وما ندرج في تاريخ المسلمين من جهاد النبوة فهو على وجهه الظاهر نقتدي بسنته. ومن سنته أن البشر بشر، وأن ما نُقل إلينا من أخطاء الصحابة رضوان الله عليهم، وما تدسس من المنافقين بين ظهراني المجتمع الفاضل ذاك، وما تخلف عن الجهاد من متخلف، وما تشاجر من اختلاف، وما أثم من آثم، إن هو جميعا إلا درس لكل جيل مسلم لكي يقبل كل جيل شروط ابتلاء الله سبحانه عباده على اختلاف الزمان والمكان والظروف.
كل ذلك درس واحد، مندمجا مع الهدي النبوي، جزءا من ماهية التربية النبوية، موضوعا لها. جنبا إلى جنب تتعايش وتتلاقح مع الفضائل العليا، ومع رفيع التقوى، والأعمال الصالحة السنية تصدر من أهل الصف الأول المهاجرين والأنصار. لا يضير خطأ من أخطأ، وجبن من جبن، واسترخاء من استرخى فتوة الجهاد ورجولة البذل، وإنما تشير إليها وتكملها كما تكمل ظلال اللوحة اللوحة.
إن تاريخا يقف متحجرا مزينا في مخيلتنا، يضفي على كل التراث المجيد حلة القداسة، ما هو إلا حجاب بيننا وبين نور الوحي الذي أنزله الله تعالى لأهل الأرض ليسعى على ضوئه أهل الأرض بتكليف واحد الروح متجدد الأسلوب.
المنبع والنبع
لا يمكن ولا ينبغي أن ننخلع عن شيء من تاريخنا. لكن نظرتنا التقديسية إلى منبع الإسلام العلوي المصدر الأرضي النشأة كما أراده الله أن يخرج من بين طينتها ونفخة القدس، توشك أن تعمي عيون بصائرنا عن العبرة في تنزل السماوي على الأرضي. هذا حق المنبع.
أما النبع الصافي والمثال العلوي فهو باق بين أيدينا بحمد الله وعنايته. هو قال الله وقال رسول الله وفعل وأقر. لا نلتفت إلى تشكيك المتمعشين فلاسفة التاريخ الذين يقاولون أيهم يثبت أن النصوص التي تعتمدها هذه الطائفة من المسلمين أو تلك ما هي إلا نتيجة مصالحة بين أهواء تحاربت وروايات أسندت مواقف سياسية.
لكل مقام مقال. ونرجع إلى ما يسد المسالك بين نشء نريده أن يشب على الارتشاف والكرع والارتواء من النبع الخالد، مباشرة وبلا واسطة مؤول. حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ص 129-130.
أضف تعليقك (0 )