مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

التزكية والدعوة

محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم | 

بين يدي الخصلة:

محبة الله ورسوله هي أولى شعب الإيمان، تندرج ضمن خصلة الصحبة والجماعة. من معاني هذه الخصلة “وجود المحضن التربوي الرافع”[1]، حيث “يتسرب الإيمان من قلب لقلب، من القلب النير الحي إلى القلب المتعطش الصادق من جيل لجيل تسربا يحافظ على الفطرة ويحددها”[2]، فيرفع الإنسان من أرض الانتماء القومي النسبي إلى سماء الانتماء الأخوي المطلق.

ذلك أن الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله أكد على ضرورة “إعادة تنظيم الجماعة نواة الأمة، وإعادة تركيب المجتمع المسلم على قواعد الولاية الجهادية والولاية الإيمانية، والنسبة لله عز وجل”[3]. ولن يتم ذلك إلا بـ”التربية”، “وكل تربية إنما تبدأ بلقاء، فصحبة فتمثل للنموذج الحي القائم، عبر التشرب النفسي العاطفي والفكري والسلوكي”[4].

وقد جمع الإمام تحت هذه الخصلة “إحدى عشرة شعبة يكون مجموعها نسيجا لِلأخوة في الله، ورداء يدخل في كنف رحمته القاصي والداني من الأمة”[5].

في فقرة “حسن الصحبة” من كتاب “الإسلام والقومية العلمانية” يشرح الإمام كيف يقتحم المؤمنون – من خلال هذه “اللآلئ الأخلاقية”[6]– العقبةَ حتى  “يكونوا نموذجاً صالحا يسعى على قدميه في المجتمع، يُعلن بالمثال والاقتناع واللزوم عن أخلاق الإيمان، وجدية المؤمنين، وصدقهم، ولين جانبهم، ودماثة أخلاقهم، وأدائهم للحقوق، وزيادتهم الإحسانَ والخدمةَ والفتوَّةَ والتَطَوُّعَ على النِّصاب الواجب شرعا”[7].

محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:

يقول الإمام ياسين: “وما لصحبة الأخيار من غاية إلا أن يدلوك على الله ويحببوه إليك”[8].

هذه العبارة هي خير جواب لمن يستغرب هذا التصدير الفريد لشعب خصلة الصحبة والجماعة، بل ولكل شعب الإيمان، ذلك أن “حب الله الخالق المنعم مغروزٌ في الفِطَرِ الكريمةِ الـمَعْدِنِ، تَطْمِرُه الطّوامر وتُبرزه من مكامنه صحبة من “ينهض بك حاله، ويدلك على الله مقاله””[9].

يقول الإمام وهو يصف بداية الوارد على الجماعة: “يكون حب الله ورسوله أول ما يلوح لبادرته عند لقاء حزب الله”[10]. يُعَلِّمونه أنَّ “حب العبد ربَّه وحب الرب عبدَه هو قطب رحى الدين “[11]، ويعلمونه أيضا أن “لا حدود للتفاني في محبة الشخص الكريم على الله حتى يكون أحب إلينا من الناس أجمعين ومن أنفسنا”[12].

بدون ذلك لا يُشرف السالك على العقبة، و”لا يمكث حب الله في قلب مؤمنة إن بقي في قلبها حب يساويه أو يفوقه. للحب الفطري مكانُه يعترف به الشرع، وللحب في الله مكانه يحث عليه الشرع. لكن كل ذلك باطل في باطل إن زاحم حب الله وحب رسوله أو نافسهما. قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾[13]”[14].

وما أيسر الادعاء لولا أن تجد ناصحا أمينا من أمثال الإمام يخاطبك قائلا: “لستَ هناك حتى يَنقلعَ من قلبك حبُّ ما سوى الله من دنيا مُؤثَرة وهوى مُتبع وأنانية طاغية! لستَ هناك حتى يرى اللهُ ورسولُه والمؤمنون عملَك عند الأمر والنهي!”[15].

وأعظم ما يقوم به المؤمنون من العمل الجهادُ في سبيل الله بجميع صوره وأنواعه، يقول الإمام رحمه الله: “سُقي القوم من قبلنا رضي الله عنهم شراب المحبة بكاسات دهاقٍ في خلوات المجاهدة والرياضة والتفرغ الدائم لذكر الله. ومطلب المجاهدين المشتاقين إلى ربهم في مستقبل القومة لله، والتحزب لله، وإقامة الخلافة على منهاج رسول الله، ينبغي أن يكون عند مقام من وصفهم الله عز وجل في كتابه العزيز حيث قال: ﴿ فسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾[16]”[17].

