هلّا اقتحم العقبة ؟
لا نمل من التوكيد على أن الإسلام مصدر فعل «أسلم»، فالإسلام فعل من العبد، علاقة بينه وبين ربه، استجابة لنداء، حركة مستمرة. ويزداد إقبال العبد على ربه فيتميز فعله، وتزداد علاقته بربه متانة، وتكتسي حياته كلها معاني الاستجابة لداعي الله، وتنضبط حركته بأمر الله سبحانه لمولاه فيحسن فعله، وتكون كل علاقة له بالكون فرعا عن علاقته بربه، وتكتمل استجابته له فإذا هو حي القلب، ويكون التقرب إلى الله عز وجل دافعه الدائم، فإذا هو على معراج الإحسان.
يتفاوت عباد الله من فرد لفرد في الاستعداد للترقي وفي خصال القلب والعقل، فيتفاوت سلوكهم. أما حزب الله المخاطب بالقرآن في قوله تعالى ﴿يا أَيُّها الذينَ آمَنوا﴾ افعلوا ولا تفعلوا فالمفروض أنه جماعة يتمثل فيها الإيمان الذي هو مناط التكليف بحمل الأمانة الجماعية. فلا ينتظر من جماعة «مؤهلها» لا يتجاوز مرتبة الإسلام أن تقدر على حمل تلك الأمانة. وفي طريق الصعود على معراج الإيمان والإحسان صعوبات، ليس ذلك الطريق سهلا. لا ولا يخاطب به إلا كل شديد شجاع سامي الهمة، وكل جماعة شديدة الشكيمة ماضية العزم.
ذكر الله سبحانه وتعالى الإنسان في سورة البلد المكية، وذكر تعبه في الدنيا مادام بعيدا عن ربه، وذكر نعمه عليه وما أودعه من طاقات، وما بعث إليه من رسل يهدونه، وما فطره عليه من استعداد. ثم خاطبه مخبرا محرضا: ﴿فَلا اقتَحَمَ العَقَبَة ! ﴾ لا هنا للنفي والاستنكار، فيكون المعنى: مع كل تلك النعم، ومع الهداية التي تخيره بين نجدي السعادة والشقاء لم يقتحم العقبة المؤدية لسعادته. أو تكون لا للعرض والتحريض فيكون المعنى: هلا اقتحم العقبة ؟
وبكلا المعنين فهو نداء مؤكد من الله عز وجل للإنسان أن يسلك إلى ربه السبيل. إلى ماذا يشير لفظ النداء؟… ماذا تحمل العبارة «اقتحم العقبة» من مواصفات في «الذات» وفي «الموضوع» الذي هو الطريق ؟ قال الراغب الأصفهاني رحمه الله في كتاب «مفردات ألفاظ القرآن»: «الاقتحام توسط شدة مخيفة» وقال: «العقبة طريق وعر في الجبل».
فها هي الألفاظ تعطينا دلالة على أن الاقتحام دخول شجاع في شدائد، على أنه منابذة للخوف، بل هجوم على ما يخيف الجبناء، وعلى أن الطريق صاعدة لكن في وعورة. بعبارة أخرى فإن العبارة تصور لنا الخصال النفسية القلبية العقلية عند المدعوين للاقتحام كما تصور طبيعة المسلك الموضوعية. وهي قبل كل شيء دعوة صادرة من اللّه عز وجل، فالاستجابة لا تتخذ معناها من خصال المقتحم ولا من وعورة المسلك، لكن من كونها تلبية لنداء الحق…مقدمات في المنهاج، ص: 52-54
أضف تعليقك (0 )