مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

اقتحام العقبة

هلاّ اقتحمت العقبة!؟

هلاّ اقتحمت العقبة!؟

هلاّ اقتحمت العقبة!؟

طريق مُعْلمة هي إذن العقبة التي نودِي الإنسان لاقتحامها، عليها معالم واضحة، بالسير حذوها يعرف السالك الاتجاه الصحيح. فمن غابت عن أفقه معلمة منها، من ضل عنها أو تنكبها عمدا، فقد ولى الإسلام ظهره. ومثَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان بنهر جار له فروع، فالشعبة والشعب فرع الوادي المتشعب عنه. فإذا انصبت في قلب المؤمن من كل الشعب رحمة الإيمان، واستغنى عقله من الحكمة الجارية فيها، واتبع عملية مجاري الصواب بالتزام مآخذها ومآتيها فقد تم إيمانه.

ها هو الإنسان اقتلع جذور ذاته من أرض الخمول، استمع النداء فهب للاستجابة إما مماشاة لرفقة صالحة، وإما يقظة وتوبة بعد حياة لهو وفراغ، وإما شوقا متجددا يحمله على الاستماتة في إرادة وجه الله عز وجل والسعي إليه، والتقرب والعجلة. نحن هنا في أرض الحوافز حيث تولد الحوافز وتشب وتقوى. أعلى شعب الإيمان قول لا إله إلا الله، وأول صوة على طريق الإسلام. الإيمان بالله لا نشرك به شيئا. العبد أمام ربه بلا واسطة، النداء والاستجابة في الإديولوجيات يضعان المرشح للحزبية وجها لوجه مع عدو طبقي، أو مع محتل مستعمر، أو مع تاريخ مجيد، أو مع مستقبل ويوتوبيا. فهل معنى توجه المسلم أول خطواته إلى الله عز وجل أنه في وضع فرار من الواقع؟ أين القاعدة المادية، أين الكون، أين الزمان والمكان، أين ضرورات الصراع وضرورة التاريخ؟

لا إله إلا الله تعني التحرر من كل عبودية غير العبودية لله الواحد القهار. فهل ينتج عن وضع العبد هذا وتوجهه أن ينحرف عن الكون المخلوق ومن فيه ليناجي ربه في فراغ ساكن أمين؟ كلاَّ، فإن على العبد بعد الشهادة أن يشمر عن ساعد الجد ويقتحم العقبة إلى الله تعالى. إلا يفعلْ فإنما هي شهادة باللسان، كلمة لا مدلول لها في عالم الأعمال والإنجاز.

إن توتر القلب شوقا إلى الله عز وجل يبقى أماني جميلة عقيمة إن لم يصحبه توتر العقل لمعرفة الشريعة، الطريق، المنهاج، الكتاب والسنة (كلها مترادفات)، ولم يصحبه توتر الإرادة على مدى الإنجاز وقطع المراحل. بين مرمى الطرف ومحط الأشواق وبين مواقع الأقدام في الواقع الآني مسافات شواسع. بين الفرد المؤمن وبين مطمحه المصيري في الآخرة أن يقتحم العقبة، فهو جهاد بين الجماعة المتحزبة لله عز وجل وبين أهدافها المصيرية في التاريخ أن يقتحم كل فرد منها العقبة جنبا إلى جنب مع إخوته المقتحمين ليكون جهد المجموع جهادا متظافرا.

العقبة المراد اقتحامها في حق الفرد والجماعة تتكون من واقع مرج، متحرك، معاد لإرادة السالك، مليء بالأشواك والأعداء. فإن لم يكن الفرد تربى على الجندية العنيدة، إن لم يكن مقاتلا يستهين بالموت فما دونها، وإن لم تكن الجماعة من التنظيم وصواب الرؤية وصلاح القيادة فلن يكون جهاد، بل تصالح مع الواقع في مرحلة من المراحل، في منعطف تاريخي ما، عند كبوة أخلاقية، أو عثرة تكتيكية، أو سوء تقدير أعقبه سوء تدبير.

مقدمات في المنهاج، ص: 50-51

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد