيلا
لاتذكروا الكتب السوالف عنده
طلع الصباح فأطفئوا القنديلا

زكت الرُّبى

قدْ كانَ هذا الكونُ قبلَ وُصولِهِ
شُؤْمًا لظالِمِهِ وللمظلومِ
لمَّا أَطَلَّ محمدٌ زَكَتِ الرُّبى
واخضرَّ في البُسْتانِ كلُّ هشيمِ

يا لائمي

وأنا المحب ومهجتي لا تنثني
عن وَجدها وهيامها بمحمد
قد لامني فيه الجهول ولو درى
معنى الهُيام به لكان مساعدي

قبور واعظة

وجد على قبر مكتوبا:

يا أيها الناس كان لي أمــلُ
قصر بي عن بلـوغِه الأجلُ
فليتـق الله ربــه رجــل
أمكنه في حيـاته العمــلُ
ما أنا وحدي نقلت حيث ترى
كل إلى مثقلــه سينتقــل

فهذه أبيات كتبت على قبور لتقصير سكانها عن الاعتبار قبل الموت. والبصير هو الذي ينظر:

تروعُنَا الجَنَائِزُ مُقْبِلاتٍ
وَنَلْهُو حِينَ تَذْهَبُ مُدْبِرَاتٍ

ووُجِدَ على قبر طبيب مكتوبا:

قد قلت: لما قال لي قائل:
صار لقمان إلى رَمسِـه
فأين ما يوصف من طبه
وحِذقه في الماء مع جسه
هيهات لا يدفع عن غيره
من كان لا يدفع عن نفسه

وَوُجِدَ على قبر مكتوبا:

إِنَّ الْحَبِيبَ مِن الأَحْبَابِ مُخْتَلَسُ
لا يَمْنَعُ الْمَوْتَ بَوَّابٌ وَلا حَرَسُ
فَكَيْفَ تَفْرَحُ بِالدُّنْيَا وَلَذَّتِهَا
يَا مَنْ يُعَدُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالنَّفْسُ
أَصْبَحْتَ يَا غَافِلاً فِي النُّقْصِ مُنْغَمِسًا
وَأَنْتَ دَهْرَكَ فِي اللَّذَاتِ مُنْغَمِسُ
لا يَرْحَمُ الْمَوْتُ ذَا جَهْلٍ لِغَرَّتِهِ
وَلا الَّذِي كَانَ مِنْهُ الْعِلْمُ يُقْتَبَسُ
كَمْ أَخْرَسَ الْمَوْتُ فِي قَبْرٍ وَقَفْتُ بِهِ
عَنِ الْجَوَابِ لِسَانَا مَا بِهِ خَرْسُ
قَدْ كَانَ قَصْرُكَ مَعْمُورُ لَهُ شَرَفُ
وَقَبْرُكَ اليوم فِي الأَجْدَاثِ مُنْدَرِسُ

ووُجِدَ على قبر آخر مكتوبا:

وقفت على الْأَحِبَّة حِين صفت
قُبُورهم كأفراس الرِّهَان
فَلَمَّا أَن بَكَيْت وفاض دمعي
رَأَتْ عَيْنَايَ بَينهم مَكَان

ووُجِدَ مكتوبا على قبر:

تناجيك أجداث وَهن سكُوت
وسكانها تَحت التُّرَاب خفوت
أيا جَامع الدُّنْيَا لغير بلاغه
لمن تجمع الدُّنْيَا وَأَنت تَمُوت

وَوُجِدَ على قبر مكتوباً:

يمر أقاربي جنبات قبري
كأن أقاربي لم يعرفوني
ذوو الميراث يقتسمون مالي
وما يألون أن جحدوا ديوني
وقد أخذوا سهامهم وعاشوا
فيالله أسرع ما نسوني

وقال آخر:

قِفْ بالقُبُورِ وَقُلْ عَلَى سَاحَاتِهَا
مَنْ مِنكُمُ المَغْمُورُ في ظُلُمَاتِهَا
وَمَنِ المُكَرَّمُ مِنكمُ في قَعْرِهَا
قَدْ ذَاقَ بَرْدَ الأَمْنِ مِن رَوعَاتِهَا
أَمَّا السُكُونُ لِذِي العُيُونِ فَوَاحِدٌ
لاَ يَسْتَبِينُ الفَضْلُ في دَرَجَاتِهَا
لَو جَاوَبُوكَ لأَخْبَرُوكَ بِأَلْسُنٍ
تَصِفُ الحَقَائِقَ بَعْدُ مِن حَالاَتِهَا
أَمَّا المُطِيعُ فَنَازِلٌ في رَوضَةٍ
يُفْضِي إِلى مَا شَاءَ مِن دَوحَاتِهَا

وقال آخر:

سألت رسوم القبر عمن ثوى به
لا علم ما لاقى فقالت جوانبه
أتسأل عمن عاش بعد وفاته
بمعروفه اخوانه وأقاربه

قال مالك بن دينار رحمه الله، مررت بالمقبرة فأنشأتُ أقولُ:

أتيتُ القـبورَ فناديتُها
أينَ المعظَّـم والمُحْتَقَـرْ
وأين المدِلُّ بسُلْطـانِهِ
وأين المزكَّى إذَا ما افْتَخَرْ

قال: فنوديت من بينها أسمع صوتا ولا أرى شخصا وهو يقول:

تَفانَوا جميعـاً فما مُخبـرٌ
وماتوا جميعاً وماتَ الخَبَـرْ
وَصَاروا إلى مَالِكٍ قَاهـرٍ
عَزِيزٍ مُطَـاعٍ إذا مَا أَمَـرْ
تروحُ وتغدو بناتُ الثَّرى
فَتَمْحُوا محاسنَ تلك الصُّوَرْ

نداء الموتى

يا عسكر الأحياء، هذا عسكر الموتى أجابوا الدعوة الصغرى، وهم منتظرو الكبرى يحثون على الزاد، وما زاد سوى التقوى، يقولون لكم جِدُّوا فهذا آخر الدنيا:

يا ابن سبعين وعشر وثمانٍ كاملاتِ

غرضا للموت مشغولا بخُذْ مني وهاتِ

ويك لا تعلم ما تلــقى به بعد المماتِ

من صغار موبقاتٍ وكبار مهلكات

يا ابن من قد مات من آبائه والأمهاتِ

هل ترى من خالد من ذي طغاة وعتاةِ

إن من يبتاع بالديــنِ خسيسات الحياةِ

لغبي الرأي محفوفٌ بطول الحسرات

طريق النجاة

قال الرشيد لأُبَي: عظني، فقال له: أخافُكَ. فقال له: أنت آمِنٌ. فأنشده:

لا تَأُمَنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَسٍ
إذَا تَسَتَّرْتَ بِالأبواب والحَرَسِ
وَاعْلَمْ بأنّ سِهامَ الموت قاصدةٌ
لكلِّ مُدَّرعٍ منّا ومُتَّرِسِ
تَرجو النجاةَ ولم تَسْلُكْ طَرِيقَتها
إنّ السفينةَ لا تَجْرِي على اليَبسِ

قال: فبكى الرشيد حتى بلَّ كُمهُ.

إلى متى التسويف

مسني الضر من ركوب ذنوبٍ
أثقلتني بالوزر والآثام
كم زمانٍ معظم فيه ترجى
توبة من ركوب ذنب حرام
ثم يمضي يومي وشهري وعامي
وسِقامي كما عَهِدت سِقامي
خادم الله لا يمل من الخدْ
مَة حتى يسقى بكأس الحِمام

وقال آخر:

حَتى مَتى تَسقي النفوسَ بِكأسِها
رَيبُ المنون وأنتَ لاهٍ تَرتعُ
أَفَقَد رَضيتَ بِأن تُعَلَّلَ بِالمُنى
وَإلى الَمنِيّة كُلّ يومٍ تُدْفعُ
أحلامُ نَومٍ أَو كَظِلٍّ زائلٍ
إِن اللَّبيبَ بِمثلها لا يُخدَعُ
فَتَزَوَّدَن لِيومِ فَقرِك دَائباً
وَاجمَع لِنَفسِكَ لا لِغيرِكَ تَجمَعُ

كل من عليها فان

  قال الإمام الشافعي رحمه الله:

تَمَنّى رِجالٌ أَن أَموتَ وَإِن أَمُت
فَتِلكَ سَبيلٌ لَستُ فيها بِأَوحَدِ
فَقُل لِلَّذي يَبقى خِلافَ الّذي مَضى
تَهَيّأ لِأخرى مِثلها فَكَأَنْ قَدِ
وَما مَوتُ مَن قَد ماتَ قَبلي بِضائِري
وَلا عَيشُ مَن قَد عاشَ بَعدي
لَعَلَّ الَّذي يَرجو فَنائي وَيَدَّعي
بِهِ قَبلَ مَوتي أَن يَكونَ هُوَ الرَدي

لا خير في لذة…

تَفْنَى اللَّذَائِذُ يا من نال شَهوَتَهُ
مِنَ المَعَاصِي ويَبْقَى الإثمُ والعارُ
تَبْقَى عواقبُ سوءٍ لا انْفِكَاكَ لَهَا
لا خيرَ في لذَّةٍ مَنْ بعدِهَا النَّارُ

هلم التوبة

إذا كنت يا عاصِي على النَّار لا تَقْوَى
فَبَادِرْ إلى التوبةِ واستعملِ الْقُوَى
ونُحْ أَسَفًا من أَجْلِ ذنبك دَائِما
فما في غدٍ يُغْنِي نُوَاحٌ ولا شَكْوَى

* * *

كريم إذا يممت بالصدق بابه
فإنك لا تلقى على الباب حاجبا
وإن كنت ذا ذنب فتب منه واعتذر
كأنك لم تذنب إذا جئت تائبا

أرشدك الله من غاز

عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: تجهز الناس ثم تهيأوا للخروج (إلى مؤتة) وهم ثلاثة آلاف، فلما حضرهم خروجهم ودّع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلّموا عليهم. فلما ودّع عبد الله بن رواحة رضي الله عنه بكى. فقيل له: ما يُبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حبُّ الدنيا، ولا صبابةٌ بكم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار “وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا” فلست أدري كيف لي بالصدَر بعد الورود. فقال المسلِّمون: صحبكم الله ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين.

فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:

لكنني أسأل الرحمن مغفرةً
وضربةً ذات فَرْغٍ[1] تَقْذِفُ الزَّبَدَا
أو طَعْنَةً بيدِ حَرّانَ مجهَّزَةٍ
بحربة تنفُذُ الأحشاءَ والكبِدا
حتى يقولوا إذا مرُّوا على جدثي
أَرْشَدَكَ الله من غازٍ وقد رشَدَا

حياة القلوب

قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:

رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذلَّ إدمانهُا
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسِك عصيانُها
وهل أفسدَ الدينَ إلا الملوكُ
وأحبارُ سوءٍ ورُهْبَانُهَا

دم على السير

لو أدمتم عما سواه الصياما
وأطلتم جنح الظلام القياما
وأقمتم في الصلاة له فطورا
ركعا سجدا وطورا قياما
لوجدتم لذاذة لم يذقها
مستلذ إلا الملوك الكراما
حُم على ما حاموا عليه عسى
تكتب ممن على المكارم حاما
دم على السير مُدْنِفاً وصحيحا
لم يصل غير من على السير داما
قم على الباب خاضعا وذليلا
لم يلج غير من على الباب راما

كأس المنايا

ما رَغْبَةُ النفسِ فـي الـحياة، وإِن
تَـحْيا قلـيلاً فالـموتُ لاحِقُها
يُوشك مَن فَرّ مِنْ مَنِـيَّته
فـي بعضِ غِرّاته يُوافِقُها
مَن لـم يَمُتْ عَبْطَةً يمت هَرَماً
للـموت كأْس، والـمرءُ ذائقُها

* * *

ومتعبِ العيش مرتاحٍ إلى بلد
والموتُ يطلبه في ذلك البلَدِ
وماشٍ والمنايا فوق هامته
لو كان يعلم غيبا مات من كَمَدِ
آمالُه فوق ظهر النجم شامخةٌ
والموت من بين رجليه على رصَدِ
من كان لم يُعطَ علما في حياة غدٍ
فما تفكرُّه في رزق بعد غدِ

عزم الرجال

إِذَا كُنْتَ ذا رأيٍ فكنْ ذا عزيمــةٍ؟
فإنَّ فســادَ الرأيِ أَنْ تَتَــردَّدَا؟
إذَا كنتَ ذا عزم فأَنْفِذْه عاجـــلا
فإنَّ فســاد العـزمِ أن يَتَقيَّـدا؟

* * *

أين النفوسُ ترامى غير هائبةٍ
أين العزائمُ تَمْضي ما بها خَوَرُ؟

نافخ الكير

احذر الأحمق أن تصحبهْ
إنَّما الأحمق كالثوب الخَلَقْ
كلما رقعته من جانبٍ
زَعْزَعَتْه الريح يومًا فانْخَرَقْ
أو كصَدْعٍ في زجاج فاحشٍ
هل ترى صدع زجاجٍ يَرْتتقْ؟

من يصلح الملح…؟

أيُّها العــــالمُ إيَّاك الزَّللْ
واحْذرِ الهَفْوةَ فالخَطْبُ جَللْ
هفْوةُ العـــالمِ مُسْتَعْظَمةٌ
إنْ هَفَا أصبح في الخَلْق مثَلْ
إن تكن عندك مستحقــرةً
فَهْي عـند اللهِ والنَّاسِ جَبَلْ
أنت مِلْحُ الأرضِ ما يصلحهُ
إن بَـدَا فـيه فسـادٌ وخَلَلْ؟

أساس البناء

العـلمُ بالحقِ والإيمان يَصْحَبه
أسَاسُ دينك فابْنِ الدينَ مُكْتَمِلاَ
لا تَبْنِ إلا إذا أسَّست راسخةً
من القواعدِ واستَكْمَلْتها عملاَ
لا يُرْفَع السقف ما لم يُبْنَ حامِله
ولا بِنَـاء لمن لـم يُرْسِ ما حَمَـلاَ

اشتدِّي أزمةُ تنفرجي!

لا يُفْزِعنَّك هَوْلُ خَطْبٍ دامسٍ
فلعـل في طيَّاته ما يُسعدُ
لو لم يَمُدَّ الليلُ جُنْحَ ظلامِه
في الخَافقـين ما أضاءَ الفَرْقـدُ

أعظم نسبة

ومن لا يُرَبِّيه الرسولُ ويسقهِ
لِبانًا له قَد دَرَّ مِن ثَدْي وَحْيِهِ
فذاك لقـيـطٌ ما له نِسْــبَةٌ لهُ
ولا يَتعدى طَوْر أبناءِ جِنسهِ

ادفع بالتي هي أحسن

لما عفوت ولم أحقد على أحد
أرحت نفسي من هم العداواتِ
إني أحَيِّي عدوي عند رؤيته
لأدفع الشر عني بالتحياتِ
وأُظهر البشر للإنسان أُبغضه
كأنه قد ملا قلبي محباتِ

ألا إن سلعة الله غالية!  

يَا سِلعةَ الرَّحمنِ لَستِ رَخيصَةً
بَل أنتِ غَاليةٌ عَلَى الكَسلانِ
يَا سِلعَةَ الرَّحمنِ ليسَ يَنالُهَا
فِي الألفِ إلا وَاحِدٌ لا اثْنَانِ
يَا سِلعةَ الرَّحمنِ أينَ المُشترِي؟
فَلقد عُرضتِ بأيسرِ الأَثمَانِ
يَا سِلعَةَ الرَّحمنِ هَل مِن خَاطِبٍ؟
فَالمَهرُ قَبل المَوتِ ذُو إِمكَانِ
يَا سِلعةَ الرَّحمنِ لَولا أنَّهَا
حُجِبَت بِكلِّ مَكَارِهِ الإنسَانِ
مَا كَان عَنهَا قَطُّ مِن مُتخلِّفٍ
وتَعطَّلتْ دَارُ الجَزاءِ الثَّانِي
لكنَّها حُجِبتْ بكلِّ كَريهَةٍ
لِيُصدَّ عَنهَا المُبطِلُ المُتَوَانِي
وتَنَالها الهِمَمُ التي تَسمُو إلى
رَبِّ العُلا بمشِيئةِ الرَّحمنِ
فَاتْعَبْ لِيومِ مَعَادِكَ الأَدنَى تَجِدْ
رَاحَاتِهِ يَومَ المَعادِ الثَّانِي

