مقياس من مقاييس سفاهتنا -أعني سفاهة حكام الجبر- ومعوقاتنا وقصورنا عن حمل الرسالة وتبليغها. فلأَنَّ أمام طريقنا أحجارا ومصانع كوارث لا نقدر حقَّ قدرها الأمانة العظيمة التي أنيطت بخير أمة أخرجت للناس. يخرج لنادي المكتسين بالحرير عُريان في الأسمال؟ يخرج مَن رُمحه قصبة إلى من رماحهم الصواريخ عابرة القارات؟ يستحِي من يتكفّف لقمة العيش من الناس أن يزعم للناس أن معه من الله نوراً وبرهاناً وفرقاناً. أنت سُبّةٌ على رسالتك، ظلمة في وجه النور، دحض للبرهان، خلْطٌ بلا فرقان. وإلا فهاتِ هاتِ!
موعدنا مع الإنسان لنسلمه الرسالة فيقبلها معتزا بنا أن جئناه وقرعنا بابه يومٌ من أيام الله يكون نشأ فيه جيل قرآنيٌّ مَسْجِدِيٌّ. القرآن الرسالة والمسجد عاصمتها. ما أحوجنا إلى المعاهد التكنولوجية ومرافق البحث العلومي. مثلَ الناس نحتاج، وأكثرَ من الناس نحتاج. وقد قدمنا أن التربية العلومية تسري فيها روح الدعوة بما يحملها إليها في شغاف القلب الأمهات الحاضنات، والولد الصالح نشأ في أسرة صالحة فشرب من معين الإيمان. ولا بد للدعوة السارية روحُها مِن موعد لقاء، وبرنامج لقاء. الموعد المسجد، والبرنامج القرآن.
إن لا يأت إلى المسجد تلامذة المدرسة وطلبة الجامعة، يأت إليهم المسجد. في المدرسة والمعهد والكلية مسجد وقرآن. أول خُطى الطفل إلى المسجد، يأخذ بيده إليه أبوه وعمه وأخوه، مناسبة يُحتفل بها في الأسرة، ويُلْبَس الطفل لباس الأعياد، ويصور ليحتفظ في ذاكرته بحدث مهم في حياته. كان أجدادنا رحمهم الله أفضل مِنا وَلاءً للقرآن، يختِم الطفل ختمة كاملة فيركب فرساً ويُزف كما تُزَف العُرسان، احتفاءً به أن حفظ من آيات الله. ويختم نصف ختمة وربعها وعشرها فيُفعَل به من البِر والاحتفال. ذكريات الطفولة مؤسِّسَاتٌ للشخصية، نربطها بالمسجد والقرآن، لا نترك المناسبات الاجتماعية تنسج ثوبها.
تنوير المؤمنات، ج2، ص: 260-261
أضف تعليقك (0 )