تُطاوَع نزوة عشق، أو يُساء اختيار زوج، فتكشف المعاشرة الزوجية ما كان دَسَّه ودسّاه التظاهر، وما كان عمّاه سوء التقدير، وما كانت غَمَّته القفزة العاطفية. ويفتح الإسلام بحكمته بابا للخروج فيشرع الطلاق.
الطلاق كشف حساب. الطلاق كارثة. الطلاق أبغض الحلال إلى الله كما جاء في الحديث. إن لَم يستَبِدّ العقل والموازين الدينية الخلقية عند الاختيار، فإن العقل يستغاث به عند الأزمة لينقذ الموقف. بهذا أمر الله عز وجل حين كلفنا بالنظر والمساعدة قبل الزواج في قوله: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ﴾. (سورة النور، 32) وبهذا كلفنا وأمرنا عند ظهور أمارات الخراب في قوله عز من قائل: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾. (سورة الطلاق، 1) حَكَم من أهله وحكَم من أهلها، عاقلان رائدهما الحكمة لا العاطفة.
ليس قصدي هنا أن أتعرض لأحكام الطلاق إلا بالتنبيه المؤكد إلى جِدِّيَّة ما يتلفظ به الزوج في غضبه وهزله. فربما ينطق بكلمة تُحرم زوجه عليه، أو يجهلان أحكام الشرع في الطلاق والعدة فيلعبان بدينهما.
وأتعرض للطلاق وما يترتب عليه من ضياع المطلقة وذريتها لنبحث عن وسيلة لإلجام الطلاق وتخفيف الكوارث الاجتماعية ومعاناة المشَرَّدات من بيوتهن. هذا اللجام نقرأه في كتاب الله عز وجل في قوله: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. (سورة البقرة، 239) اختلف أئمة الفقه رحمهم الله في فهم الأمر بالمتاع، فقال المالكية: المتاع إحسان إلى المطلقة مستحَبٌّ للتي سُمِّي صداقها، واجب للتي طُلِّقَتْ قبل تسمية الصداق. وقال الحنفية والحنابلة مثل ذلك. أما الفقهاء الشافعية فاستدلوا بالآية واعتبروا تمتيع المطلقة حقا على المتقين. أي واجباً شرعياً.
ما كلفنا الله باتباع مذهب وتقليد فقيه. ومن ظن أن الإسلام يقبل أن تُلْقى المطلقة في الشارع مع أطفالها في عصر قاسٍ لا يرحم، انفصمت فيه عُرى التواصل مع العمات والخالات، وتعقدت فيه سبُل العيش، وكثرت فيه الحاجات، فإنما ينسب الحيف والظلم إلى شريعة العدل والإحسان.
نحتاج إذن لاجتهاد على نحو الفقه الشافعي مُعَزَّزا برعاية حق المرأة في الاحتفاظ بسقف يؤويها في عصور من سمات أزمتها نُدرة السّكن وغلاء السكن: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾. (سورة الطلاق، 1) إلى تمام عدتهن. هذا أمر لا ينبغي أن نَلْقَى به شرط الميثاق الغليظ: ﴿إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾. (سورة البقرة، 227) أي إحسان أن تُشرد المطلقة في مدُن الإسمنت القاسية؟ لا ينبغي أن نَلْقَى بالأمر الإلهي أمراً آخر لننقضه. بل الاجتهاد رعاية المصلحة العادلة.
كنا في إصلاح ما فسد. فلنعد إلى تنوير طريق العقل والحكمة. تنقشِع مراهقة قيس وليلى، فلا يبقى ما يعَوّل عليه ويُعتمد إلا الثقة والميثاق الغليظ: وهما القِوام الديني الخلقي في الزواج. لذلك أحاط الشرع الزواج بضمانات ليتحكم العقل في بناء أركانه لا العاطفة، وليكون البناء من حَجر الاختيار العقلي وحديد الأمانة الإيمانية لا من طِلاء الإعجاب بالمظاهر.
تقرأ الشَّوَابُّ ويقرأ الشبان قصص الغرام، ويشاهدون أفلام الأحلام، فتتمثل لهم السعادة في ممثلة وممثل. ويختار الشّواب والشبان وَفق الشهوة الخيالية، وسرعان ما تتبخر الأحلام، ويصدِم الواقع الخيال، ويرتطم المركب بالصخور.
[…] من تغليب العقل على العاطفة في الزواج أن أباح الشرع التشارُط قبل العقد. تشترط هي ويشترط هو ما لا يصطدم مع الشريعة. في كتاب النكاح من صحيح البخاري: «باب الشروط في النكاح». روى فيه عن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أحق ما أوفيتم من الشروط أن تُوفوا به ما استحللتم به الفروج». قال الحافظ ابن حجر معقبا على هذا الحديث: «الحديث عندهم محمولٌ على الشروط التي لا تُنافي مقتضى النكاح، بل تكون من مقتضياته ومقاصده، كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى. وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها. وكشرطه عليها أن لا تخرج إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه، ونحو ذلك».
واختلف الفقهاء في شرط أن يكون طلاقها بيدها. يعني أنها تطلق نفسها منه إن شاءت. فيرى الحنفية أنه شرط صحيح. ويرى المالكية أنه فاسد.
وقد جعل الله عز وجل الطلاق إلى الرجل اعتمادا على قوامته وقربه من ضبط النفس عند الغضب. والاجتهاد الحنفي معتَبَرٌ شرعا. فرُبّ رَجُلٍ لا تُؤْمَنُ غوائِله، فيكون الاحتياط منه والرّيبة فيه وسيلة للاحتماء منه بالشرط. لكن زواجا بدأ بالشك والحديث عن الطلاق المحتمل زواجٌ واهن من الميلاد.
أضف تعليقك (1 )