post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h2>العقل والوحي في نظرية المنهاج النبوي3/9</h2>
<h2>العقل تلميذ للوحي</h2>
على خلاف التصور الذي يتوهم أن &#8220;العقل الإنساني عضو نشط جدا لدرجة أنه في كل دقيقة تتخلله كمية من الدم تساوي وزنه)&#8220;<a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a> يبين الأستاذ ياسين أن عشرات الآيات<a id="_ednref2" href="#_edn2">[2]</a> في القرآن الكريم لا تستعمل كلمة &#8220;عقل&#8221; بكونها عضوا من الأعضاء الفيزيولوجية، ولا مفهوما نظريا خالصا، ولا &#8220;جوهرا&#8221; قائما بذاته كما نقل متفلسفة العرب عن اليونان، ولا جهازا حسيا، وإنما &#8220;العقل في القرآن فِعلُ حاسةٍ باطنةٍ في الإنسان تسمى القلب. العقل تلقٍّ لحقائق الوحي بواسطة القلب)&#8220;<a id="_ednref3" href="#_edn3">[3]</a>، وعملية العقل عن الوحي وإن تفاوت فيها الناس<a id="_ednref4" href="#_edn4">[4]</a> فإنها لا تتم إلا من خلال التلمذة الكلية على القرآن الكريم، فهي &#8220;تعقل فطري سجد أمام عظمة الخالق، ثم سمع الوحي الهادي، وامتثل، وسعى جُهده لتحصيل سعادته الأخروية. العقل&#8230;آلة نفيسة ونعمة من الله الوهاب عظيمةٌ وظيفتها السَّعادية الدنيوية والأخروية لا تؤديها كاملةً، ولا جزئيةً، إن لَم تتلمذَ للوحي)&#8220;<a id="_ednref5" href="#_edn5">[5]</a>، لذلك تكثر صيغة: &#8220;لعلكم تعقلون&#8221; في مثل قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾<a id="_ednref6" href="#_edn6">[6]</a> وصيغة:&#8221;أفلا تعقلون&#8221; في مثل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾<a id="_ednref7" href="#_edn7">[7]</a>، والقرآن الكريم يأخذ صفة الفعل لا صفة المصدر أو الاسم لأن الفعل هو الذي يشتمل على الذات الفاعلة وعلى الحدث في نفس الآن. 
 العقل نور إلهي موهوب للإنسان لم يتكلف في وجوده، به يَعرف ويميز ويتدبر ويفهم ويحكم ويحلل ويختار، ثم يتحمل مسؤولية اختياره، والكون مُعطى إلهي مُسخر لهذا لإنسان ليَعتبر مِن دقة نظامه وجمال أشيائه ويعمر أرضه بالصلاح والإصلاح، أوتي غريزة العقل عطاء إلهيا، وأُرشد بنزول الوحي لطفا ربانيا، وكُلِّف بالاستخلاف في الأرض علما وعملا. لكن الإنسان يطغى ويتمرد وينحرف عن الصراط، ويستعمل عقله على غير هدى ومنهاج. فـ&#8221;يصيب العقل المسلم عاهة ازدواج النظرة عندما لا يتطابق إدراك البصر العقلي المنطقي مع بصيرة القلب الإيمانية فتنحرف ذات اليمين وذات الشمال عقيدتا الجبر والقدر اللتان شغلتا المسلم ولا تزالان. يتساءل القاصر المنحرف الذي لم يقبل بطمأنينة الإيمان تزامن نقيضين عقليين وتراكبهما وتواردهما على محل واحد. ويقبل العقل المؤمن المفتوح العينين ما جاء به الوحي وما صدر عن النظر العقلي بارتياح يكل أمر ما أبهم على فكره المنطقي إلى ما تجلى لقلبه من حقيقة أن الله أعلم وأحكم)&#8220;<a id="_ednref8" href="#_edn8">[8]</a> 
 ذلك ما وقع للإنسانية في أطوار مختلفة من تاريخها، فنسيت وظيفتها وعطلت العمل بالوحي أو وظفته شاهدا لمآربها تستدعيه عند الحاجة ثم تتركه جانبا، وضيعت أمانة الاستخلاف والاصطفاء، فانعكس هذا النسيان والتعطيل والتوظيف على رؤى الناس ومناهجهم ومواقفهم حتى وقعت الغفلة عن المنهاج المستقيم، وحصل الفصام النكد في العلوم بين دراسة النص ودراسة الكون، فسميت الأولى في ثقافتنا &#8220;شرعية&#8221; وحسِبوها مكتملة وجاهزة، وما ترك فيها السلف للخلف إلا تكرارها وشرحها وحفظ متونها، واعتُبرت الثانية &#8220;غير شرعية&#8221; لا يضر الجهل بها فردا ولا جماعة ولا أمة، إن لم يعدوها مجرد هرطقة و&#8221;مَن تَمنطق تزندق)&#8220;<a id="_ednref9" href="#_edn9">[9]</a>. حتى عُد علم المنطق و-هو علمُ آلةٍ- من العلوم المرفوضة لمجرد أنها تُنسب في وضعها لأرسطو طاليس! ومن الرافضين له مَن لم يقرأ منه ولو حرفا واحدا، وتشتهر بهذا الصدد فتوى ابن الصلاح التي قال فيها: &#8220;وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة، ومدخل الشر شر، وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه مما أباحه الشارع&#8230;وأما استعمال المصطلحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية فمن المنكرات المستبشعة، والرقاعات المستحدثة وليس بالأحكام الشرعية، والحمد لله، افتقار إلى المنطق أصلا)&#8220;<a id="_ednref10" href="#_edn10">[10]</a> 
 في مقابل ذلك تلقف بعض المتفلسفة وبعض المتكلمين مفاهيم &#8220;العقل&#8221; و&#8221;العلم&#8221; و&#8221;الكون&#8221; و&#8221;العالم&#8221; و&#8221;الطبيعة&#8221; و&#8221;الجوهر&#8221; و&#8221;العرض&#8221;&#8230;وغيرها من فلسفة اليونان القديمة ونقلوها نقلا تعسفيا وكأنها هي الحكمة الكونية المطلقة وغيرها السفسطة والخرافة، وهي الأصل وما بعدها تَبع. نقلاً &#8220;معرفيا&#8221; أعمى. فخاضوا في عرضها وشرحها وتأويلها وتكلُّف الدفاع عن صحتها، على حساب الأصل الشرعي لهذه المفاهيم والذي تؤسسه حقيقة القرآن الخالدة 
 حينما نقول مصطلح &#8220;عقل&#8221; فهو يجمع بين الدلالة على عملية التعقل ذاتها وعلى الذات المتعقلة -أي الإنسان العاقل- في نفس الوقت. وعناية القرآن تتجه نحو حركة الإنسان وفعله وفاعليته لأن القرآن كتاب هداية ودلالة وإرشاد للعمل، ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾<a id="_ednref11" href="#_edn11">[11]</a>، يرشد الإنسان ليكون عاملا للصالحات في هذا الكون، قائما بمهمته الإعمارية الاستخلافية. مفضلا عن غيره من المخلوقات. 
 إن لم يرد في القرآن الكريم لفظ &#8220;العقل&#8221; اسماً، فإنه استعمل الألفاظ المشتقة منه، للدلالة على عملية التعقل، أو الدلالة على المعقولات التي يدركها العقل، كما أن القرآن الكريم يستعمل ألفاظاً مرادفة للعقل، كالأفئدة والألباب والنُهى، أو قريبة منه، كالنظر والتفكير والتأمل والإبصار، والتدبر والاعتبار والتفقّه والتذكر. ويمكن تسميتها بـ&#8221;أفعال التفكير&#8221; أو &#8220;أفعال التعقل&#8221;. ويأتي ذكر العقل القرآن الكريم في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، ويتعدد استخدامه في مقامات مختلفة، الحكم والتذكر والتفكر والتنبيه، وخلافه اتباع الأهواء والظنون وتقليد الآباء، قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾<a id="_ednref12" href="#_edn12">[12]</a>. 
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
<a id="_edn1" href="#_ednref1">[1]</a> &#8211; فارب بيتر، بنو الإنسان، ترجمة زهير الكرمي، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، عدد: 67، 1403هـ/ 1983م، ص: 22 <a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a> &#8211; وردت مادة عقل في 49 آية من القرآن الكريم، و16 آية مادة اللب، و16 آية مادة الفؤاد&#8230; <a id="_edn3" href="#_ednref3">[3]</a> &#8211; ياسين عبد السلام، محنة العقل المسلم، ص: 7 <a id="_edn4" href="#_ednref4">[4]</a> &#8211; &#8220;الناس كما فطرهم الله عز وجل متفاوتون في العقل والطبع والقدرات&#8221;، ياسين عبد السلام، العدل؛ الإسلاميون والحكم، المغرب، دار الآفاق، ط1، 2000، ص:550 <a id="_edn5" href="#_ednref5">[5]</a> &#8211; ياسين عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، الدار البيضاء، مطبوعات الأفق، ط1، 1994م، ص: 134 <a id="_edn6" href="#_ednref6">[6]</a> &#8211; (البقرة:242) <a id="_edn7" href="#_ednref7">[7]</a> &#8211; (الأنبياء:10) <a id="_edn8" href="#_ednref8">[8]</a> &#8211; ياسين عبد السلام، محنة العقل المسلم، ص:50 <a id="_edn9" href="#_ednref9">[9]</a> &#8211; تنسب هذه القولة لابن الصلاح، وتُعبر عن موقف مشهور من رفض الفلسفة وعلوم اليونان من أغلب الفقهاء في الثقافة الإسلامية العربية. <a id="_edn10" href="#_ednref10">[10]</a> &#8211; بدوي عبد الرحمن، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، دار النهضة العربية، ط 3، 1965م، ص:161 <a id="_edn11" href="#_ednref11">[11]</a> &#8211; (التوبة:105) <a id="_edn12" href="#_ednref12">[12]</a> &#8211; (الجاثية:23)

العقل تلميذ للوحي

ثلاثيات المنهاج النبوي

صورة تخيلية للإمام الغزالي بالذكاء الاصطناعي

الإمام الغزالي: المنقذ من ضلال السفسطة

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

قضايا فكرية

العقل تلميذ للوحي

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

إخوان الآخرة

مقالنا: بيان وبنيان

المجموع: اتباع عملي متوازن

الاعتكاف إقبال فردي جماعي على الله

الإمام الغزالي: المنقذ من ضلال السفسطة

الأستاذ أحمد الملاخ ثالث ثلاثة

مقالات ذات صلة