في كتاب “شعب الإيمان” أورد الإمام رحمه الله تحت هذه الشعبة ثلاثة وثلاثين حديثا تدور معانيها حول معاني حِلية أولياء الله الذين تنفتح بصحبتهم أبوابُ التقرب إلى الله، وتُذاق بملازمتهم حلاوةُ الإيمان، حتى يصير المُحِبُّ محبوبا يُحبه أهلُ السماء، ويوضع له القبول في الأرض. وفي هذه الأحاديث عرض لبراهين حب الله ورسوله من التعلق بالشخص الكريم صلى الله عليه وسلم، والمسارعة لفدائه، وتغليب محبته على محبة الأهل والعشيرة، وحبِّ مَنْ هاجر ونصر وآوى من العرب وغيرهم، وخصوصا صحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.

والفرحةُ العظمى هي البشارة النبوية لأحاسن الناس أخلاقا من المحبين الوالهين بالمرافقة الدائمة لمحبوبهم مع لذة النظر إلى وجه الله الكريم.

يُتِمُّ الله تعالى عليهم نعمتَه في الآخرة بعد عاجل بُشراهم في الدنيا، “محبة الله عز وجل الصادقة بِبَراهينِها، المـُوَفِّية لشروطها من جانب العبد، الفائضة من العزيز الحميد نُزُلا مُباركاً، جنة في الدنيا معجَّلة لأحباب الله “[18].

نظم الإمام رحمه الله هذه المعاني شعرا، فقال في القطف رقم 303:

 حُبُّ ربِّي هُوَ أولَى الشُّعَبِ هُوَ شَرْطٌ لِبُلوغِ الأَرَبِ

هُوَ أسٌّ فِي بناءِ الدين لاَ    يُبْتَنى الدينُ بِأُسٍّ خَرِبِ

وتُحِبُّ اللهَ يَعْنِي حُبَّ مَنْ   عَرَّفَ اللهَ لَنا، نِعْمَ النَّبي!

ومُحِبُّ اللهِ لا يُعْرَفُ إنْ     لَمْ يُتابِعْ حِبَّهُ عَنْ كَثَبِ

فإذا أحبْبَتَ رَبّي وغَدَتْ    سُنَنُ المُختارِ أغْلَى مطْلَبِ

حَبَّكَ اللهُ وَأعْطَاكَ المُنَى    وَتَوَلاكَ بِنُزْلٍ طَيِّبِ

صلّ يا رب على خيرِ نبي حُبُّهُ يُبْلِغُ أعْلَى الرتَبِ[19]

[1]  ياسين، عبد السلام، القومية العلمانية، مطبعة فضالة- المحمدية، المغرب، الطبعة الأولى يونيو1989، ص145.
[2]  ياسين، عبد السلام، شعب الإيمان، ج1، الطبعة الأولى1439هـ /2017م، ص17.
[3]  القومية العلمانية، ص142.
[4]  مجلة الجماعة، العدد السابع، ص16.
[5]  ياسين، عبد السلام. الإحسان، ج1، مطبوعات الأفق، المغرب، الطبعة الأولى1998، ص253.
[6]  الإحسان ج1، ص254.
[7]  الإحسان ج1، ص253-254.
[8]  ياسبن، عبد السلام. المنهاج النبوي، الطبعة االرابعة 1422-2001، ص139.
[9]  الإحسان ج1، ص170.
[10]  القومية العلمانية، ص145.
[11]  الإحسان ج1، ص171.
[12]  الإحسان ج1، ص178.
[13]  سورة التوبة، 24
[14]  ياسين، عبد السلام. تنوير المؤمنات، ج2، مطابع أفريقيا الشرق 2018، المغرب، ص11.
[15]  الإحسان ج1، ص174.
[16]  سورة المائدة، الآية 54.
[17]  الإحسان ج1، ص173.
[18]  الإحسان ج1، ص175.
[19]  ياسين، عبد السلام. ديوان قطوف، مطبوعات الهلال – وجدة، الطبعة 1 السنة 2014م، ج4، ص78.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد