مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

قضايا الأمة

الرحم الإنسانية

الرحم الإنسانية

الرحم الإنسانية:

وإن ما أوجبه الله عز وجل على المؤمنين من القتال من أجل المستضعفين يهدف بالنية الواعية إلى إزالة عوائق الظلم عنهم لتتأتى لهم فرصة الاستماع لبلاغ الإنذار وبيان البِشارة. فلا يسمع المشغول بقوت يومه مَن يحدثه عن غد بعيد. وما ابتلى به الله عز وجل العبادَ الـمُترفين من زينة الحياة الدنيا عائق آخر، يُكوِّن مع عائق الحرمان توازُنَ الشقاء والعذاب. فالدعوة تأتي هؤلاء وأولئك بالبلاغ، ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾،الشورى، الآية 48. ويفعل الله عز وجل بالعباد ما هم أهله، يُرديهم كفرُهم أو ينفعهم إيمانهم.

وإن من كمال الإيمان وشرط الدعوة أن يُؤَرِّقنا هَمُّ المحرومين من النوعين، وإن كان الهم بالمستضعفين أسبقَ فلا ينبغي أن يحجب عنا همّ الآخرين. فالعبادُ رَحِمٌ واحدة، وصِلَتُها بالشفقة والإحسان خصلة إيمانية إحسانية رفيعة. وأيُّ إحسان أحسنُ وأرفع من تنبيه الغافل وإعلام الجاهل وإنذار المستهين وتبشير السادِر بما ينتظر العباد بعد الموت.

رحِمٌ واحدة هي رحِم الإنسانية، وحقوق الإنسان، في مقدمتها حقه الأسمى، يُمليها على المؤمنين الأمر الإلهي العَليُّ إن كانت تُمليها على النظراء الفضلاء الخلُقيين ما فيهم من مروءة. قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾. النساء، الآية 1.

تَسَّاءلون: تُسْألون عن الرحِمِ الآدمية هل أديتم حقها. في مقدمة حقها البلاغ والبيان والشهادة بالسلوك النموذجي والإحسان، والجهاد الدائم لكشف عوائق الظلم حتَّى يسمَع الناس جميعا كلام الله. تعالى الله.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بهذه الشهادة يقول: «اللهم ربَّنا ورَبَّ كلِّ شيء ومليكَه، أنا شهيد أنك الله وحدك لا شريك لك. اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكَه، أنا شهيد أن محمدا عبدُك ورسولُك. اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه، أنا شهيد أن العبادَ كلُّهم إخوة». رواه الإمامان أحمد وأبو داود.

شهادةُ أنَّ العبادَ كلّهم إخوةٌ في الرحِمِ الآدمية تُلزم الشـاهد واجبـاتٍ تُجاهَ الإنسانية لا تنافي ولا تزاحم ولا تعطِّل الإلزام الوَلائي بين المؤمنين، والاصطفاف في صف المسلمين. فشرط ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾سورة الفتح، الآية 29. قائم بسيف ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾سورة الكافرون، الآية 6 يمنعنا عن الرخاوة والهشاشة التي تُزلق إلى «المثلية البشرية».

بِر الرَّحِم الآدمية يحبهُ الله الجليل الرحيم. قال عز من قائل: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.سورة الممتحنة، الآية 8.  العدل، الإسلاميون والحكم، ص 369-371.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد