مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

أدب وفن

خديجة علت قمما

خديجة علت قمما

قصيدة لا يليق أن تُنظم على عجل، لهذا قرأتها بخجل في يوم تأبين الراحلة التي لم ترحل، والغائبة التي لم تزل ملء كلِّ جنان، ذكر كل لسان لأنها منبتُ الأحرار حقا، ومشرق الأنوار صدقا، ومبتدا الخبر سبقا، وزوج الكامل المكمِّل دينا وخلقا. رحم الله الفقيدين السعيدين، ورزقهما ما عنده وما عند الله خير وأبقى، وزادهما بعد حسنى نَظرةًَ في الوجه هي من كل مُعطى أرضى وأرقى، والله خير مما عنده وأبقى.

يامن يقول بأن الموتَ غيبها…الموتُ ياصاحبي يحيي بغيبتها
تُرى يغيبُ شعاع الشمس إن غَربت…إلا ليشتاق صبٌّ عودَ طلعتها
تُرى يموت حبيب القلب إن دفنوا…جثمانَه، ليس ينسى الحبَّ من وَلَها
ذكرُ الحبيب عزاءٌ سُلوة وندى…فوق الجراح ومن يجفو الدُّنى انتبها
ذكرى الحبيبِ أنيسٌ رحمةٌ وهدى…وواعظ صامت بالحق أنطقها
ذكِّر بها ناسيا إحسانَ سابقة…لبت وآوت وشَعَّت كوكبا وسُهى[1]
ذكر بها ساهيا عن حظ عابدة…ذِكرُ الإله غدا ريحان مُضغتِها
ذكر بها لاهيا أردَته غفلتُه…في فتنة كلما استرخى عتا شرها
كانت مضاءً وعزما صادقا يقظا…كانت سخاءً ومن يأنس بها رفها[2]
ذكِّر بها من ذوي الأرحام حاضنة…أنعِم بمن وصلت بالخير عِتْرَتَها
ذكر بها أُمَّة كانت لها سندا…في كل نائبة كلٌّ رجى يدها
يامن يقول بأن الموت محضُ ردى…مُصيبةٌ وِردُها يُحصي الورى عددا
قل إنها تُحفةٌ للمؤمن ادُّخِرت…وعسَّلت من قضت والعمرُ ما نَفِدا
قل إنها عظة والوعظ صامتُه…يجيرك كالناطق الغالي إذا رفدا[3]
قل إنها جسرُ معراجٍ إلى قمم…في جنة الخلد أنعم بالجنان جَدا[4]
إن كنت جارَ شفيع الخلق أحمدنا…ومن تأسى به زوجا وقطبَ فِدَى
خديجة نعمت الفُضلى وقدوتُها…زوج النبي ومن لبَّى النِّدا وفدا
أعظم ببنتِ خويلدٍ كُنيةً فلها…من إسمها قِسمةً نالت بها مَددا
من دثرت زمَّلت آوته واحتضنت…كما خديجةُ كانت مثلَها عَمَدا
هذي لعدل وإحسان بنت قِببا…وتلك للدين كانت قِمَّة سَدَدا
هذي لياسين أفنت عمرها وتِدًا…لخيمة الدعوةِ الفُضلى بها امتهدا[5]
وتلك للمصطفى كانت كآسيةٍ…كلاهما كامل في سربه رشدا
هذي قضت بعد موتِ البعلِ سُلوتُها…أن البناء غدا للحق معتَمدا
وتلك ماتت على عهد الوفاء لمن…كان البشيرَ ووعدُ الصدق ما وعدا
هذي علت فوق هامِ الفضليات تُقى…وتلك من أربعٍ حُزنَ الكمالَ هُدَى
هذي بنصرٍ على الأعداء قد ظَفِرت…نعشا على جيشِ مَلْكِ العضِّ بعد مدى
وتلك في عامِ حزن المصطفى رحَلت…من قبل هجرةِ طه للتي قصدا
أنعم بها طيبة هبَّت لطلعته…تعدو وتشدو لبدر في الربوع بدا
هذي وتلك ونحن المُرتَضَون لما…يُحيي جهادهما بين الأُساةِ غدا
إن لم يكن أمسُنا يُرضي فقيدَتَنا…فاليوم حزنٌ على ما فاتنا كمدا
وفي غدٍ أملٌ يحدو مؤَبِّنَها…ألا يضيع تراثُ[6]الفاضِلَينِ سدى
صلوا على أحمدَ الهادي وعترته…ما حن شوقا إلى الأسلاف منْ فقدا
صلوا على صحبه الأخيار صفوتِهِ…صلوا عليهم جميعا دائما أبدا
 
فاس الأحد 3 جمادى الآخر 1437هـ الموافق لـ 13 مارس 2016
 

[1]كوكب صغير خفي الضوء
[2]رَفَهَ رَفَهَ رَفْهًا ، ورُفُوهًا : أصَابَ نَعمةً وسَعَةً من الرزق
[3]رفد رفدا أعطى أعان أسند.
[4]العطاء
[5]مْتَهَدَ الخيرَ : هيَّأَهُ وتوطْأَهُ
[6]مَا لَهُ قِيمَةٌ بَاقِيَةٌ مِنْ عَادَاتٍ وَآدَابٍ وَعُلُومٍ وَفُنُونٍ ويَنْتَقِلُ مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ. وهو كلّ ما خلّفه السَّلف من آثار علميّة وفنية وأدبيّة، سواء مادِّيَّة كالكتب والآثار وغيرها، أم معنوية كالآراء والأنماط والعادات الحضاريّة المنتقلة جيلاً بعد جيل، مما يعتبر نفيسًا بالنسبة لتقاليد العصر الحاضر وروحه

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد