كلف الله سبحانه الرجال بمهمة القوامة، والنساء بمهمة الحافظية في قوله جل وعلا: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾.سورة النساء، 34.
في الفصل الـمُقبل إن شاء الله نتحدث عن القوامة. ونبدأ هنا في استكشاف وظيفة المرأة من خلال هذه الآية الكريمة، ومن خلال التكليف العام الشامل للزوجين الرجل والمرأة في خطابه تعالى العام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾. في الخطاب العربي يُغَلّب التذكير في الحديث عن الجمع.
أول ما نتبين من وظيفة المرأة في الآية الكريمة أنها حافظة للغيب. كلمتان توحي إحداهما بمفهومها أن هناك ما يضيع إن لم تحفظه، وتوحي الثانية بأن هناك غيبا وحضورا. لهذا وضعنا للفقرة عنوان «حضرة الحافظية» إشارة للمفهومين الأساسيين في المسألة.
الحفظ استمرار واستقرار هما قطب السكون في الحياة الزوجية وحياة المجتمع. النساء بفطرتهن يحفظن استمرار الجنس البشري بما هن محضن للأجنة، وحضن للتربية، ومطعمات، وكاسيات ومدبرات لضرورات معاش الأسرة. هن المحضن لأجسام الأنام، والراعيات لحياتهم، والوصلة الفطرية بين أطراف البشرية، والواسطة بين جيل وجيل.
قرأنا في الفقرة السابقة ما ينغص سكون المرأة بالخصاص في مادياتها، وفي الفقرة قبلها قرأنا ما لا يكون بدونه استقرار من تواد وتحاب وتواصل. هنا ننظر إن شاء الله في الأهداف والمقاصد والوظيفة، لتعرف المؤمناتُ ما هو الحفظ وما هو الضياع، وليعرفن ما هو الغيب الذي إن حفظنه بما حفظ الله كن من الصالحات القانتات، ونلن بذلك رضى الله عز وجل.
حِفظ إذاً وغيب. الحفظ وُجْد، والضياع تلف. ما هو أثمن شيء في حياة الأمة استحق أن ينَبه الله تعالى عليه في كتابه الحكيم وينيط المرابطة عليه بشطر الإنسانية، بشطر الأمة، بشطر البيت المسلم؟ لا شك أنها مهمة كبيرة تلك التي تَعْدِلُ بين قوامة الرجل وحافظية المرأة ليحمل الرجل والمرأة عبئها. هذه المهمة هي عبادة الله تعالى، تلك العبادة المعلولة بخوف العقاب الأخروي ورجاء الجنة ورضى المولى وقربه. هي رحلة الرجل والمرأة في دنياهما، ومن دنياهما، وعبر دنياهما إلى ما يرجوان من صلاح آخرتهما.
في أداء هذه المهمة، وفي التعاون على تمام الرحلة وسلامتها، يتكامل حضور أحد الرفيقين وغيابهما. حضوره هو الفطريّ في مجالات الكسب والمدافعة والسعي على العيال يغيبه عن مجالات إن لم تحفظها المرأة ضاعت.
قبل أن ننظر في مجالات غيابه وحضورها نقف عند كلمات قرآنية هي المفتاح والدليل إلى توزيع المهام وتكاملها وشمولها. قال تعالى: ﴿حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾.1 ما حفظ الله. ما هنا سواء اعتبرناها موصولية أو مصدرية تؤدينا إلى قراءة: بما حفظ الله، أي بحفظ الله، بالذي حفظ الله. أي أن حافظية المرأة هي تحمل ما كلفها به الشرع، وما حفظه الله من آياته العاصمة للشرع: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.2
حافظيتها إذا لا تقصُر على حفظ حقوق الزوج بل تشمل كل حقوق الله المكلفة بها الزوج. حافظية الصالحات القانتات في المجتمع المسلم لا تقتصر على شُغل بيوتهن وإرضاء أزواجهن، بل تنطلق أولا من إرضاء الله عز وجل وترجع إليه.
تابع القراءة في عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 2، ص 81-82.
أضف تعليقك (0 )