* * *

ومَن يَتَهيَّب صُعُـودَ الجِبَـال
يَعِشْ أَبَـد الدَّهــرِ بين الحُفَرْ

أفق! قد دنا الوقتُ

فللَّه ما فِي حشْوِهَا من مَسرةٍ
وأصنافُ لذَّاتٍ بها يُتَنَعَّمُ
وللهِ درب العَيشِ بيْنَ خِيامِها
وَرَوْضَاتِها والثَّغْرُ فِي الرَّوض يبسِمُ
وللهِ واديهَا الَّذِي هُوَ موعدٌ الْـ
مَزِيد لِوَقْتِ الحب لو كنتَ منهُمُ
ولله أفْرَاحُ المحبِّينَ عندمَا
يُخاطِبُهُمْ مَولاهُمُ ويُسلِّمُ
فأقْدِمْ ولا تقنعْ بعيشٍ مُنغَّصٍ
فَمَا واتَتِ اللّذاتُ مَن ليس يُقْدِمُ
وإن ضاقتْ الدنيَا عليكَ بأسرِها
ولَمْ يكن فيها مَنزِلٌ لك يُعْلَمُ
فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنَّها
منازلُنَا الأُولَى وفيها المخيمُ
وحي على روضاتها وخيامها
وحي على عيش بها ليس يُسأمُ
أيا ساهيا في غمرة الجهل والهوى
صريع الأماني عما قليل ستندمُ
أفق قد دنا الوقت الذي ليس بعده
سوى جَنةٍ أو حرِّ نارٍ تَبَرَّمُ

قال أبو سعيد سابق البربري مولى سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمهما الله.

وللموت تَغْذُو الوالدات سِخالَها[2]
كما لخراب الدهر تُبنى المنازلُ

وله:

يخادع ريبَ الدهر عن نفسه الفتى
سَفَاها وريبُ الدهر عنها يخادعه
ويطمع في سوف ويهلك دونها
وكم من حريص أهلكته مطامعه

وله:

يا نفس كل قابر مقبورُ
ويَهْلِك الزائر والمزور
ويقبض العارية المُعِيرُ
ليس على صرف الدَّوا عُمور
كم من غنيٍّ مكثرٍ فقيرُ
والصدق بر والتقى نظيرُ
والبر معروف به المبرورُ
وذو الهوى يسوقه المقدورُ

قال عثمان بن عبد الحميد: دخل سابق البربري على عمر بن عبد العزيز رحمهم الله، فقال له: عظني يا سابق وأوجز! قال: نعم يا أمير المؤمنين وأبلغ إن شاء الله. قال: هات! فأنشده:

إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التُّقى
ووافيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون شركته
وأرصدت قبل الموت ما كان أرصدا

فبكى عمر حتى سقط مغشيا عليه.

وله في رسالة شعرية لسيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله:

بسم الذي أنزلت من عنده السورُ
والحمد لله أما بعد يا عمرُ
إن كنت تعلم ما تأتي وما تذرُ
فكن على حذر قد ينفع الحذرُ
واصبر على القدر المحتوم وارض به
وإن أتاك بما لا تشتهي القدر

وله:

فما صفا لامرئ عيش يُسَرُّ بهِ
إِلا سيتبع يوما صفوَهُ الكدرُ

وله:

ألا ربما صار البغيضُ النقيض مصافيا
وحال عن العهد الصديق المثافن[3]
ألم تر أن الحلم زين مُسوِّدٌ
لصاحبه والجهل للمرء شائنُ
ومن لم يزل يوما مع الجهل مُذعنا
يَقُدْه إلى حَيْنٍ[4] وذو الجهل حائنُ

وله:  

إن كنت متخذا خليلا
فتنق وانتقد الخليلا
وعليك نفسَك فارعها
واكسب لها عملا جميلا
ومن استخف بنفسه
زرعت له قالا وقيلا
وأقل ما تجد اللئيـ
ـم عليك إلا مستطيلا
والمرء إن عرف الجميلا
وجدته يأتي الجميلا
ولربما سئل البخيـ
ـلُ الشيء لا يَسْوَى الفتيلا
فيقول لا أجد السبيـ
ـل إليه يكره أن يُنِيلا
فكذاك لا جعل الإلـ
ـهُ لهُ إلى خير سبيلا
يا مُبْتَنِي الدار الذي
هو مسرع عنها الرحيلاَ
إنْ لم تُنِل خيرا أخا
ك فكن له عبدا ذليلا
وتجنب الشهوات وَاحْـ
ـذر أن تكون لها قتيلا
فلرب شهوةِ ساعةٍ
قد أورثت حُزْنا طويلا

وله:

العلم زين وتشريف لصاحبهِ
فاطلب هديتَ فنون العلم والأدبَا
يا جامع العلم نعم الذُّخْرُ تجمعهُ
لا تعدلنَّ به دُرا ولا ذهبَا
قد يَجْمع المرء مالا ثم يُتلفهُ
عما قريبٍ فَيَلْقَى الذلَّ والحْرَبَا
وجامع العلم مغبوط به بَهج
ما إن يُحَاذِرُ فَوْتًا لاَ ولاَسَلَبا

وهل ينفع الندم؟

يا خِلُّ إنك إن تُوَسِّدْ ليِّناً
وُسِّدْت بَعْدَ اليوم صُمَّ الْجَنْدَلِ[5]
فامهدْ لنفسك صالحا تسعدْ به
فَلَتندمنَّ غداً إِذا لم تَفْعلِ

ما الفضل إلا لأهل العلم

ذكر الإمام القرطبي رحمه الله شعرا ينسب للإمام علي كرم الله وجهه:

الناس من جهة التمثيل أكفاءُ
أبوهم آدم وأمهم حواءُ
نفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مُشاكِلةٌ
وأعظُمٌ خُلقت فيهم وأعضاءُ
فإن يكن لَهُمُ من أصلهم حَسَبٌ
يفاخرون به فالطِّينُ والماءُ
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهمُ
على الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وَقَدْر كلِّ امرئ ما كان يُحسِنهُ
وللرجالِ على الأفعالِ سيماءُ
وضِد كلِّ امرئ ما كان يجهلهُ
والجاهلون لأهل العلم أعداءُ

الشجرة المباركة

فبات يُرَوِّي أصولَ الْفَسِيل[6]
فعاش الفسيلُ وَمَات الرجل

وحشة القبر

قال محمد بن هرون:

كأني بإخواني على جَنبِ حُفرتي
يَهيلُون[7] فوقي والعيون دما تجري
فيَا أيها المُذْري عليَّ دموعَهُ
ستُعْرِضُ في يومين عني وعن ذكري
عفا الله عني أنزلُ القبرَ ثاويا
أُزَارُ فلا أدري وأُجْفَى فلا أدري

الحلم والصدق

وقال زهير:

وفي الحلم إِدْهانٌ[8] وفي العفو دُرْبةٌ
وفي الصدق مَنْجَاةٌ من الشر فاصدقِ

رثاء واعتبار

قال أبو العتاهية رحمه الله:

أخ طالما سرّني ذكرُه
فقد صرتُ أَشْجَى لدى ذِكْرِهِ
وقد كنت أعدو إلى قصره
فقد صرت أغدُو إلى قبرِهِ
وكنت أُرَانِي غنيا به
عن الناس لو مُدَّ في عمْرِهِ
فصار علِيٌّ إلى ربه
وكان عليٌّ فَتَى دهرِهِ
أتته المَنِيَّةُ مغتالةً
رويدا تَخَلَّلُ من سِتْرِهِ
فلم تغن أجناده[9] حوله
ولا المسرعون إلى نصرِهِ
وأصبح يغدو إلى منزل
سحيق تُؤُنِّقَ[10] في حفرِهِ
تُغَلَّقُ بالتُّرب أبوابه
إلى يوم يؤذن في حشرِهِ
وخلَّى القصورَ التي شَادَها
وحلَّ من القبرِ في قَعْرِهِ
وبُدِّل بالبُسْط فَرْشَ الثَّرى
وريحُ ثَرَى الأرضِ من عطرِهِ

لا تركنن إلى الدنيا

أموالنا لِذَوِي الميراث نجمعها
وَدُورنا لخراب الدهر نبنيها
والنفس تبكي على الدنيا وقد علمت
أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دارَ للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنُه
وإن بناها بشرٍّ خاب بانيها
أين الملوك التي كانت مسلطة
حتى سقاها بكأْسِ الموت ساقيها
كمْ مِنْ مدائنَ في الآفاق قد بنيت
أمست خرابا وأفنى الموتُ أَهْلِيها
إن المكارم أخلاق منزهة
الدين أولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها
والجود خامسها والفضل سادسها
والبر سابعها والشكر ثامنها
والصبر تاسعها واللين باقيها
لا تركنَنَّ إلى الدنيا وما فيها
فالموت لا شك يُفنِينا ويُفنيها
واعمل لدار غدا رِضوانُ خَازنها
والجار أحمدُ والرحمان نَاشِيهَا
قصورها ذهب والمسك طينتها
والزَّعفرانُ حشيش نَابتٌ فيها
فلا الإقامة تنجي النفس من تلف
ولا الفرار من الأحداث ينجيها
وكل نفس لها زور يُصَبِّحُهَا
من المنية يوما أو يمسيها
وللنفوس وإن كانت على وجل
من المنية آمال تقويها
والمرء يبسطها والدهر يقبضها
والنفس تنشرها والموت يطويها

مثلكم غدا نكون

ساكني الأجداث[11] أنتم
مثلنا بالأمس كنتمْ
ليت شعري ما صنعتمْ
أربحتم أم خسرتمْ

أبصرت قبري

كل ميت رأته عيني فإني
ذلك الميت إن نظرت بقلبي
وجميع القبور قبري لولا
جهل نفسي بما لها عند ربي

وهل دائما تطيش السهام؟

كم ذا تَطِيشُ سهامُ الموت مخطئةً
عني وتُصْمِي أخِلاَّئي وَأَخْداني[12]
ولو فطِنْت وقد أرْدَى الزمانُ أخي
علمتُ أنَّ الذي أصْمَاه أصْمَاني
سودٌ وبيضٌ من الأيام لَوْنهما
لا يستحيل وقد بَدَّلْتُ ألواني
هيهات حُكِّمَ فينا أَزْلَمٌ[13] جَذَعٌ
يُفْنِي الْوَرَى بين جُذْعانٍ وقُرْحان

ويبقى وجه ربك ذو الجلال

تَأَمَّلْ في الوجود بعين فكر
تَرَ الدَّنِيَّةَ كالخيالِ
فَكلُّ الكائنات غداً ستفْنَى
ويبقى وجهُ ربك ذُو الجلالِ

فهل من مدّكر؟

ولي في فَناء الخلق أكبَر عِبرةٍ
لمن كان في بحرِ الحقيقةِ راقِ
شُخُوصٌ وأشكال تمر وتنقضي
فتفنى جميعا والمهَيمنُ باقِ

استغنِ بالله

لا تَخضعنَّ لمخلوق على طمع
فإن ذلك نقصٌ منك في الدين
لن يملك العبد أن يُعطِيكَ خَرْدَلة
إلا بإذن الذي سَوَّاك من طين
فلا تصاحب غنيا تستعين به
وكن عفيفا وعَظِّمْ حُرمة الدين
واسترزق الله مما في خزائنه
فإن رزقك بين الكاف والنون
واستغن بالله عن دنيا الملوك
ما استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

قريب مجيب سبحانه

وإذا رُميتَ من الزمان بشدة
وأصابك الأمر الأشق الأصعب
فاضرع لربك إنه أدنى لمن
يدعوه من حبل الوريد وأقرب

الله يرانا

إذا خلوتَ الدهرَ يوما فلا تقل
خلوتُ ولكن قل: عليَّ رقيبُ
ولا تحسِبنَّ الله يغفُل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيب

* * *

الله يدري كل ما تضمرُ
يعلم ما تخفي وما تظهرُ
وإن خدعت الناس لم تستطعْ
خداع من يطوي ومن يَنشُرُ

هل أنا حقا مبصر؟

يا غاديا في غفلة ورائحا
إلى متى تستحسن القبائحا؟
يا عجبا منك وأنت مبصر
كيف تَنَكّبت الطريق الواضحا؟

يا نفس! يا نفس!

يا نفس توبي فإنَّ الموت قد حانا
واعصي الهوى فالهوى قد كان فتانا
في كل يوم لنا ميْت نشيعه
نحيي بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أتركها
خلفي وأخرج من دنيايَ عُرْيانا

* * *

يا نفس قد قصرت ما قد كفى
تيقظي قد قَرُب الوقتُ
جدي عسى أن تدركي ما مضى
قد سبق الناس وخُلِّفْتُ
أنا الذي قد قلت دهرا: غدا
أتوب من ذنبي فما تبتُ
واحسرتي يوم حسابي إذا
وقفت للعرض وحوسبتُ
واخجلتي إن قيل لي قد مضى
وقتك تفريطا وَوُبِّخْتُ
ولي كتاب ناطق بالذي
قد كنت في دنياي قدَّمتُ
وقد تحيرت ولا عذر لي
إن قلت إني قد تحيرتُ

* * *

وما النفس إلا حيث يجعـلها الفتى
فإن أُطمعت سـاقت وإلا تسلَّتِ

الظلم ظلمات…

لا تظلمن إذا كنت مقتدراً
فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ
يدعو عليك وعينُ الله لم تنمِ

كلامهم شفاء

كَرِّرْ عليَّ كلامهم يَا حادِي
فكلامهم فيه الشفا لفؤادِي
كَرِّرْ عليّ كلامهم فلربما
لان الحديد بطرقة الحدَّادِ

سلام على المرسلين

أبيات ذكرها الشيخ البيجوري في شرحه على الجوهرة:

حتمٌ على كل ذي التكليف معرفةٌ
بأنبياءٍ على التفصيل قد عُلِموا
في تلك حجتنا[14] منهم ثمانيةٌ
من بعد عشر ويبقى سبعة وهمُ
إدريسُ هودٌ شعيبٌ صالحٌ وكذا
ذو الكفل آدمٌ بالْمختار قَدْ خُتِموا

يظلمني وأرحمه

إني وهبت لظالمي ظلمي
وغفرت ذاك له على عِلْمِي
ورأيته أسدى إليّ يدا
أبان بِجَهْله حِلْمِي
ما زال يظلمني وأرحمه
حتى رَثَيْتُ له من الظلمِ

الحِلمُ شفاء

كم من سفيه غاظني سفها
فشفيت نفسي منه بالحِلم
وكفيت نفسي ظلم عاديتي
ومنحت صفو مودتي سَلْمي
ولقد رُزقت لظَالمي غِلَظا
ورَحِمتُه إذ لَجَّ في ظُلْمي

أَعْظِمْ به من زاد!

