post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<p><span class="citation">نظرات منهاجية في قيمتي التطوع والتكافل</span></p>
<p>      أسس الإمام ياسين رحمه الله تعالى لمشروع تجديدي يروم تحقيق التغيير المنشود لحال الأمة، وتبوأها المكانة اللائقة بها، مكانة الخيرية، ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾. [ref]آل عمران الآية 110[/ref] هذه الخيرية، لا تتحقق فقط بالريادة على مستوى نظم الحكم، وإنما تتعداها إلى قيم المجتمع الأخلاقية ومن أهمها قيمتا التطوع والتكافل، فكيف ينظر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى إلى هذه القيم؟ </p>
<p>في هذه الفقرات المختصرة، محاولة للإجابة عن هذا السؤال.</p>
<h2>1ـ التطوع والتكافل إحسان:</h2>
<p>      يميز الإمام رحمه الله تعالى بين العدل، وهو واجب الدولة وأحد ركائز التغيير، وبين الإحسان الذي لا تستطيع الدولة الوفاء به. وهو من القيم الكلية للمجتمع الإسلامي. ضمن هذه القيمة الكلية نجد قيمتي التطوع والتكافل، فيتحدث الإمام رحمه الله عن &#8220;الإحسان التطوعي&#8221;، [ref]عبد السلام ياسين، في الاقتصاد، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط 1، ص 111.[/ref]  كما يتحدث أيضا عن &#8220;التكافل الإحساني&#8221;؛ [ref]عبد السلام ياسين، الشورى والديموقراطية، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط 1، 1996، ص 49. [/ref] فيعتبر ذلك من صلب الإحسان وجوهره، ويعرف الإحسان في أحد أبعاده بأنه إحسان إلى الناس. </p>
<h2>2ـ التطوع والتكافل لا يفرضان بالقانون:</h2>
<p>      لا يمكن أن تفرض ضوابط القانون وأوامره على الناس أن يتضامنوا ويتكافلوا، فإن فعلت فإنما هي الجباية والغصب. يجب أن يكون التكافل تربية قلبية بالأساس، يقول الإمام رحمه الله: &#8220;من النبْع القلبي، نَبع البر العميق الشامل الجيَّاش، لا من ضوابط القانون، يُملي إيمان المؤمن على المؤمن وإحسان المحسن على المحسن فريضة العطاء في سبيل الله، من زكاة محدودة وصدقة سمحاء. وعلى أركان البر، لا على بنود القانون يتأسس التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي الأخوي، وفي تعامل المسلمين مع الناس أجمعين.. &#8221; [ref]عبد السلام ياسين، الإحسان، ط 2، 1439ه-2018م، 1/392.[/ref]</p>
<h2>3ـ التطوع مكمل ضروري للعدل:</h2>
<p>     العدل لازم تحققه، لكنه وحده غير كاف، لذلك يأتي الإحسان ليسد ثغراته وفراغاته، يقول الإمام رحمه الله: «يسد الإحسان التطوعي ثغرات العدل الإلزامي. فإن الدولة لا تستطيع أن تزور المريض، وتواسي الحزين، وتهرع إلى إغاثة الملهوف، وحمل الكل، والإعانة على نوائب الحق. إنما يستطيع ذلك ذو القربى، والجارُ، والصديق، والشفيق&#8221;، [ref]عبد السلام ياسين، في الاقتصاد، مرجع سابق، ص 111. [/ref]وهذا لا يعني أن التكافل الأسري والعائلي الذي يحفظ اللحمة القرابية، يعفي الدولة من الاهتمام بالمسألة الاجتماعية في بعدها الجماعي كما في بعدها الفردي. </p>
<h2>4ـ التكافل الإحساني، مفتاح الأخوة الجامعة:</h2>
<p>    العمران الأخوي المنشود، أساسه اللحمة الجامعة والأخوة الإيمانية، ويعتبر التكافل رباط هذه الأخوة وأهم أساسات اللحمة المنشودة، وهذا ما يؤكده الإمام بقوله: &#8220;الرباط الذي يصل الفرد بالجماعة رباط أخوة إيمانية، رباط بين أعضاء الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحُمّى والسهر. كما جاء في الحديث النبوي الشريف. الحقوق الشرعية المضمونة في بلاد المسلمين يأتي واجب التكافل الإحساني، وإيتاءُ ذوي القربى، والأواصرُ المتينة بين أفراد الأسرة فتلفها في بساط إنساني رحيم. من قريب لقريب&#8221; [ref]عبد السلام ياسين، الشورى والديموقراطية،  مرجع سابق، ص 49.[/ref]</p>
<h2>5ـ التطوع والتكافل مصدرا العافية الخُلقية والسلام النفسي: </h2>
<p>     يرى الإمام رحمه الله تعالى أن التكافل والتطوع وغيرهما من الأخلاق الإحسانية الرفيعة، كفيلة بأن تساهم في الخروج من البيئة العالمية المتردية أخلاقيا، الغارقة في الفردانية، ففيها &#8220;تتجسد الجماعة المتلاحمة في الدنيا، المتقاسمة في الأخرى عطاء غير مجذود. وفيها يظفر المؤمن بالعافية الخُلقية والسلام النفسي. وفيها يستحم ويتطهر في حوض الحب الأخوي. وفيها يستعد للانطلاقة الجديدة بعيداً عن مستنقع الأنانية والنفاق، مادّاً يد العونِ للبائس والفقير. ذلك هو الخُلُق الأصيل والكرم الصادق المنبثقان من الإيمان الحق بالله، المتميزان عن &#8220;الخلق&#8221; السياسي الحديث -خُلق المظاهر- وعن كرم التباهي&#8221; . [ref]عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، دار الآفاق، ط 1، مارس 2000، ص 298.[/ref]</p>
<h2> 6 ـ التطوع والتكافل حلان لمشاكل التنمية:</h2>
<p>      إذا تحققت في المجتمع الأخوة الجامعة، ومكن للتربية القلبية التي تغرس القيم في النفوس، وتترجمها إلى إرادات فاعلة ومتوثبة، وعزائم ماضية وصادقة، فإن ذلك أدعى إلى المساهمة بقوة في إيجاد حلول لمشاكل التنمية في بلادنا، إلى جانب حلول لمشاكل الدولة ومؤسساتها، يتساءل الإمام رحمه الله مستنكرا: &#8220;هل يوجد حل لمشاكل التنمية في بلاد المسلمين لا يقوم على الجهد المتناغم للشعب الذي تعبئه النفحة الروحية النابعة من المسجد، الباثة في كيان المجتمع الإحساس بالأخوة الجامعة والتكافل الحقيقي؟&#8221;، [ref]عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، المرجع نفسه، ص 293.[/ref]  ليقرر أنه &#8220;لابد للفضاء الاقتصادي حيث الجهد ينظم لينسجم مع المستلزمات الحديثة أن يصغي للنداء الخيري وأن يساهم في النشاط الخيري&#8221;. [ref]المصدر نفسه[/ref]</p>
<h2>7ـ التطوع والتكافل من أخلاق المشترك الإنساني:</h2>
<p>    لا حدود للتطوع والتكافل، إذ لا يقتصران على المجتمع الإسلامي فقط، بل يجب أن يكونا سمة التعامل بين الناس أجمعين، بل ومع الطير والدواب، يقول الإمام رحمه الله تعالى في هذا الصدد: &#8220;يتأسس التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي الأخوي، وفي تعامل المسلمين مع الناس أجمعين، إذ لا حدود للبر تحبِسهُ عن الوفاء بحق الضعيف والمحتاج من إنسان وطير ودابة. هذا ذكر للمثال الإسلامي ووصفٌ لما يجب أن يكون، نتشوف لأخلاقية العدل والإحسان في دولة القرآن&#8221;. [ref]عبد السلام ياسين، الإحسان،  1/392.[/ref]</p>
<p>    كما أن الإمام رحمه الله تعالى يعبر عن تقدير كبير لعمل المنظمات غير الحكومية التي &#8220;ما فَتِئتْ تُحقق إنجازات رائعة تجعلنا نأمل أن يأتي الغربيون يوما ما إلينا لنتعاون جميعا على ترسيم مجالنا الحيوي المشترك المخرب، وعلى التصدي للآلة الرأسمالية الطاحنة للحياة البشرية، لكي لا يموت بعد ذلك أيُّ طفل جوعا، وحتى لا تُستنزف طاقته الضئيلة من الصبح إلى المساء مقابل أجرة حقيرة&#8221;. [ref]عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، ص 298.[/ref]</p>
<p>     هذه بعض ملامح العمل التطوعي والتكافل الإحساني كما يراهما ويتصورهما الإمام عبد السلام ياسين، وهو رحمه الله تعالى قد وضع منارات عامة لتحقيق قيمتي التطوع والتكافل اللتين تعتبران غاية في الأهمية في النهوض المجتمعي، منارات تساهم بلا شك، في غد الحرية، في تجويد العمل التطوعي، والدفع به ليكون رافعة أساسية في تحقيق التنمية الداخلية من جهة، وفي التواصل وبناء المشترك الإنساني من جهة أخرى.</p>


التزكية والدعوة

نظرات منهاجية في قيمتي التطوع والتكافل

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

ثغور الوفاء

طبيعة المنهاج النبوي من خلال «نظرات في الفقه والتاريخ»

لماذا “الإسلام أو الطوفان”؟

المقلدة وصفاتهم

نظرات منهاجية في قيمتي التطوع والتكافل

القومة أو آلية التغيير في التصور المنهاجي

مقالات ذات صلة