المؤمنات والقرآن
القرآن الكريم
تقرئين أخت الإسلام في صلاتك بأم القرآن وفاتحته وعنوانه ومقدمته، تقولين: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين لتعلني ولاءَكِ المطلق وحمدك الشاكر لربك العظيم رب العالمين، له الأسماء الحسنى والصفات العُلَى. ثم تتقدمين بطلبك أن يهديكِ ويُدرجَكِ في مدارج الذين أنعم عليهم لتسيري على الصراط المستقيم. ثم تتبرئين وتستعيذين من أعدائه المغضوب عليهم والضالين.
هذا خضوعُكِ لمولاكِ، وطلبُكِ الدائم منه، وهمُّكِ المقيم. وهذا صراط الاستقامة والعبودية الذي خطه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل قوله من حديث رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزَن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك. أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجِلاء حَزَني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحا». فقلنا: يا رسول الله! ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات. قال: «أجَلْ! ينبغي لِمن سمعهن أن يتعلمهن». تقولين: اللهم إني أمتك وابنة عبدك وابنة أمتك…
الخاصِّية الإلهية النبوية التي أودعها الله تعالى في هذا الدعاء الاستشفاء من الحزَن والهم، ومثلها من خصائص الأذكار والأدعية والآيات والسور، مما تتعلق به نيات المسلمين لقضاء أغراضهم الدنيوية. وهو أمر مشروع، وأسرار حقيقية، ودرجة من درجات تعامل المولى عز وجل بلطفه مع عباده وإمائه. في القرآن والأدعية المأثورة والأذكار الخاصة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم شفاء لما في الصدور. تسمع المسلمة والمسلم قول الله تعالى: ﴿قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾،-1 وقوله جل شأنه: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾،-1 ويسمع مثل هذا الحديث النبوي الشافي، فيصدق، ويمتثل، ويستشفي بالآية والدعاء والذكر لأمراض جسده، لا يتجاوز ذلك.
ذلك حظها إن لَم يَرتفِعْ فهمها لتعلـمَ أن الذي في الصدور هو القلب، وأن الاستشفاء بالآية والدعاء والذكر الخاص من أسقام الجسد إنما هو رخصة وصدقة على العباد لا ينبغي أن تعطل ولا أن تزاحم أسباب الاستشفاء من أسقام الجسم التي وضعها الله عز وجل ضِمْن سنته الكونية.
وعلى المؤمنات أن يحترسن غاية الاحتراس من المتجرين في الخرافات الذين يوزعون الأدعية والأحجبة. لا يُسمع كلام مَن يتجر في آيات الله، ومن «يعطي» أذكاراً من عنده للتبرك. فإن الحدود الفاصلة بين ذلك وبين السحر لا تتبيّنها العين المجردة.
تأخذ المؤمنات ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يخصص هذه السورة وذلك الدعاء، يستشفين به من الأسقام النفسية، فما مثل القرآن والذكر شفاء لما في الصدور، وجلاء لهموم الدين. يأخذن عنه صلى الله عليه وسلم النصائح التي تكشف عن أنوار بعض السور والآيات ليجعلنها في مكان الأسبقية في الحفظ والاستظهار والتلاوة، طالبات بذلك عطاء الله كاملا، وجزاءه مُوَفّىً شاملا. أجزل عطائه سبحانه وأوفى نِعمه وأشملُها عافية القلب من عاهاته. فاتحة الكتاب قال عنها رسول الله صلى الله عنها وسلم: «هي أعظم سورة في القرآن، وأنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه» (البخاري). ونزل عليه صلى الله عليه وسلم مَلك بشّرَهُ بأنه أوتي نورَين لم يؤتَهما نبي قبله: الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، وأنه لن يقرأ بحرف منها إلا أعطيه (مسلم). خواتيم البقرة من قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ…﴾ إلى آخر السورة.
-1 سورة يونس، 57.
-1 سورة الإسراء، 82.
تابع القراءة في: عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 1، ص 298-299.
أضف تعليقك (0 )