مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

التزكية والدعوة

قراءة مختصرة في كتاب “السّلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين”

قراءة مختصرة في كتاب “السّلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين”

قراءة مختصرة في كتاب “السّلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين”

لمؤلفه الأستاذ عبد الكريم العلمي

هذا الكتاب الذي بين أيدينا يعتبر بحقّ مرجعا أساسيا في السلوك إلى الله تعالى في وقتنا الحاضر على المنهاج النبوي، ذلك المنهاج الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم، والذي كان نموذجا في الجمع بين الصحبة والجماعة، وبين الإيمان والجهاد، وبين العدل والإحسان، وبين الفرد والجماعة، وبين الدنيا والآخرة.

في هذا المقال أحببت أن تكون لي معه وقفات لعلّي أبلِّغ بعض أفكاره لمن لم يتمكن بعد من قراءته، وهذه الوقفات أجملها في ستة:

1-وقفة مع العنوان: “السلوك إلى الله”، بعبارة أخرى منهاجية “اقتحام العقبة إلى الله”. ففي معجم المعاني: السلوك: سيرةُ الإنسان وتصرفُه واتجاهُه. ومنه: علم السلوك: وهو علم الأخلاق. ومنه: السلوك: الطريق لمعرفة الله برياضة الروح والجسد. ومنه: من سلَك طريقا: سار فيه.

نفهم من هذا أن “السلوك إلى الله” هو سير للإنسان بكليته في الطريق إلى الله تعالى، هو وجهة وقصد، حركة ومشي، قطع للمسافات، انقطاع إلى الله، وفرار إليه، وعجلة وهجرة كما جاء في القرآن. قوله: “عند الإمام عبد السلام ياسين” بمعنى أن للإمام تصوره الخاص تفرّد به عن غيره في هذا الزمان حول قضية السلوك، سواء في الكتابة أو الممارسة، في التنظير أو التجربة الشخصية.

2-وقفة مع صاحب الكتاب: هو الأستاذ عبد الكريم العلمي عضو مجلس الإرشاد ورئيس مجلس الشورى، قد أبلى البلاء الحسن في الدعوة إلى الله تعالى تهمّما ومسؤولية وتربية وتنظيما وجهادا واجتهادا. تقبل الله منه.

3-وقفة مع التقديم: قام بالتقديم للكتاب الأستاذ فتح الله أرسلان عضو مجلس الإرشاد والناطق الرسمي باسمها، ونائب الأمين العام. وتقديمه باختصار يدور حول أهمية السلوك إلى الله وضرورته، وكيف تطور مع الوقت من سلوك إلى الله مقترنا بالجهاد على عهد النبوة والخلافة الراشدة إلى سلوك إلى الله فردي منفصل عن الجهاد بعد ذلك. وكيف عانى هذا السلوك من أمرين خطيرين: الانعزالية والابتداع. وكيف انبرى الإمام رحمه الله مجتهدا بهدي المنهاج النبوي في هذا الزمان ليجمع بينهما من جديد بفكر وممارسة تجديديين.

4-وقفة مع المقدمة: يستعرض الكاتب الأستاذ عبد الكريم العلمي في المقدمة السياق الذي جاء فيه الكتاب، ذلك أنه كان فكرة قبل رحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، ثم تأكّدت الفكرة بعد رحيله.

وفي المقدمة يشير الكاتب إلى أن السلوك إلى الله من أشرف العلوم وأجلها. وأن الهدف من هذا الكتاب هو لِبيان نظر وموقف وعمل واحد من عظماء أئمة هذا الشأن ممّن منّ الله عليهم بالتجديد فيه لحاضر الأمة ومستقبلها ربطا لها بما صلح به أولها، وذلك من خلال تتبع واستقراء كل ما يتعلق بهذا الموضوع وما يتفرغ عنه في فكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله وكتاباته ومجالسه ورسائله وتوجيهاته الخاصة والعامة.

5-وقفة مع المضمون: انصبّ اهتمام الكاتب في هذا الكتاب حول أربع قضايا مترابطة ومتداخلة ومتكاملة في ميدان “السلوك إلى الله” عند الإمام رحمه الله تعالى. وهي:

أولا: قضية السلوك الجهادي.

ثانيا: قضية الصحبة والجماعة والصحبة في الجماعة.

ثالثا: قضية السلوك الجماعي المتزن.

رابعا: قضية الجماعة والشورى.

وتحت كل قضية من هذه القضايا مجموعة من الفصول والمباحث والعناوين التي تفصلها وتشرحها.

الفصل الأول: من الصحبة الفردية إلى الصحبة في الجماعة

تحدث في هذا الفصل الكاتبُ عن السلوك عند الإمام رحمه الله، كيف بدأ بيقظة عامة صوفية ثم يقظة قلبية أعقبتها يقظة فكرية ثم يقظة جهادية بعد ذلك، وكيف بدأ تجربته من سلوك انتقل به من صحبة بدون جماعة إلى صحبة وجماعة، ومن سلوك إحساني فردي إلى سلوك جهادي جماعي.

وأضاف أيضا أنّ التهمّم الكبير للإمام رحمه الله بأمر الأمة وبالسؤال والجواب العملي لإخراجها من الفتنة، ثم البحث عن منهاج يجدد دينها، كان السبب في تأليف كتاب: “الإسلام بين الدعوة والدولة: المنهاج النبوي لتغيير الإنسان”. والذي أكد فيه الإمام على ثنائية الدعوة والدولة، وعرض فيه أيضا نماذج من قيادات حكمت الأمة. وهم عمر بن عبد العزيز ويوسف بن تاشفين وصلاح الدين الأيوبي وأرونيك زيب. هؤلاء حكموا بالتقوى والعدل لما صحبوا الأتقياء والأولياء من أهل الله. عرضهم كنماذج صالحة لعلّ الحكام الجبابرة يستفيدون من تجربتهم.

وأنّ هذا الكتاب الذي ألفه الإمام يمثل مرحلة أولى في عرض تجربته الشخصية من الصحبة المباركة التي دامت ست سنوات في الزاوية. بعدها جاءت مرحلة ثانية مع كتاب “الإسلام غدا”، الذي عرض فيه الإمام معالم المنهاج النبوي المتمثلة في الخصال العشر مرتين متتاليتين. ألحّ من خلالها كثيرا على الخروج من الإسلام الفردي إلى الإسلام الجماعي لبناء الأمة وإحيائها. صاحب هذا الإلحاح التعبير عليه في مواقف أعلن عنها عمليا:

أولا: برسالة موجهة إلى الحاج حمزة بعنوان: “جماعة الإرشاد”.

ثانيا: برسالة موجهة إلى ملك المغرب آنذاك بعنوان: “الإسلام أو الطوفان”. حيث سُجن على إثرها سنة 1974م. فكان السجن فرصة له لإدراج شعب الإيمان تحت الخصال العشر في كتاب “شعب الإيمان”.

أما المرحلة الثالثة فكانت بالتنظير للعمل الجماعي المنظم من خلال المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، الذي كان المقصد منه تأسيس الجماعة وبناؤها والحفاظ على وحدتها. وأنه لابد لهذه الجماعة من قيادة محسنة تربي أعضاءها على الإيمان والإحسان والجهاد. وكان هذا اللب الإحساني الجهادي في الجماعة هو القضية التي ألّف من أجلها الإمام كتاب “الإحسان” حتى يترسخ في القلوب والعقول والسلوك. فكان العنوان الكامل للكتاب في الحقيقة هو “الإحسان، السلوك الجهادي”. وهو النموذج الكامل للتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم.

الفصل الثاني: الحوار الأخير

تحدث فيه الكاتب عن جملة من الأمور، من أهمها:

 أولا: السلوك الجهادي: بأنه جمع بين مطلبي العدل والإحسان تنفيذا لأمر الله بالعدل والإحسان، فالسلوك يحيل على الإحسان، والجهاد يحيل على العدل. وهما مطلبان مترابطان لا يفترقان.

ثانيا: شروط السلوك الجهادي: وتتمثل في حضور هذا الأمر الجامع في ذهن السالك وأمام عينيه. يبتدئ سلوكه بتوبة وينتهي بجهاد مع الجماعة ووسط الجماعة ومن خلال الجماعة. فيكون قد جمع بين ثنائية الصحبة والجماعة. فكما لا يمكن الحديث عن الصحبة بدون الجماعة لا يمكن الحديث عن الجهاد بدون التربية.

ثالثا: الصحبة والجماعة والصحبة في الجماعة: فلا صحبة خارج الجماعة ولا جماعة خارج الصحبة. والصحبة تكون للأحياء وليس للأموات، لأن ذلك تبرك قد يُقعد عن السلوك الجهادي. وقد حرص الإمام رحمه الله دائما على وحدة الصحبة والجماعة بالمحبة وسلامة الصدر والصبر مع المؤمنين.

الفصل الثالث: الوصايا الثلاث

تحدث في هذا الفصل الكاتب عن الوصية التي تركها الإمام رحمه الله، وعن مقاصدها ومضامينها. وقد جمع رحمه الله هذه المقاصد في الترحم والتذكر والدعاء بهدف تحقيق التحاب والتزاور عبر الأزمان.

وفيه أيضا ركز الكاتب على ثلاث وصايا مهمة وهي: الأولى: الحفاظ على اقتران العدل والإحسان، والثانية: وجوب الجمع بين الجهادين جهاد إقامة دولة العدل وجهاد بلوغ مراتب الإحسان، والثالثة: الدعاء أن يُمسك اللهُ وحدةَ الصحبة والجماعة كما يُمسك السماوات والأرضَ أن تزولا.

في هذا الفصل أيضا حاول الكاتب أن يجيب عن سؤال آخر هو: كيف نبلغ هذا الإرث؟ فيلخص الكاتبُ الجواب الذي ذكره الإمام في أحد مجالسه المسجلة فيما يلي:

أولا: بالحفاظ على هذا الإرث وعدم تضييعه وتشتيته بالأنانية وحبّ الظهور الذي يُقصم الظهور.

ثانيا: بالتخلّق بأخلاق جماعة العدل والإحسان.

ثالثا: بالتزام الأوراد والأذكار (يوم المؤمن وليلته)، وخاصة الكلمة الطيبة لا إله إلا الله، الإكثار منها.

الفصل الرابع: ما العمل؟

سؤال مضمونه هو ما العمل بعد رحيل المصحوب؟ الجواب عند الإمام رحمه الله، حيث قال مجيبا عن نفس السؤال طُرح عليه، بأن صحبة الأموات هي مجرد تبرك، نحبهم وندعو معهم هذا نَعم، لكنّ الصحبة التي تبعث على السلوك الجهادي فتكون للأحياء ممن لهم قلوب مُنورة بنور الله تعالى. منهم وعلى رأسهم مجلس الإرشاد وإخوان آخرون. كيف يتم صحبتهم؟ عن طريق دستور المحبة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه عز وجل: “حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصين في، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في. المتحابون في على منابر من نور، يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء”. رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم والقضاعي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

وقد أفاض الكاتب في بيان أهمية هذا الحديث العظيم في التربية والتنظيم تأليفا للقلوب وتوحيدا للصفّ، حيث أورده الإمام في سياقات مختلفة وبصيغ متعددة وبأوصاف متنوعة. فوصفه بدستور المحبة، ودستور الصحبة، ودستور الأخوة، ودستور الرحمة… كل ذلك ليؤكد على أن “رباط الأخوة والتحاب في الله هو الطاقة التي لا تُغلب”. وأن أيّ خلاف أو كدر في القلوب إنما يُعالج بهذا الدستور الإلهي.

أشار أيضا الكاتب في هذا الفصل وتحت فقرة “عُنصر ثبات” إلى ثلاث قضايا مهمة وهي:

أولا: استمرار دعوة العدل والإحسان.

ثانيا: بقاؤها مرتبط بتمسك الخلَف بما أثّله السلف (الاتباع بإحسان).

ثالثا: فهمٌ منهاجي ينير الطريق في حاضر الجماعة ومستقبلها.

وعلى طول صفحات الكتاب تتتابع الأسئلة وتتناسل مرة بعد أخرى، وهذه المرة مع سؤال: من يخلف الإمام رحمه الله تعالى من بعده؟

فأوضح في الجواب عنه أنه مادامت الجماعة تسير على المنهاج النبوي، وأنها ليست بزاوية حتى تعتمد التوريث والتعيين، فإنها لا تحيد عن مبدأ الشورى في ملء الفراغ الذي تركه الإمام رحمه الله. والشورى تعتبر من لبّ الإحسان ومن جوهر العدل. ومع الشورى الاستخارة والاستشارة الواسعتين.

6-وقفة مع الخاتمة

في الخاتمة يعود الكاتب ليؤكد على بعض الأمور المهمة التي جاءت في دراسته، ومن أهمها:

أولا: تجربة الإمام الشخصية كيف جمعت بين التأليف في السلوك وبين التطبيق العملي، بين الجهاد العلمي والجهاد التربوي والتنظيمي، بين تجديد الدين والإيمان وبناء الجماعة.

ثانيا: الصحبة في الجماعة باعتبارها تنوب عن الصحبة المباشرة.

ثالثا: ضرورة السلوك الكامل بالجمع بين الإحسان والجهاد.

رابعا: دعوة الإمام للعارفين بالله أن يجمعوا الشمل ويقودوا الركب.

خامسا: نداء الإمام رحمه الله للعلماء العاملين بالاطلاع على مكتوباته المباركة للاستفادة منها. 

وحاصل الأمر، فإن الكتاب يعرض السلوك الجهادي كما مارسه الإمام رحمه الله في حياته، وكيف ينبغي للجماعة أن تمارسه في حياتها من بعده، وكيف لها أيضا أن تدلَّ الأمة عليه قياما بواجب المسؤولية تبليغا لأمانة العدل والإحسان. فجزى الله خيرا المؤلِّف عن كل ما أفاد به وأجاد ووضّح وبيّن، وجعل ذلك كله في ميزان حسناته.

 

أضف تعليقك (2 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد