مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

قضايا فكرية

العقل المسلم وقراءة التاريخ

العقل المسلم وقراءة التاريخ

بعد حين من الدهر استقرئ حصيلة التاريخ، أو اقرأ سنة الله منذ الآن في قوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً﴾ وقوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً﴾-1؟
من الخلل العميق في العقل المسلم المغزو قراءته للتاريخ ونظرته إلى المستقبل من وجهة النظر المادية. ذلك مما صبغ به الفكر الغافل عن الله وعن سنة الله، الجاهل بها، الجاهلي، تفكير المسلمين. قنوات الفكر الاستشراقي سكبت في عقولنا بواسطة المغربين. برامج التعليم الاستعماري سطحت في أعيننا التاريخ فلا نرى ماضيه ومستقبل توقعاته إلا صراعا بين البشر، وموازين قوى، ودنيا بلا آخرة، وغالبا ومغلوبا، وسعيا على الأرض لا معنى له لإنسان عبث وإنسانية مرمية في الأرض.
ضخمت البرامج التعليمية المنقولة عن الأجانب الجاهليين التاريخ السياسي للمسلمين، والصراع الداخلي بين المسلمين. وغيبت تاريخ الإيمان، واستمرار الإسلام، وصلاح الدين، وفوز المفلحين.
تاريخ الإيمان والإسلام والصلاح والفلاح أخبارها منسية، ونكت وثرثرة لا معنى لها في لغة قوم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.
ويستدرج المؤرخ المادي مُجادلَه الإسلامي فيخرجه من أرضية الكمال إلى أرضية البتر، فإذا بنا نقارن الأرض بالأرض والعضلات بالعضلات، والممتلكات بالممتلكات، ساهين عن سنة الله وعن لب الوجود ومعنى الوجود.
كمن ركب في قطار متوجه قاصد، فإذا بطول معاشرته لركاب القطار تنسيه القصد، وتحصر له العالم في ركب القطار، ويشغله الحوار معهم حتى يزول من ذهنه أنه سفر.
الأرضيات والمروآت قدْر مشترك، وقدَر وبلاء، وكسب أو عجز.
والقضية ماذا نحن، وإلى أين، ومن أين؟
في أرض الجاهليين أقيمت ناطحات سحاب علومية متناثرة في مدينة الجاهلية المجنونة. علوم الذرة قوة فظيعة، علوم الإلكترونيات والحاسوب دوامة مذهلة، علوم الطب والهندسة الوراثية أفق مخيف، فمن يتركك لتنجمع على ذاتك وتذكر ربك ولقاءه ؟ من يعفيك لحظة ويطفئ الشاشة الأرضية ويغلق النافذة المقارنية لتخرج إلى فضاء سنة الله تتأمل المستقبل بثقة وتعتبر بالتاريخ ؟
التاريخ لبه بعثة الأنبياء عليهم السلام لهداية الخلق. تاريخ مضى بعث الله فيه نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلى الله عليه وعليهم وسلم. وتاريخ مقبل نكون فيه سائمة من الأنعام إن لم نتشبع بالرسالية التي أنطقت في بساط رستم ذلك الخارج من مسجده بقرآنه يبثها فصيحة واثقة قوية: «الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. فأرسلنا إلى خلقه لندعوهم إليه».

عبد السلام ياسين، محنة العقل المسلم، ص 96- 97.

أضف تعليقك (1 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد