مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

قضايا فكرية

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

0
الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

مقدمة

تتتبع هذه المقالات قراءة الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله لتراث الإمام الغزالي، من خلال قراءة استقرائية للنصوص الغزالية وتوظيفها في مناسبات عديدة، ويعود اهتمام الأستاذ عبد السلام ياسين بتراث الغزالي إلى مؤلفاته البيداغوجية الأولى، وأقصد الكتب الثلاثة التي ألفها في بداية الستينيات من القرن العشرين، أي أثناء اشتغاله بإدارة وتسيير مركز تكوين المعلمين، وهي المؤلفات التي أصبحت بعد الاستعمار من أهم المصادر المغربية في علوم التربية، وأقصد كتاب “النصوص التربوية لمدارس المعلمين والمعلمات” وكتاب “كيف أكتب إنشاء بيداغوجياً” وكتاب “مذكرات في التربية”[1].

ففي كتاب “النصوص التربوية”، الذي ألَّفه رحمه الله سنة 1381ه/1961م بمراكش وكتب مقدمته يوم 3 أكتوبر 1961م، (ربيع الثاني 1381ه)، والموجَّه أساسا للمُكوِّنين وللمتدربين في مدرسة تكوين الأساتذة بمراكش، تناول موضوعات تربوية دقيقة تتعلق بتنشئة الأطفال وتعليمهم، وإعدادهم نفسهم وعلميا واجتماعيا وأخلاقيا، ورتب ضمنها نصوصا فلسفية وتربوية وسوسيولوجية من التراث الإغريقي القديم والإسلامي الوسيط والحديث، وضمن النصوص الإسلامية أورد مختارات من مؤلفات ابن سينا وابن مسكويه وابن خلدون والقابسي، وأدرج ضمنها نصا نفيسا للغزالي من الجزء الأول من كتاب “إحياء علوم الدين” يحمل عنوان “بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول نشأتهم ووجه تأديبهم وتحسين أخلاقهم”، وذيَّله بثلاثة عناوين: تعريفٌ وملاحظةٌ وتمرين، وسنُفصل قليلا في مضامين هذه العنوانات الصغيرة التي وجه بها الإمام طلبته لقراءة نص الغزالي.

نص الإمام الغزالي

“اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها. والصبي أمانة عند والديه. وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه. فإن عود الخير وعمله نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له.

وقد قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾(التحريم: 6). ومهما كان الأدب يصونه عن نار الدنيا، فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى، وصيانته بأن يؤدبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من قرناء السوء ولا يعوده التنعم، لا يحبب إليه الزينة والرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد.

بل ينبغي أن يراقبه من أول مرة فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال، فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه، فإذا وقع عليه نشوء الصبي انعجنت طينته من الخبث فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبائث.

ومهما رأى فيه مخايل التمييز فينبغي أن يحسن مراقبته، وأول ذلك ظهور أوائل الحياء، فإنه إذا كان يحتشم ويستحيي ويترك بعض الأفعال فليس ذلك إلا لإشراف نور العقل عليه، حتى يرى بعض الأشياء قبيحا ومخالفا للبعض فصار يستحيي من شيء دون شيء، وهذه هدية من الله تعالى إليه وبشارة تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب، وهو ميسر بكمال العقل عند البلوغ، فالصبي المستحيي لا ينبغي أن يهمل بل يستعان على تأديبه بحيائه أو تمييزه.

وأول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام فينبغي أن يؤدب فيه مثل ألا يأخذ الطعام إلا بيمينه، وأن يقول عليه بسم الله عند أخذه. وأن يأكل مما يليه، وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره، وأن لا يحدق النظر إليه ولا إلى من يأكل، وأن لا يسرع في الأكل. وأن يجيد المضغ، وأن لا يوالي بين اللقم، ولا يلطخ يده ولا ثوبه، وأن يعود الخبز القفار في بعض الأوقات حتى لا يصير بحيث يرى الأدم حتما، ويقبح عنده كثرة الأكل بأن يشبه كل من يكثر الأكل بالبهائم، وبأن يذم بين يديه الصبي الذي يكثر الأكل ويمدح عنده الصبي المتأدب القليل الأكل، وأن يحبب إليه الإيثار بالطعام وقلة المبالاة به والقناعة بالطعام الخشن أي طعام كان.

وأن يحبب إليه من الثياب البيض دون الملون والابريسم، يقرر عنده أن ذلك شأن النساء والمخنثين من الرجال يستنكفون منه ويكرر ذلك عليه. ومهما رأى على صبي ثوبا من ابريسم أو ملون فينبغي أن يستنكره ويذمه، ويحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة، وعن مخالطة كل من يسمعه ما يرغبه فيه. فإن الصبي مهما أهمل في ابتداء نشوئه خرج في الأغلب رديء الأخلاق كذابا حسودا سروقا نماما لحوحا ذا فضول وضحك وكياد ومجانة، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب.

ثم يشتغل في المكتب فيتعلم القرآن وأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار، وأحوالهم لينغرس في نفسه حبّ الصالحين، ويحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله، ويحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع، فإن ذلك يغرس في قلوب الصبيان بذور الفساد.

ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحد على مثله، ولاسيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه. فإن إظهار ذلك عليه ربما يفسده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة، فعند ذلك إن عاد ثانيا فينبغي أن يعاقب سرا ويعظهم الأمر فيه ويقال لهم: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا وأن يطلع عليك في مثل هذا فتفتضح بين الناس، ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظا هيبة الكلام معه فلا يوبخه إلا أحيانا، والأم تخوفه بالأب وتزجره عن القبائح.

وينبغي أن يمنع من النوم نهارا فإنه يورث الكسل ولا يمنع منه ليلا. ولكن يمنع الفرش الوطيئة حتى تتصلب أعضاؤه ولا يسمن بدنه فلا يصبر على التنعم، بل يعود الخشونة في الفرش والملبس والمطعم.

وينبغي أن يمنع من كل ما يفعله في خفية فإنه لا يخفيه إلا وهو يعتقد أنه قبيح، فإذا ترك تعود فعل القبيح.

ويعود في بعض النّهار المشية والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل.

ويعود ألا يكشف أطرافه ولا يسرع المشي، ولا يرخي يديه بل يضمهما إلى صدره.

ويمنع من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والده أو بشيء من مطاعمه وملابسه أو لوحه ودواته، بل يعود التواضع والإكرام لكل من عاشره والتلطف في الكرم معهم.

وينبغي أن يعود أن لا يبصق في مجلسه ولا يتمخط ولا يتثاءب بحضرة غيره ولا يستدير غيره ولا يضع رجلا على رجل، ولا يضع كفه تحت ذقنه ولا يعمد رأسه بساعده فإن ذلك دليل على الكسل. ويعلم كيفية الجلوس ويمنع كثرة الكلام ويبين له أن ذلك يدل على الوقاحة وأنه فعل أبناء اللئام، ويمنع اليمين رأسا – صادقا كان أو كاذبا – حتى لا يعتاد، وألا يتكلم إلا جوابا وبقدر السؤال، وأن يحسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هو أكبر منه سنا، وأن يقوم لمن فوقه ويُوسع له المكان ويجلس بين يديه ويمنع من لغو الكلام وفحشه. ومن اللَّعن والسَّب، ومن مخالطة من يجري عليه لسانه شيء من ذلك يسري لا محالة من قرناء السّوء، وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء.

وينبغي إذا ضربه المعلم ألا يكثر الصُّراخ والشَّغب ولا يستشفع بأحد بل يصبر ويذكر له أن ذلك دأب الشّجعان والرجال، وأن كثرة الصراخ دأب المماليك والنسوان.

وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعبا جميلا يستريح إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللّعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائما يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسا.

وينبغي أن يعلم أن طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه ومن هو أكثر منه سنًّا من قريب وأجنبي، وأن ينظر إليهم بعين الجلالة والتعظيم وأن يترك اللّعب بين أيديهم، ومهما بلغ سن التمييز، فينبغي ألا يسامح في الطهارة والصلاة ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان، ويجنّب لبس الديباج والحرير والذهب ويعلم كل ما يحتاج إليه من حدود الشرع”. انتهى النص.

تعريف

تحت النص وضع الإمام تعريفا موجزا وجامعا بالمؤلِّف، جاء فيه:

“حُجة الإسلام أبو حامد الغزالي من مفكري الإسلام الأفذاذ. اشتغل بالتعلم والتأليف. كتابه «إحياء علوم الدين» يتضمن نخبة آرائه في فلسفة الدين”[2].

في هذا التعريف المختصر[3] تم تقديم الكاتب/ الغزالي للمُتلقِّين بصفاته الدينية (حُجة الإسلام)، والفكرية (من مفكري الإسلام الأفذاذ) والتربوية والعلمية (اشتغل بالتعلم والتأليف) والفلسفية (نخبة آرائه في فلسفة الدين)، فهو إمام للمسلمين وعَلم من أعلام الإسلام وكاتب كبير ومكثر من التآليف، وفيلسوف يعرف من أين تؤكل كتف الاستدلال كما حكى عنه تلميذه ابن العربي المعافري[4]. ولا يوجد أي تعارض أو تنافر في الاتصاف بهذا الأوصاف الجامعة لحقول تكوين الغزالي واهتماماته، بل هي عناصر قوة مساعدة في إدراك حقائق الأشياء والوقائع ومعالجة إشكالات المعارف والعلوم.

ملاحظات

ويُهمنا في هذا المقام تركيز النظر في مضمون الملاحظات التي سجلها الأستاذ المربي أسفل النص، والتي جاء فيها:

“نلاحظ في هذا النص إلحاح الفيلسوف على أهمية حياء الطفل والاعتماد عليه في تربيته. وإنما يقصد الفيلسوف حب النفس الطبيعي عند كل الأحداث في سن معينة. وبوسعنا أن نبتدئ مما قاله المفكر الإسلامي في هذا الموضوع لنراجع معلوماتنا حول حياة الطفل العاطفية وأثرها في تربيته، راجعين إلى الكتب الدراسية في علم النفس”[5].

وهذه ملاحظة غميسة بالأفكار والمعاني النفسية والتربوية والاجتماعية، نأخذ منها أن نعت الغزالي بـ”الفيلسوف” وبـ”المفكر الإسلامي”، منبها إلى قيمته ومكانته العلمية والتربوية من جهة وشدَّ انتباه المتدربين والمتعلمين إلى عمق ودقة وأهمية ما يتحدث عنه في هذه النص من جهة ثانية. مع العلم أن الإمام قرأ مئات النصوص للغزالي لينتقي منها ما يناسب موضوع حديثه بعناية البيداغوجي المتخصص، كما أحسن رحمه الله ترتيب فقرات هذه الملاحظة/الملاحظات الدقيقة.

 ثم بعد ذلك اعتبر النص مجرد أرضية للتحليل والمناقشة حين أكد على أنه “بوسعنا أن نبتدئ مما قاله….لنراجع معلوماتنا”، وليس سقفا وجوابا نهائيا في إشكالية الموضوع، جنبا إلى جنب استثماره النص في التنبيه إلى أهمية الحياة العاطفية للطفل وأثرها في تربيته وتعليمه، بل أكثر من ذلك اقترح الرجوع إلى أهل التخصص في علوم التربية وعلم النفس من أجل استكمال النقص في المجال.

ولا يخفى ما لتوظيف النصوص من أهمية في تجويد التعلم والارتقاء بمستويات الفعهم والتحليل والمناقشة لدى المتعلمين، ولهذا يستثمر النص “ليسلك الأستاذ أحسن الطرق لشرح القواعد التربوية، معتمدا تارة على العرض والمناقشة، وتارة يتخذ النص التربوي متنا لدرسه، ومناسبة لتركيز البحث حول نقطة معينة، واستعراض آراء المربين عبر العصور، وحسب المبادئ الفلسفية والاجتماعية التي ينتسبون إليها، أو الطرق العملية التجريبية التي يطبقونها.”[6]

فهو إذن عَمِل على تجاوز الذهنية التقليدية في التعلم والتعليم والتي تحسم القول في الموضوع وتُنهيه، لما استحضر نص ووجهة نظر الغزالي من التراث الإسلامي ولم يتوقف عنده مثلما يفعل الذين يجمدون على نصوص التراث، ودعا إلى الانفتاح على المستجدات العلمية والتربوية في مسائل التربية والتنشئة والتعليم والتوسُّع في ذلك، ولعل هذا يفيدنا بأنه يستشعر حدود نص الغزالي والحاجة إلى نصوص استدراكية أخرى تسهم في الجواب عن الأسئلة المثارة في الموضوع .

تمرين…

وفي فقرة “تمرين”، أورد سؤالا لاختبار استيعاب المتدربين وتمكنهم من إدراك مضامين النص وأهدافه، وغير ذلك مما يقصده المربون من إيراد النصوص المختارة في الدرس والتعليم. وعن الهدف من اقتراح التمارين كما صرح المؤلف في مقدمة الكتاب هو “وضعنا مع كل نص تمارين ينجزها الطالب. فقد رأينا أن طلبتنا غالبا ما يتخذون عادات سيئة في القراءة. فإذا ما سئل أحدهم أن يقرأ كتابا أو جزءا من كتاب، رأيته يتصفح الورقات الواحدة تلو الأخرى، لا يعنيه إلا أن ينتهي إلى آخر الكتاب. ثم إذا جئت تسأله في مضمون ما قرأه، وجدت أنه لم يحصل على شيء، فإن فعل فإنما يذكر الجزئيات الصغيرة التي لا تدخل في حساب النتيجة كثيرا ولا قليلا. فتماريننا تهدف إلى تبديل هذه العادة، ليقرأ الطالب وأمام عينيه الفكرة حين تبنى وحين تتقلب، ولتكون قراءته عملية إيجابية يتفاعل أثناءها عقله بالمادة الثقافية التي بين يديه.

