مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

مصطلح الحديث

معرفة الإسناد العالي والنازل 1/2           

معرفة الإسناد العالي والنازل 1/2           

مقدمة

الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة دون سائر الملل[1]، وسنة بالغة من السنن المؤكدة،، فعن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه أنه قال: “الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء”[2]. وطلب الراوي العلو فيه سنة أيضا، ولذلك استحبت الرحلة فيه طلبه، قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: “طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف” .[3]وجاء عن يحيى بن معين رضي الله عنه أنه قيل له في مرضه الذي مات فيه: ” ما تشتهي؟ قال: “بيت خالٍ، وإسناد عالٍ”[4]. وقال سفيان بن عيينة: “حدّث الزهري يوما بحديث؛ فقلت: هاته بلا إسناد؛ فقال الزهري: أترقى السطح بلا سلم”[5].

ولذلك كان السلف الصالح رحمة الله عليهم يعدّون الإسناد سلاح المؤمن، وينهون عن إسقاطه غاية النهي، حتى أنهم لم يرووا حكايةً ولا شعراً إلا بالإسناد إلى المروي عنه، حتى لا يدعي أحدٌ كلام غيره أو شعر غيره، فقد فعله كثيرٌ ممن فضحه الله ببركة الإسناد وجهابذته، فما ظنك بالحديث والتفسير والفقه الذي هو علم الشريعة الربانية.

تعريف الإسناد العالي: والإسناد العالي يراد به عند أهل الحديث ما قربت حلقاته من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن الحديث العالي الإسناد هو من قلّ رجال روايته .

ومن فوائد العلو أن يبعد الإسناد من الخلل، لأن كل رجل من رجاله يحتمل أن يقع الخلل من جهته سهوا، أو عمدا، ففي قلتهم قلة جهات الخلل، وفي كثرتهم كثرة جهات الخلل، وهذا جلي واضح.

أقسام العلوّ:

العلو المطلوب في رواية الحديث كما نص ابن الصلاح رحمه الله على أقسام خمسة:

الأول: ما يسمى بالعلوّ المطلق، وهو القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد نظيف غير ضعيف، وهذا من أجلّ أنواع العلو، فعن محمد بن أسلم الطوسي الزاهد العالم رضي الله عنه أنه قال: “قرب الإسناد قرب أو قربة إلى الله عز وجل”[6]؛ لأن قرب الإسناد قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقرب إليه قرب إلى الله عز وجل.

وهذا القسم كما سبقت الإشارة أفضل الأقسام بشرط أن يكون الإسناد صحيحا خاليا ممن يُتهم، ولا فضل فيه إن اشتمل على بعض أهل الكذب ممن ادعى السماع من الصحابة الكرام.

الثاني: ما ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ، القرب من إمام من أئمة الحديث، وإن كثر العدد من ذلك الإمام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا وجد ذلك في إسناد وصف بالعلو، نظرا إلى قربه من ذلك الإمام وإن لم يكن عاليا بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن الصلاح: “وكلام الحاكم يوهم أن القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعد من العلو المطلوب أصلا. وهذا غلط من قائله؛ لأن القرب منه صلى الله عليه وسلم بإسناد نظيف غير ضعيف أولى بذلك. ولا ينازع في هذا من له مسكة من معرفة، وكأن الحاكم أراد بكلامه ذلك إثبات العلو للإسناد بقربه من إمام، وإن لم يكن قريبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنكار على من يراعي في ذلك مجرد قرب الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان إسنادا ضعيفا، ولهذا مثل ذلك بحديث أبي هدبة، ودينار، والأشج، وأشباههم، والله أعلم”[7].

الثالث: العلو المقيد بالنسبة إلى رواية الصحيحين، وبقية الكتب الستة. وسماه ابن دقيق العيد: ‌علو ‌التنزيل[8]، وهو أربعة أنواع: الموافقة، والبدل، والمساواة، والمصافحة.

 

[1]  ـ قال ابن حزم: “نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال، خص الله به المسلمين دون سائر الملل، وأما مع الإرسال والإعضال فيوجد في كثير من اليهود، لكن لا يقربون من موسى قربنا من محمد صلى الله عليه وسلم، بل يقفون بحيث يكون بينهم وبين موسى أكثر من ثلاثين عصرا، وإنما يبلغون إلى شمعون ونحوه. قال: وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق فقط، وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب أو مجهول العين فكثير في نقل اليهود والنصارى”. السيوطي، تدريب الراوي، تحقيق محمد الفاريابي، دار طيبة، 2/604
[2]  ـ مقدمة ابن الصلاح، تحقيق ابن عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى 1995م، ص: 156
[3]  ـ مقدمة ابن الصلاح، ص: 156
[4]  ـ مشيخة القزويني، ص:86
[5]  ـ تدريب الراوي، 2/605
[6]  ـ مشيخة القزويني، ص: 86
[7]  ـ مقدمة ابن الصلاح، ص: 157
[8]  ـ العراقي، شرح التبصرة والتذكرة، تحقيق: عبد اللطيف الهميم وماهر ياسين فحل، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان،  الطبعة: الأولى، ١٤٢٣ هـ – ٢٠٠٢ م، 2/62

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد