post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

رمضان شهر المكرمات : 
لشهر رمضان هذه السنة أجواء تختلف عن أي رمضان آخر، العالم كله تتخبطه أمواج أخبار انتشار جائحة كوفيد-19، وما تخلفه كل يوم من ضحايا في الأرواح وخسائر اقتصادية جسيمة، نسأل الله أن يرفع عنا الوباء ويرحم بلطفه وكرمه عباده أجمعين.
والمؤمن في إثر ما يحدث يحيا صابرا محتسبا، يعالج بالصبر نكبات الدهر ومصائبه، هو كما وصفه رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بقوله: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ، تُفِيئُهَا الرِّيَاحُ، تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا، حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ»[ref]عبد السلام ياسين، شعب الإيمان، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة 1، 2018، 2/316، الحديث رقم: 2164.[/ref]، رضِيا بقضاء الله وحكمته الخفية، مسايرا لقدر الله في خلقه، فإن &#8220;القدر سر من أسرار الله تعالى، اختص العليم الخبير به، وضرب دونه الأستار، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة&#8221;.[ref]ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت، الجزء 13، ص:251.[/ref]
فحقيق بالمؤمن والمؤمنة ألا تذهب الأحداث الطارئة بفكره ويقينه في ربه، الخوف البشري من الهلاك فطرة جبل الإنسان عليها، والأخذ بالأسباب الصحية والإجراءات الوقائية ضرورة لحفظ النفس والنسل. لكن يلزمنا مع هذا الخوف القيام بواجب المواساة للأهل والمقربين والأصدقاء والإنسانية جمعاء، فنبشر بالخير وننشر الأمل في لطف الله ورحمته بخلقه بعد سنة الابتلاء والتمحيص.
وحلول شهر رمضان موسم الخيرات وفرصة لاغتنام المكرمات الربانية، فعسى أن يكون رمضان لهذا العام شهر فتح وتحقيق لموعود الله لعباده بالنصر والتمكين. فنجدد النية ونشحذ الهمم ونستنهض العزائم لننال عطايا ربنا الكريم، فـ «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ &#8211; وَفِي رِوَايَةٍ بِالنِّيَّاتِ- وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».[ref]شعب الإيمان، 1/311، الحديث رقم: 1002.[/ref]
ومع تجديد النية وبالدعاء يستمطر المؤمن والمؤمنة رحمات العشر الأولى من الشهر الكريم، ويسأل الله المغفرة في عشره الوسطى ويشد المئزر ويكشف عن ساق الجد رجاء أن يكون من العتقاء في آخره، لينال مع من الصائمين والصائمات والقائمين والقائمات هدية من صام إيمانا واحتسابا، وأحسن الظن بربه مستيقنا رحمته بخلقه ومعيته لعباده الذاكرين له في كل حين،  فعن أبي هريرة رِضي اللّه عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « إِنَّ اللهَ يَقُولُ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي ».[ref]شعب الإيمان، 1/215، الحديث رقم: 681.[/ref]
وإن لرمضان خصوصية تربوية متفردة، إذ تتخلص الروح من قيود الوسوسة الشيطانية وله بهذا الحجر المنزلي منحة ربانية كبرى، يتقي بها المؤمن ما تموج به شوارعنا ونوادينا من فتن منظورة ومسموعة. فـ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَعَرَفَ حُدُودَهُ، وَتَحَفَّظَ مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ فِيهِ، كَفَّرَ مَا قَبْلَهُ»[ref]شعب الإيمان، 2/267، الحديث رقم: 1988.[/ref]. وبهذا كان من اليسير الإقبال على العبادة والتقرب من الله عز وجل بصياغة برنامج يومي، يتعاون فيه أهل البيت في غير تراخ ولا إجبار، واللين بلسم القلوب المتراخية والكلمة الطيبة مفتاح لكل خير. 
وينبه الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله إلى بعض المحاذير التي قد تعتري المرء في شهر الإقبال على الله تعالى، بقوله:
صَامَ العِبَادُ عنِ الطَّعامِ نَهارَهُمْ&#8230;.والنَّفسُ كَارِهَةٌ لِطُولِ مَلاَلِهَا وَالزُّورُ ما انْتَبَذَتْهُ والتَذَّتْ بِهِ&#8230;.وَتَمَرَّغَتْ فِي قِيلِهَا ومَقَالِهَا
والليْلُ قَضَّتْهُ مُسَامِرَةً لِمَنْ&#8230;.أطْرَى قَبيحَ فِعالِهَا وضَلالِهَا
رَمَضَانُ شَرَّعَهُ الإلَهُ لِتَهْتَدِي&#8230;.فِيهِ النُّفوسُ وَتَعْتَني بِمآلِهَا[ref]ديوان قطوف 5، قطف 384،[/ref]
شهر رمضان شهر كريم بما حباه الله به من مكرمات أعلاها نزول القرآن، واشتماله ليلة القدر التي خير من ألف شهر، فهو فصٌ يزين الدهر كما تزين الحلي الجواهر النفيسة، شهر&#8221;رمضان شهر البركات والخيرات والتوبة وتجديد الصلح مع الله وطلب غفرانه وإحسانه وعِتْق رِقابنا من النار. شهر يفطِم الجسمَ عن طبعه من شهوة الطعام، وحاجة الشراب، ولذة الجسد، لتعرف المسلمة الجوع والعطش ولتتعلم ضبط نفسها وإلجامَ هواها. ولتتحكم في أوصافها الحيوانية لتسمُوَ الروح وتتطهر، ولتتدرب المؤمنة على تغليب الأوصاف الملائكية مستقلة عن جاذبية الطين&#8221;.[ref]عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج2، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، الطبعة 2، 1996، ص: 355. [/ref]
بالصوم تتخلص الروح من شوائب الدنيا، وتقبل على الآخرة والتقرب من المولى الكريم، بالكف عن الماديات الممنوعة شرعا، وضبط الجوارح عن الخوض في المحارم من سمع وبصر ولسان، بكفها عن الأذى النفسي وعن الناس جميعا. حتى يصفو القلب ويقبل على مولاه، فيتخلى عن الأكدار ويتحلى بمعاني القرب من الله ورسوله مع جماعة المؤمنين.
ولله در الإمام الشافعي رحمه الله حين يستحثنا على اغتنام مواسم الخير، قال:
إن لله عبـــــــــادا فطنــــاً&#8230;.طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيـــــها فلما علموا&#8230;.أنهـا ليــسـت لحي وطنا
جعلوهــا لجــة واتخــذوا&#8230;.صالح الاعمال فيها سفنا   من أجل ذلك، كان الصيام خير الأعمال وأقربها لتحقيق العبودية لله، وكان العبادة الوحيدة التي جعلها الله بينه وبين عبده خالصة، فالصوم منوط به سبحانه وهو يجزي به. فورد الحديث القدسي على لسان الحبيب المصطفى ﷺ قال: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».[ref]شعب الإيمان، 2/265، الحديث رقم: 1981.[/ref]
اللهم اجعلنا من أهل رحمتك الراجين لمغفرتك وعتائقك في شهر رمضان.

التزكية والدعوة

رمضان شهر المكرمات

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

سفر إلى الله || ذ.فضل الله الفلاحي || يوم المؤمن وليلته

المؤمنة مشرفة مكلفة

جاءكم المطهر

شهر رمضان

إدارة مواقع الإمام تبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك

أسرى الحرب في الإسلام

مقالات ذات صلة