فمن تماريننا ما يتعلق بتصميم الموضوع وترتيبه، كالأسئلة التي نطلب فيها من القارئ أن يضع لفقرات المقالة عناوين، وهذه تنجز على السبورة وتناقش ليعطى كل طالب رأيه. ومنها ما يقتضي إجابة شفوية. وهذا النوع من الأسئلة ينبغي أن يحسن استعماله حتى لا تبقى الأجوبة في مستوى الألفاظ. إنما يجب أن يعتبر الأستاذ كل سؤال نقطة يبدأ منها مناقشة حرة، ويفرغ منها أسئلة كثيرة، يتتبع من خلالها مقدار فهم الطلبة للموضوع، ونوع فهمهم له، ليتسنى له بعد ذلك تصحيح ما يمكن أن يكون هنالك من غلط، وتكميل ما يلحظه من نقص.

على أن أحسن التمارين في هذا الباب، هو أن يعرض على الطلبة، بعد القراءة والشرح، وبعد قراءة الملاحظات والتعليمات، إبداء آرائهم في الكلام، لكن يلخص ويعترض وينقد، ولكي يعطي رأيه في صلاحية المبادئ التي يتحدث عنها للتطبيق اليوم، أو عدم صلاحيتها.”[7]

وبعد إيراد نص الغزالي، قال في التمرين المرفق به:

“يتضمن المقال نصائح شاملة في طريقة تربية الطفل. فهل تستطيع أن تستخرج العبارات التي تتعلق بتربيته الخلقية وتناقش الوسائل العملية التي نصح بها الفيلسوف على ضوء ما تعرفه من آراء حديثة، وبالنسبة للظروف التي تغيرت منذ عصره؟”[8].

 في هذا السؤال جمع السائل بين إبراز قيمة مضامين النص وبين الوعي بحدودها، ثم الحاجة إلى مقارنتها بغيرها من النصوص والأفكار، وإبراز وجهها العملي، بمعنى تعليم الطلبة النقد والتقويم والمراجعة والانتباه الدائم إلى قياس البُعد العملي للفكرة، حيث دعا إلى وضع “جواب المؤلِّف” -وإن كان فيلسوفا ومفكرا كبيرا- في سياقه الزماني وظروفه الخاصة التي أنتجته، وكشف إمكانت الاستفادة منها في حياتنا المعاصرة، إذ يرتبط كل قول بسياقه الاجتماعي والثقافي العام، ويقاس بإمكانية تطبيقه في ظروف زمانية ومكانية مختلفة، وهو ما يجب عدم إغفاله في الفهم والتحليل والتقويم. وهذا هو التمرين المنهجي الذي ينفذ من خلاله المتعلم إلى فهم الأفكار وهي تنشأ داخل حقول وتنطبع بمعارف وتحمل صدى فضاءات عاشها القائل وتفاعل معها.

وهذا وعيٌ مبكر من مؤلف “النصوص التربوية” بمسألة تأثير الظروف الاجتماعية العامة في رؤية المؤلف وجواباته عن أسئلة زمانه وقضايا المعرفة والقيم والتربية والأخلاق.

يتبع….


[1] – هذه الكتب متوفرة للقراءة والتحميل في موقع موسوعة مكتبة الإمام (siraj.net).

[2] – عبد السلام ياسين، النصوص التربوية، دار السُّلمي للتأليف والترجمة والنشر والطباعة والتوزيع، الدار البيضاء، ط1، 1963م، ص 23-27

[3] – الاختصار هنا مقصود تربويا وبيداغوجيا، لأن الهدف ليس هو معرفة الغزالي وإنما توظيف نصه في الجواب عن مسألة تربوية تتعلق بتنشئة الأطفال تنشئة شاملة ومتوازنة.

[4] – أبو بكر بن العربي المعافري، قانون التأويل، تحقيق محمد السليماني، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، ومؤسسة علوم القرآن، بيروت، ط 1، 1986م، ص 451

[5] – عبد السلام ياسين، النصوص التربوية، ص 27

[6] – المرجع نفسه، ص 7

[7] – عبد السلام ياسين، النصوص التربوية، ص 8-9

[8] – نفسه، ص 27

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد