مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

مصطلح الحديث

معرفة الإسناد العالي والنازل 2/2           

معرفة الإسناد العالي والنازل 2/2           

تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن أهمية الإسناد في الدين، وأنه خصيصة من خصائص الأمة الإسلامية، وأشرنا إلى تعريف الإسناد العالي وأقسامه الخمسة، وتوقفنا في القسم الثالث المتعلق بالعلو المقيد بالنسبة إلى رواية الصحيحين، وبقية الكتب الستة. وهذا القسم أربعة أنواع: الموافقة، والبدل، والمساواة، والمصافحة.

أما الموافقة: فهي ان يروي المحدث حديثا موجودا في أحد الكتب بإسناد نفسه، فيصل في إسناده إلى شيخ مصنف الكتاب من غير طريق المصنف ولو أنه رواه من طريق المصنف لزاد عدد رجال السند، وقد ذكر ابن حجر مثالا لذلك، قال رحمه الله: “ومثاله: روى البخاري عن قتيبة عن مالك حديثا …فلو رويناه من طريقه؛ كان ‌بيننا ‌وبين ‌قتيبة ثمانية، ولو روينا ذلك الحديث بعينه من طريق أبي العباس السراج عن قتيبة مثلا؛ لكان  ‌بيننا ‌وبين ‌قتيبة مثلا فيه سبعة. فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسناد على الإسناد إليه”[1].

وأما البدل: فقال ابن الصلاح: “فمثل أن يقع لك هذا العلو عن شيخ غير شيخ مسلم هو مثل شيخ مسلم في ذلك الحديث. وقد يرد البدل إلى الموافقة، فيقال فيما ذكرناه إنه موافقة عالية في شيخ شيخ مسلم، ولو لم يكن ذلك عاليا فهو أيضا موافقة، وبدل، لكن لا يطلق عليه اسم الموافقة، والبدل لعدم الالتفات إليه”[2].

وأما المساواة: فهي أن يتساوى عدد الإسناد من المحدث إلى آخر السند مع إسناد أحد المؤلفين، وقد ذكر ابن حجر أنه قد وقعت له أحاديث بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيها عشرة رجال، وقد وقع للنسائي حديث عدد رجاله كذلك، فتساوى ابن حجر مع النسائي في عدد رجال الإسناد[3].

وأما المصافحة: فهي أن يروي المحدّث حديثا بإسناد لنفسه فيقع عدد رجال إسناده زائدا عن عدد رجال مؤلف الكتاب، ويكون عدد الزائد رجلا واحدا، فيكون المحدث كأنه قابل صاحب الكتاب، فروى عنه، ولذلك قال ابن حجر: “وسميت مصافحة لأن العادة جرت في الغالب بالمصافحة بين من تلاقيا”[4].

القسم الرابع:  العلوّ بتقدم وفاة الراوي:

قال ابن الصلاح في بيان المعنى المراد من هذا النوع الرابع من العلو: “من أنواع العلو: العلو المستفاد من تقدم وفاة الراوي: مثاله ما أرويه عن شيخ، أخبرني به عن واحد، عن البيهقي الحافظ، عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ أعلى من روايتي لذلك عن شيخ، أخبرني به عن واحد، عن أبي بكر بن خلف، عن الحاكم، وإن تساوى الإسنادان في العدد، لتقدم وفاة البيهقي على وفاة ابن خلف، لأن البيهقي مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ومات ابن خلف سنة سبع وثمانين وأربعمائة. روينا عن أبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي الحافظ رحمه الله، قال: ” قد يكون الإسناد يعلو على غيره بتقدم موت راويه، وإن كانا متساويين في العدد “[5].

وقد مثل الإمام النووي لهذا النوع من العلوّ بقوله:”فما أرويه ‌عن ‌ثلاثة ‌عن ‌البيهقي عن الحاكم أعلى مما أرويه عن ثلاثة عن ابن خلف عن الحاكم لتقدم وفاة البيهقي عن ابن خلف، وأما علوه بتقدم وفاة شيخك فحده الحافظ ابن جوصا بمضي خمسين سنة من وفاة الشيخ، وابن منده بثلاثين”[6].

القسم الخامس: العلوّ بتقدم السماع:

فمن تقدم سماعه من شيخ كان أعلى ممن سمع من ذلك الشيخ بعينه بعدَه، فعن محمد بن طاهر الحافظ قال: “من العلوّ تقدم السماع”[7].

مثّل ابن الصلاح لهذا القسم بقوله: “مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد، وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا، وسماع الآخر من أربعين سنة. فإذا تساوى السند إليهما في العدد، فالإسناد إلى الأول الذي تقدم سماعه أعلى”[8]، ومعنى ذلك أن من سمع من الشيخ حديثا كان أعلى ممن سمع منه أخيرا، فهما وإن سمعا من شيخ واحد إلا أن سماع أحدهما سابق على سماع الآخر.

الإسناد النازل:

النازل ضد العالي، وهو ما يكون سنده بعيدا، لذلك صار أضعف من العلو.

وأقسام النازل خمسة تقابل أقسام العالي الخمسة وتخالفها في السند. قال ابن الصلاح: “إن النزول مفضول مرغوب عنه، والفضيلة للعلو على ما تقدم بيانه ودليله.

وحكى ابن خلاد، عن بعض أهل النظر أنه قال: “التنزل في الإسناد أفضل”، واحتج له بما معناه أنه يجب الاجتهاد، والنظر في تعديل كل راو وتجريحه، فكلما زادوا كان الاجتهاد أكثر. وهذا مذهب ضعيف، ضعيف الحجة، وقد روينا عن علي بن المديني، وأبي عمرو المستملي النيسابوري أنهما قالا: “النزول شؤم””.[9]

وحاصل القول، فإن طلب العلوّ في السند مرغوب فيه لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ، لأنه ما من راو من رجال الحديث إلا والخطأ جائز عليه، فكلما كثرث الحلقات والوسائط وطال السند كثرت مظان تجويز الخطأ، وكلما قلّت الوسائط وحلقات السند قلّت مظان تجويز الخطأ.

[1]  ـ ابن حجر، نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، تحقيق نور الدين عتر، مطبعة الصباح، دمشق، الطبعة الثالثة، ١٤٢١ هـ – ٢٠٠٠ م، ص: 117
[2]  ـ مقدمة ابن الصلاح، ص: 158
[3]  ـ ينظر كمال الدين الطائي، رسالة في علوم الحديث وأصوله، تقديم محمد خليفة التونسي،  طبعة 1971م، مطبعة سلمان الأعظمي، بغداد، 117
[4]  ـ ابن حجر، نزهة النظر، ص: 118
[5]  ـ مقدمة ابن الصلاح، ص: 159
[6]  ـ النووي، التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث، محمد عثمان الخشت، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٥ هـ – ١٩٨٥م، ص: 85
[7]  ـ مقدمة ابن الصلاح، ص: 160
[8]  ـ نفس المصدر، 160
[9]  ـ مقدمة ابم الصلاح، 160 ـ 161

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد