مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

مصطلح الحديث

الحديث المتواتر

الحديث المتواتر

ـ تعريف الحديث المتواتر:

 التواتر في اللُّغة يراد به التّتابُع وترادف الأشياء المتعاقبة واحدا بعد واحد، لذلك يقال تواتر الأنبياء عليهم السلام؛ أي خلف بعضهم بعضاً في الدّعوة، ومنه قوله تعالى (ثم أرسلنا رسلنا تترى) (المؤمنون: 44)، والمواترة المتابعة، على فاصل بينهما، وإلا فهي مداركة ومواصلة[1].

والحديث المتواتر في اصطلاح المحدثين: “ما أخبر به جماعة يفيد خبرهم لذاته العلم؛ لاستحالة تواطئهم على الكذب من غير تعيين عدد على الصحيح”[2]، ومعنى ذلك أن الحديث المتواتر في السنة هو ما رواه في كل طبقة من طبقاته جمع يستحيل تواطؤهم واتفاقهم على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكثرة عددهم أو تباعد أوطانهم.

فعندما نقول تواتر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، معناه: أنه قد رواه عدد من الصحابة رضي الله عنهم ورواه عنهم جماعة من التابعين؛ كما رواه عدد عن التابعين وهكذا إلى نهاية السند، ومستند الرواية فيه الحسّ، لا الظن ولا التوهم[3]. وقد قرر العلماء أن الحديث المتواتر يفيد العلم اليقيني الذي لا مجال فيه للتكذيب.

وهل يشترط في التواتر التقييد بعددٍ معيّن؟

ذهب جمهور العلماء  إلى عدم اشتراط عدد معين؛ لأن المقصود هو استحالة اتّفاق الرواة على الكذب، وذهب بعض المُحدّثين إلى تعيين العدد وهو: سبعين، ليكون الحديث مُتواتراً، واستدلّوا بقولهِ -تعالى (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا) وقيل: هم أربعين، وقيل: هم اثنا عشر، وقيل: هم أربعة؛ لأنّه العدد المعتبر في شهادة الزّنا.

ويجدر التنبيه إلى أن الجمع المطلوب للتواتر ينحصر في العصور الثلاثة الأولى:

ـ عصر الصحابة رضي الله عنهم.

ـ عصر التابعين وتابعيهم رحمهم الله؛ أما ما بعدها فلا يطلب الجمع؛ لأن الحديث النبوي بعد التدوين أصبح من السهل تواتره وانتشاره لتوافر الدواعي إلى ذلك[4].

ـ أنواع المتواتر:

المتواتر نوعان: لفظي ومعنوي:

المتواتر اللفظي: وهو ما تواتر لفظه ومعناه، وعرّفه بعض المُحدّثين بتعريف الحديث المُتواتر أي ما اتفق الرواة على لفظه بالصفة التي أشرنا إليها من قبل، بمعنى أنّ الرواية جاءت من طُرقٍ كثيرة، وجاءت بلفظٍ واحد، أو بألفاظٍ مُتعدّدة، ورواها عدد كثير في كُلّ طبقةٍ من طبقاتها.

ومن أمثلته: ما أخرجه البخاري ومسلم بسندهما المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كذب عليّ متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار»[5]، فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد كبير.

 المُتواتر المعنويّ: وهو الحديث الذي يتواتر معناه دون لفظه، ومثال ما تواتر معنوياً: أحاديث رفع اليدين في الدُّعاء، قال السيوطي رحمه الله: “فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم نحو مائة حديث، فيه رفع يديه في الدعاء، وقد جمعتها في جزء لكنها في قضايا مختلفة؛ فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها وهو الرفع عند الدعاء، تواتر باعتبار المجموع”[6]، فليس هُناك حديث مُتواتر لفظا يدُلّ على أنّ النّبيّ الكريم عليه الصلاةُ والسلام كان يرفع يديه في الدُّعاء، كما أنّه لم يرد وصفٌ مُتواتر بذلك، وإنما أُخذت من عدة مواقف ومُناسبات دلّت على هذا الفعل، وقد تقرر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء في مواطن ومناسبات كثيرة، كرفع يديه عليه الصلاة والسلام في دُعاء الاستسقاء، وعند دُعائه لأهل البقيع، وغير ذلك من المواقف، فالمتواتر هنا هو رفع اليدين عند الدعاء، وهذا ما يسمّيه أهل العلم المتواتر تواتراً معنوياً.

[1]  ـ ينظر فاروق حمادة، المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل، دار نشر المعرفة، الطبعة الثانية 1989م، ص: 387
[2] ـ السخاوي، الغاية في شرح الهداية في علم الرواية، تحقيق أبو عائش إبراهيم، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، الطبعة الأولى، 2001م، ص: 138
[3]  ـ ينظر فاروق حمادة، ص: 388
[4]  ـ ينظر فاروق حمادة، المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل، ص: 388
[5]  ـ البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، رقم: 1291 مسلم، باب في التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: 3 
[6] ـ السيوطي، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق: أبو قتيبة الفاريابي، دار طيبة، 2/631 ـ 632

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد