الذكر والتأسي برسول الله ﷺ
قال الله عز وجل في محكم كتابه: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيراً﴾. وقال عز من قائل يخاطب حبيبه ومصطفاه: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ وَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾. وقال له العزة والمنة: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
في ثلاث آيات يفصّل لنا مكانة الذكر يرفعنا إلى مقام التأسي برسول الله ﷺ، ومكانَتَهُ في عباداتنا، وأثره في قلوبنا. من لا يذكر الله كثيرا لا أُسوَةَ له برسول الله ﷺ، لا يقدر على التأسي، وهو الاستناد والاتباع، لم يؤهل له. من لا يذكر الله في صلاته وإذا تلا القرآن فلا تلاوة له ولا صلاة. له صورة الصلاة وأركانها البدنية، لكن ذكر الله، وهو الأمر الأكبر والأعظم الذي من أجله شرعت العبادات، فاته ففاته لب العبادة. من صفات المؤمنين الاطمئنان للذكر والاطمئنان بالذكر، فمن لا طمأنينة له بذكر الله لا يستكمل صفات الإيمان.
لنا في رسول الله ﷺ أسوة إن تحققت فينا ثلاثة شروط: رجاء الله، ورجاء الآخرة، وذكر الله الكثير. في كلمة (رجاء) معنى الانتظار. فالمتأسون برسول الله ﷺ هم المقبلون على الله تعالى، المنتظرون لقاءه، الراجون مغفرته، اشتغلوا بذكره آناء الليل وأطراف النهار، يسبحونه ويمجدونه، عن الدنيا الهاجمة عليهم من كل المنافذ، تُغريهم وتدعوهم ليرتَموا في أحضانها.
جاءت هذه الآية الشريفة في سورة الأحزاب، في سياق وصف الله عز وجل لموقف الرسول الكريم، وموقف المؤمنين، وموقف المنافقين والذين في قلوبهم مرض. ذكرُ الله في سعة العافية وأمن المسجد والخلوة ذكر عظيم لكن ذكر الله في ساحة الوغى، والعدوُّ محيط، والخوف سار في الأفئدة، ذكرٌ أكبر لأن الذاكر لله الموقن به، بنصره أو لقائه كلاهما مطلب حسن بل أحسن، يصدر عن إيمان أقوى من المصلي التالي الذاكرِ في المسجد والخلوة. وهذا لا يقدر عليه إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن تأسى بهم، واستند إليهم بالصحبة والملازمة والطاعة والاتباع والوفاء بالبيعة الجهادية.
الإحسان، ج1، ص: 219-220
أضف تعليقك (0 )