فحسبي من الدنيا كفاف يقيمني
وأثواب كتان أزور بها قبري
وحبي ذوي قربى النبي محمد
فما سؤلنا إلا المودة من أجر

وما تدري نفس بأي أرض تموت

ليت شعري فإنني لست أدري
أي يوم يكون آخر عمري
وبأي البلاد يقبض روحي
وبأي البقاع يحفر قبري

آيات لأولي الألباب

تأمل في نبات الأرض وانظر
إلى آثار ما صنع المليكُ
عيون من لُجينٍ[15] شاخصاتٌ
على أطرافها الذهب السَّبِيكُ[16]
على قُضُب الزبرجد[17] شاهدات
بأن الله ليس له شريكُ

ربنا ما خلقت هذا باطِلا

سَلِ الْواحة الخضراء والماءَ جاريا
وهذي الصحاري والجبالَ الرواسيا
سَلِ الروض بستانا سل الزهْر والنَّدى
سل الليل والإصباح والطير شاديا
وَسَلْ هذه الأنسام والأرض والسما
وسلْ كلَّ شَيْءٍ تسْمعُ الْحمد تاليا
فلوجنَّ هذا الليل وامتد سرمداً
فمن غير ربي يُرجع الصبحَ ثانيا
ولو غاض[18] هذا الماء في القاع ثاوياً
فمن غيره يُجريه عَذباً وراويا

تقوى الله

ومن شعر أبي الدرداء رضي الله عنه:

يريد المرء أن يؤتى مناه
ويَأبَى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي
وتقوى الله أفَضلُ ما استفادا

هل أُوَقِّرُه؟

من أشعار الميداني رحمه الله صاحب “مجمع الأمثال”:

تنفَّسَ صُبح الشيب في ليل عارضي
فقلت عساه يكتفي بِعِذَارِي
فلما فشا عاتبته فأجابني
ألا هل يُرى لَيْلٌ بغير نهار؟

وفي رواية: أَلا هَلْ تَرَى صُبْحًا بغير نهار؟

عبرة

أنشد أبوبكر رضي الله عنه شعرا لقُس بن ساعدة خطيب العرب وحكيمها:

في الذاهبين الأوليـ
ـن من القرون لنا بصائرْ
لما رأيت موارداً
لموت ليس لها مصادرْ
ورأيت قومي نحوها
يسعى الأصاغر والأكابرْ
لا يرجع الماضي إلي
ولا من الباقين غابرْ
أيقنت أني لا محا
لة حيث صار القوم صائرْ

قدِّم الزاد

أيا خلُّ ما أعددتَ للقبر والبِلَى
وللملَكَين الواقفين على القبرِ
وأنت مُصِرٌّ لا تُرَاجِعُ توبةً
ولا ترعَوِي عما يُذمُّ من الأمرِ
سيأتيك يومٌ لا تحاولُ دفعهُ
فقدِّمْ له زادا إلى البعث والحشرِ

يا قومنا انتبهوا!

وقد كان استطال على البرايا
وَنَظَّم جمعهم في سلك مُلكِ
فلو شمس الضحى جاءته يوما
لقال لها عتُوّا[19] أفٍّ منكِ
ولو زُهْر النجوم أبت رضاه
تَأَبَّى أن يقول رَضيتُ عنكِ
فأمسى بعدما فَزِعَ البرايا
أسير القبر في ضيقٍ وضَنْكِ
أُقدِّرُ أنه لو عاد يوما
إلى الدنيا تسربل[20] ثوب نُسْكِ
دعي يا نفس فكرك في ملوكٍ
مضوا بل لانقراضٍ وَيْكِ فابكِي
هي الدنيا أشبِّهُهَا بِشَهدٍ
يُسمُّ وجيفةٍ طُليت بمسكِ
هي الدنيا كمثل الطفل بَيْنَا
يقهقه إِذْ بكى من بعد ضِحْكِ
ألا يا قومنا انتبهوا فإنَّا
نحاسب في القيامة غيرَ شَكِّ
وقد كان استطال على البرايا
وَنَظَّم جمعهم في سلك مُلكِ

الكيس من دان نفسه…

حاسبت نفسي لم أجد لي صالحا
إلا رجائي رحمة الرحمانِ
ووزنت أعمالي عليَّ فلم أجد
في الأمر إلا خِفَّةَ الميزانِ
وظلمت نفسي في فِعالي كلِّها
وَيْحي إذاً من وقفة الدَّيَّان
يا أيها الإخوان إني سائر
مهما يطل عمري فإنَّنِي فانِ
يا رب إن لم تَرْضَ إلا ذا تُقىً
مَنْ للمسيء المذنبِ الحيرانِ

تَزَوَّد!

تزود من التقوى فإنك لا تدري
إذا جنَّ ليل هل تعيش إلى الفجرِ
فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا
وقد نسجت أكفانه وهو لا يدرِي
وكم من عروس زينوها لزوجها
وقد قبضت أرواحهم ليلةَ القدرِ
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم
وقد أُدخِلت أجسامُهم ظُلمةَ القبرِ
وكم من صحيح بات من غير عِلَّةٍ
وكم من سقيم عاش حينا من الدَّهرِ

عاشِر بمعروف

إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى
وحظك موفور وعِرْضُك صيِّنُ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عَوْرَات وللناس ألسنُ
وعينك إن أبدت إليك مساوئا
فصُنْها وقل يا عينُ للناس أعينُ
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
وصانع وسدد بالتي هي أحسنُ

انظر لنفسك!

القبر باب وكل الناس داخله
يا ليت شعري بعد الباب ما الدار؟
الدار دار نعيم إن عملت بما
يرضي الإله وإن خالفت فالنار
هما محلان ما للمرء غيرهما
فانظر لنفسك أيَّ الدارين تختار
ما للعباد سوى الفردوسِ إن عملوا
وإن أتوا هفوة فالرب غفار

عيش الآخرة

لا تركنن إلى القصور الفاخره
واذكر عظامك حين تمسي ناخره
وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل
يارب إن العيشَ عيشُ الآخره

مناجاة

قُم في الدجى واضْرَع إليه ونَاجِهِ
يا عالما بعباده وخبيرا
إن كان لا يرجوك إلا محسنٌ
فلقد عرفتك ساترا وغفورا

* * *

فَعَلْنَا خطايانا وعفوك سَاتِرٌ
وليس لشيء أنت ساترهُ كشْفُ
إذا نحن لم نخطئْ وتعفُ تكرُّمًا
فمن غيرنا يخطي وغيرك من يعفو

* * *

وإذا تذللت الرقاب تواضعا
منا إليك فعزها في ذلها

* * *

يا ربِّ هذي ذنوبي في الْوَرَى كَثُرتْ
وليس لي عملٌ في الحشر يُنْجِينِي
وقد أتيتك بالتوحيد يَصْحَبُهُ
حبُّ النبيِّ وهذا القدرُ يَكْفِينِي

* * *

ما زلت أُعْرف بالإساءة دائما
ويكون منك الصَّفحُ والغُفرانُ
لم تنتقصني إذْ أسأت وزِدْتني
حتى كأَنَّ إساءتي إحسانُ
منك التكرم والتفضل والرضى
أنت الإله المنعم المنانُ

* * *

أنا من أنا؟ أنا في الوجود وديعةٌ
وغدا سأمضي عابرا في رحلتي
أنا ما مددت يدي لغيرك سائلا
فارحم بفضلك يا مهيمن زلتي

* * *

أزف الرحيل إلى ديار الآخره
فاجعل إلهي خير عمري آخره
فلئن رحمت فأنت أكرمُ راحمٍ
وبحار جودك ياإلهي زاخره
آنس مبيتي في القبور ووحدتي
وارحم عظامي حين تمسي ناخره

* * *

أيدركني ضيم وأنت ذخيرتي
وأُظلَم في الدنيا وأنت نصيري؟
فأنت سروري ياإلهي ومُنْيتي
وأنت وكيلي في جميع أموري

* * *

لما علمت بأن قلبيَ فارغ
ممن سواك ملأته بهداكا
وملأت كلي منك حتى لم أدع
مني مكانا خاليا لسواكا
بك أستجير ومن يجير سواكا
ارحم ضعيفا يحتمي بحماكا
يا رب قد أذنبت فاغفر زَلَّتي
أنت المجيب لكل من ناداكا

* * *

يا سيدي لما ذكرتك أشرقت
روحي وطابت بالسعادة ذَاتِي
ألقاك في الليل البهيم وفي الدجى
ألقاك في صحوي وفي غَفَوَاتي

روى المزني رحمه الله قال: دخلت على الشافعي رحمه الله في مرضه الذي مات فيه فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلا، وللإخوان مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، ولكأس المنية شاربا، وعلى الله واردا، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنئها، أم إلى النار فأعزيها، ثم أنشأ يقول:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجائي نحو عفوك سُلَّما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتعفو منة وتَكَرُّمَا

دخل رجلٌ على ذي النون رحمه الله عند موته فقال: كيف تجدُكَ؟ فقال:

أموت وما ماتت إليك صبابتي
ولا رُويتْ من صدق حبك أوطاري
مناي المنى كل المنى أنت لي منى
وأنت الغنى كل الغنى عند إقتاري
وأنت مدى سؤلي وغاية رغبتي
وموضع آمالي ومكنون إضماري
تحمَّلَ قلبي فيك مالا أبثه
وإن طال سقمي فيك أو طال إضراري
وبين ضلوعي منك مالا أبثه
ولم أبد بادية لأهل ولا جارِ
سرائر لا يَخفى عليك خفيها
وإن لم أبح حتى التنادي بأسراري
فهب لي نسيما منك أحيا برَوْحه
وجد لي بيسر منك يطرد إعساري
أنرت الهدى للمهتدين ولم يكن
من العلم في أيديهم عشر معشارِ
وعلمتهم علما فباتوا بنوره
وبان لهم منه معالم أسرارِ
معاينة للغيب حتى كأنها
لما غاب عنها منه حاضرة الدارِ
فأبصارهم محجوبة وقلوبهم
تراك بأوهام حديدات إبصارِ
ألست دليلَ المرء إن هم تحيروا
وعصمةَ من أمسى على جُرُفٍ هارِ؟

[1] فرغ: طعنةٌ فَرْغَاءُ وذَاتُ فَرْغٍ، واسعة يبل دمها.
[2] سخالها: مفردها سَخلة: الذكر والأنثى من ولد الضأن والمعز.
[3] المثافن: المقارب
[4] الحين: الهلاك
[5] الجندل: الحجارة.
[6] الفسيل: في صغار النخل أول ما يقلع من النخل الغرس الفسيل.
[7] يهيلون: يهيل التراب يسقطه ويدفعه
[8] إدهان: الإدهان الإنقاء وهو طيب الرائحة
[9] أجناد: الجند، الأعوان والأنصار.
[10] تؤنق: تأنق فلان في الروضة إذا وقع فيها معجبا بها.
[11] الأجداث: القبور.
[12] أخداني: الخدن: الصديق
[13] أزلم: الفرس
[14] وتلك حجتنا: سورة الأنعام، الآيات 84-87.
[15] لجين: فضة
[16] الذهب السبيك: أسبكه: ذوبه وأفرغه في قالب
[17] الزبرجد: الزمرد
[18] غاض الماء: نقص وقل
[19] عتوّا: من عتا يعتو: أي استكبر.
[20] تسربل: السربال: القميص يلبس.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد