ما هي وظيفة المنهاج النبوي؟
المنهاج على وزن مفعال صيغة اسم الآلة كمفتاح، والصيغة تحتمل المصدرية أيضا كمعراج أو اسم المكان كمرصاد. ومعنى الكلمة لغة يفيد السلوك والوضوح. قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: «النهج الطريق الواضح، ونهج الأمر وأنهج وضح. ومنهج الطريق ومنهاجه«.
هذه الجذور اللغوية. ومن تعريف ابن عباس رضي الله عنهما للمنهاج بأنه السنة يمكن أن نحدد وظيفة المنهاج بأنه وضوح وتوضيح يتبعهما سلوك على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو آلة للعلم ومرشد للعمل، وهو في نفس الوقت مادة العلم وبرنامج العمل، لا ينفصل المنهاج آلة للعلم والتوضيح عن المضمون العلمي والعملي للمنهاج الطريق.
أصحاب الإديولوجيات يميزون بين المنهج «méthode» وبين المذهب «doctrine» فالجدلية مثلا منهج الماركسية، لكن المذهب الماركسي وتعاليمه المادية والطبقية ومطلبه في الحركة والتغيير والصراع، وتحليله التاريخي الاقتصادي الذي بني عليه المذهب كله، مادة زائدة على المنهج، وإن كان المنهج الجدلي المادي يتقمصها كما تتقمص النفس الجسد. أما المنهاج النبوي فهو كل لا يتجزأ، فالسنة النبوية طريق يسلك، النداء إلى الله عز وجل والاستجابة الإيمانية له كل لا يتجزأ في قلب المؤمن وعقله وحركته. فإذا كان من يطلع على السنة من أجل الاطلاع دون أن تظهر السنة سلوكا في حياته، ومن كان يقرأ القرآن ليطلع على ما هنالك دون أن يستجيب ويطبق ويأتمر فلا يمكن أن نقول إنه على صراط مستقيم، وبالتالي لا يمكن أن نقول إنه على المنهاج النبوي.
وظيفة المنهاج النبوي العلم والعمل مترابطين، النداء والاستجابة متلازمين، الرحمة والحكمة متعاضدتين، أمر إلهي وطاعة، خطة وتنفيذ معا، وإلا كان النفاق، نفاق الذين يقولون ما لا يفعلون.
أما بعد فإن المنهاج النبوي للمؤمن يكتسي من الأهمية ما تكتسيه الإديولوجية بالنسبة للمتحزب من غيرنا، ويؤدي نفس الوظيفة. وأهميته الإستراتيجية، أهمية التوضيح والتخطيط والتنسيق والتنفيذ، تجعل من العلم العملي، من سماع الأمر الإلهي بنيّة التنفيذ كما يقول سيد قطب رحمه اللّه، مسألة حياة أو موت.
هذه اللفظة «إستراتيجية» لفظة عسكرية في أصلها، أصبحت رائجة في لغة السياسة حين أصبح الصراع السياسي، طبقيا أو مصلحيا، والصمود له مسألة حياة أو موت كما هي الحال في الحروب. الإستراتيجية: «فن توجيه الجهود العسكرية وتنسيقها مع الجهود السياسية والاقتصادية والأخلاقية لقيادة حرب أو دفاع”.
هذه وظيفة المنهاج: توجيه وتنسيق لجهود، لجهاد، في أهداف واضحة، ومسلك نموذجي. هناك كلمة «تكتيك» وهي أيضا لفظة عسكرية تعني: «الناحية التنفيذية الجزئية لإستراتيجية ما”.
هذه المصطلحات أصبحت لغة عالمية، فكل متحدث عن حركة العصر وثقافته لا يستغني عن فهمها لأنه سيلتقي بها منتصراً أو مهزوماً: مسألة حياة أو موت.
المصدر: الإمام عبد السلام ياسين، مقدمات في المنهاج، مطبعة الأمة، الطبعة الأولى 1989م. ص: 36 ـ 38
أضف تعليقك (0 )