مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

قضايا فكرية

مفهوم العلم في النظرية المنهاجية

1
مفهوم العلم في النظرية المنهاجية

قال الله تعالى : وقل رب زدني علماسورة طه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “طلب العلم فريضة على كل مسلم”[1]، لكن السؤال المطروح هو : عن أي علم نتكلم ؟ وما أنواعه ؟ وما أسسه ؟ وكيف كان العلم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ وما ضوابط التجديد في العلم في المنهاج النبوي، والتي يراها عبد السلام ياسين كفيلة بإعادة نهضة الأمة الإسلامية ؟
ينظر الأستاذ عبد السلام ياسين إلى العلم في المنهاج النبوي نظرة تجديدية ، فهو يرى أن العلم انحرف عما كان عليه في زمن الرسول صلى الله عليه والخلفاء الراشدين ، ومن ثم فكتاباته في هذا الأمر في المنهاج النبوي أو في غيره من الكتب المفصلة له – للمنهاج – نظرة نقدية تجديدية ، تروم البحث عن الأسباب ، ومناقشة النتائج ، ثم التطلع بعدها الى ما أراد الله في كتابه ، وسنة نبيه عليه السلام ، وسيرته العطرة التي تعد التجسيد العملي للوحي ، متجاوزا بذلك قرون العض والجبر3 ، فهو يلح على أنه لا نهضة لنا إلا بالارتواء مما ارتوى منه الرعيل الأول . وهذا ما سأحاول بسطه باقتضاب من خلال ثلاث نقط ، وأستسمح القارئ الكريم إن أكثرت من الاقتباس وأطلته أحيانا ؛ فالهدف هو ان يطّلع القارئ على فكر الأستاذ عبد السلام ياسين من مظانه ، وهذه النقط هي كالتالي :

1- العلم بالله :

يرى الحبيب المرشد أن العلم علمان ، فالعلم الواجب طلبه أولا وأخيرا هو العلم بالله تعالى ، فهو الموجه والضامن والحامي من كل انحراف يصيب العلم أو العالم ، ثم هو سبب الفوز والقرب من الله تعالى دنيا وأخرى ، وما يأتي بعده من علوم كونية فهي تَبَع له ؛ إن استعملت لإعداد القوة التي أُمِرنا بها لنستحق الخلافة في الأرض.[2]
افتتح عبد السلام ياسين حديثه عن العلم بفقرة : ” العلم علمان “[3]، لأن العلم عند كثير من العلماء ما حَوَته الكتب والنصوص ، لينبه على أن أعظم علم هو العلم بالله تعالى . وهذا العلم محله القلب المنور بذكر الله وبصحبة أولياء الله تعالى .ولينبه من جهة أخرى المتشبعين بالثقافة الغربية ، والذين إذا أُطلق العلم عندهم فهو يعني علم الأكوان ، من : رياضيات وفيزياء وكيمياء وميكانيكا وكهرباء وإلكترونيات وما إليها .
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب العلم حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، حيث قال: ““حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين من العلم. فأما أحدهما فقد بَثَثْتُه، وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم”[4]. قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: “حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثَّه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم ، وقد كان أبو هريرة يُكْني عن بعضه ولا يصرِّح به خوفا على نفسه منهم كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين ، وإمارة الصبيان ، يشير إلى إمارة اليزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين للهجرة.[5]
اختلف الصوفية وأهل الحديث حول هذا العلم الثاني الذي لم يبثه أبو هريرة ، فالصوفية يستدلون به أن هناك علما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ، أمثال: أبي حذيفة ، وأبي هريرة ، دون بعض . والمحدثون يسُدّون هذه الذريعة ، مخافة أن يدخل على الدين ما ليس منه ، ومخافة أن يستغل هذا الفهم بعض الزنادقة ، كالباطنية الذين اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا ، وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين .
يقول عبد السلام عن هذا الحديث : وليس إطلاع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حوادث الغيب المستقبلة ،كأحوال أمراء السوء ، وزمنهم ، وإطلاعه خاصة من أصحابه عليها أمراً قادحا في الشريعة، كما لا يقدح فيها إطلاع الله بعضَ عباده، من خاصة أحبابه رأسا، بوحي منام أو إلهام على حوادث كونية ودقائق فهمية . ولا يزال أئمة هذا الدين منذ عهد الصحابة إلى الآن يعرفون للصالحين من نور القلب ولا ينكرون …. ما كتمه أبو هريرة بعد أن أخذه رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من هذا القبيل. وليس خبر الدنيا ، وزوالها ، وانقلاب دول أهلها ، ما يشغل العارفين الكمل.[6].
من منهج عبد السلام في التأصيل : الاستشهاد بالقرآن والسنة ، وأقوال أهل العلم الذين أجمعت الأمة على صلاحهم ، وقد رأينا كيف استشهد بحديث أبي هريرة . أما التأصيل من القرآن فيُورِد قوله تعالى : عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما[7]،وجاء في صحيح البخاري : ” أن الخضر قال لموسى: “يا موسى! إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه”[8].ويعلق عبد السلام ياسين على الآية والحديث بقوله :  بقية القصص الحق تدل على أن من عباد الله من يعلمهم الله من عنده، ومن يأمرهم بأمره ، ومن ينصبهم معلِّمين لعباده…. أما المصطلح عليه11 فعطاء من الله عز وجل لا يد لأحد فيه ، و مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا [9]وفَـــتْح الله لأوليائه خبَرٌ متواتر على مر الأجيال، يُنكره من جَهل ويجحده من حُرِم. [10]
إن تقسيم العلم إلى علمين لم يكن غائبا عن السلف الصالح بدءا من الصحابة رضوان الله عليهم ، فهذا الحسن البصري وهو أحد أئمة العلم والصلاح يقول : “العلم علمان: فعلم في القلب فذاك العلم النافع ، وعلم على اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم.[11]
وقال الإمام مالك : “إن الحكمة مَسْحَةُ مَلَك على قلب العبد“. وقال: “الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد“. وقال: “يقع بقلبي أن الحكمة : الفقه في دين الله ، وأمرٌ يدخله الله القلوب من رحمته وفضله[12] . وقسم الإمام الشافعي العلم إلى علمين: علم عامة ، وعلم خاصة.[13]
وقال عبد السلام معلقا على هذه النصوص : ” هذا كلام واضح في أن أئمة الدين قبل ظهور كلمة “تصوف” كانوا على علم تام بنور القلب والحكمة و”مسحة الملَك”، بل كانوا من أهل هذا الشأن أصالة وبحق.[14]أورد هذه النصوص ليؤكد ونحن على مشارف الخلافة الثانية الموعودة بإذن الله أنه لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، ولن تكون كذلك إلا إن قاد السفينةَ الربانيون أولياء الله تعالى ، فيقول : ” لكن العارف الكامل معه رأس الأمر كله كما يعبر الشيخ الرفاعي، معه نور الكشف ، وروح العلم ، وتوفيق الله عز وجل. فكيف يستغني حزب الله ، يوم يرتفع مستوى فهمهم لدينهم، عن قيادة البصير ليقلدوا أمرهم عُشْواناً أو عُميانا! .”[15]

2- العلم المادي :

أما العلم الثاني فهو العلم بكَون الله ، وهو يشمل علوم الرياضيات ، والفيزياء ، والطب ، وعلوم الإدارة ، والتسيير ، والإقتصاد ، وسائر علوم التكنلوجيا …وآلة هذا العلم : العقل المعاشي المشاع بين الإنسان مؤمنهم وكافرهم .
تعيش الأمة الإسلامية الآن حصارا سياسيا ، واقتصاديا ، وعسكريا ، وعلوميا ، وتكنولوجيا حيث يحتفظ المستكبرون بأسرار العلوم التي بها نهضتنا الإقتصادية ، والعسكرية ، والعلومية لئلا ننافسهم على سيادة العالم وعلى استغلال خيراته . فلا مناص للمؤمنين والمؤمنات الآن وغدا19 من اكتساب هذه العلوم . واكتسابها هو مساهمة آكدة في جهاد البناء والتغيير.[16]

3- محاذر ينبغي التنبه إليها :

يؤكد عبد السلام ياسين على ضرورة تحصينها بالشرع الحنيف ، لئلا تزيغ بنا على مستوى الدولة كما زاغت بالغرب عن الأهداف التي خططوها قبل البدء .فيصبح الربح وحساب السوق والأنانية والجشع هو المحرك وهو الفيصل لا الأهداف الإنسانية بله الإسلامية.[17]
وبقدر ما يحذر عبد السلام ياسين من الاثار السلبية للعلوم الكونية على الإنسانية عموما، بقدر ما يحذر الإنسان المسلم من الإقبال على هذه العلوم إقبال الهيم على الماء الزلال، فينسى ربه والتقرب إليه بالفرض والنفل . فإن انغماس المسلم في جهاد التصنيع ،وإعداد لوازمه ، وخوض مَعْمعانه في عزلة عن التربية ،يوشك أن يقضي على ما تبقى فينا من مروءة ، وأخلاق ودين . يقول الاستاذ : ” العلوم الكونية وما تلد من صناعات إما تكون في خدمة مشروع الإنسان ، لتوفير الأمن والرخاء والخير للإنسان، وإما تكون من أسباب ارتباكه في المادة ، وانغماسه في هموم الدنيا ، غافلا عن ربه، وعن مصيره بعد الموت…. فإن للثقافة الصناعية وللعمران الصناعي، ولحركة العالم السوقي ذي الإيقاعات السّريعة والصراعات لفعلا في جسم الإنسان، وعقله وكيانه النفسي يخرب ويفتت[18].

[1]رواه ابن ماجة في سنن ابن ماجة ، بَابُ فَضْلِ الْعُلَمَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ ، ج1/ 81 ، رقم الحديث 224
[2]ياسين ، عبد السلام : المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا ، بيروت : لبنان ، الشركة العربية الافريقية للنشر والتوزيع الطبعة الثالثة 1994 .ص 200- 201 .وانظر أيضا : ياسين ، عبد السلام : القران والنبوة . دار لبنان للطباعة والنشر الطبعة الاولى 2010 ص 66 .
[3]ياسين ،عبد السلام : المنهاج النبوي ص : 200/ 201 ، وانظر ايضا : ياسين ، عبد السلام : الاحسان ، الدار البيضاء ، مطبوعات الافق ، الطبعة الاولى 1998 ، 2/ ص 9 ، وانظر ايضا : ياسين ، عبد السلام : تنوير المؤمنات ، الدار البيضاء ، مطبوعات الافق ، الطبعة الاولى 1996 ، 2/ 66 .
[4]رواه البخاري في صحيحه باب حفظ العلم 1 / 35 رقم الحديث 120 .
[5]العسقلاني ، أحمد بن علي بن حجر فتح الباري شرح صحيح البخاري تحقيق عبد العزيز بن عبد الله بن باز بيروت دار المعرفة – ، 1379 باب حفظ العلم 1 / 216 .
[6]ياسين عبد السلام : الاحسان 2/ 10 و 16 .
[7]الكهف : 64.
[8]رواه البخاري في صحيحه كتاب التفسير :باب ما يستحب للعالم اذا سئل أي الناس أعلم 1/ 35 رقم الحديث 122 .
[9]سورة فاطر: 2
[10]ياسين عبد السلام : الاحسان 2/ 12 .
[11]روه ابن أبي شيبة في مصنفه باب ما ذكر عن نبينا صلى الله عليه وسلم في العلم 7/ 82 رقم الحديث 34361 ،ورواه الدارمي في سننه باب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله 1/ 373 رقم الحديث 376 .
[12]الشاطبي أبو اسحاق ، الموافقات ، تحقيق محمد عبد القادر الفاضلي ، بيروت المكتبة العصرية ، ط1 ، 2000 ، 4/ 57 .
[13]الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس المطلبي القرشي المكي ، الرسالة ، تحقيق: أحمد شاكر ، مصر مكتبه الحلبي، الطبعة الأولى 1940 ، باب العلم 1/ 357 .
[14]ياسين عبد السلام : الاحسان 2/ 11 .
[15]المرجع نفسه1/ 250.
[16]ياسين عبد السلام : تنوير المؤمنات 2/ 253 .
[17]المرجع نفسه2/248- 249.
[18]المرجع نفسه1/ 113.

أضف تعليقك (1 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد