الأجيال والمهمة الإحيائية
تستيقظ هذه الأجيال وحول الكرة الأرضية نطاق من الكواكب الصناعية، بعضها يهيِّئ غزو الفضاء ونحن كالنمل على الأرض لا جناح ولا قوة، وبعضها يراقب النمل على الأرض ويتجسس على الخصم والعدو ويبصر كل دَابَّةٍ وكل عسكري وكل حركة على وجهها. والأدهى من كل ذلك هو كواكب البث التلفزي الذي يجسد التفوق الحضاري الغربي بإلكترونياته المتطورة وإعلامياته الخارقة. المشروع هو “عالمية التلفزة” ليسمع في كل بقعة وفي كل بيت صوت الشيطنة، ولتبصر صور الدعاية للقيم الحضارية الدوابية يزينها الفن وتجلوها الألوان عروسا مغرية. وفي الأرض إعلاميات الفيديو والدعارة الملونة.
هذه الأجيال الصاحية رضعت لبان الإسلام مصا ورشفاً من رجال الدعوة الحاملين لميراث الفطرة. فإن لم يتح لها أن ترتوي من اللبان الفطرية لتبلغ الإسلام وتنشر الإيمان وتتعلم الإحسان فإن المرضعات العواهر، مرضعات الفيديو الخليع والمخدرات والمجتمع الاستهلاكي بعامة، يسبقننا إلى هذه الأجيال المتكاثرة السائبة في بلادنا.
لا بد لهذه الأجيال أن تعرف مهمتها الإحيائية بالضبط. تسود في ثقافة الإسلاميين الأحاديث عن السياسة والاقتصاد والبديل الحضاري وما إلى ذلك من الآفاقيات. وإن مواجهة الثقل التكنولوجي والطوق الإعلامي والهيمنة الجاهلية في الاقتصاد والصناعة والعلوم والفلاحة وكل شيء لا تمكن إلا بالعلم والتخطيط، والكتاب والمحاضرة، والاجتهاد والاستنباط، والتقدم والتعليم، وإعادة بناء العقل الإسلامي. لكن إن غابت التربية، وهجرت المساجد، وتنكرنا للذكر والتسبيح بالغدو والآصال فلن تكون تلك الرجولة القرآنية أبدا. إن شغلتنا تجارة التعامل مع العوامل الثقيلة المطوقة، وغفلنا عن أن القوة المطلوب منا إعدادها لنرهب بها عدو الله وعدونا لن تستمسك في أيدي رجال كأولئك الرجال إلا إذا كنا مثلهم، فنحن ناس من الناس، يجوز أن نروض التكنولوجيا ونكسب معركة التنمية ونباريهم في السرب الحضاري. لكن أن نبني الخلافة الثانية، وأن نكسب معركة إحقاق الحق، وإعادة الإنسانية إلى الفطرة، وحمل رسالة الهداية والنور للعالمين إلى يوم الدين، فلا إلا أن نكون من أهل النور لا من أهل الظلمات بعضها فوق بعض، ولا من أهل الغفلات والتلهي عن ذكر الله والتسبيح بالغدو والآصال.
إنها الأسبقية المطلقة للتربية. والتربية أبوة وأمومة، وفطرة يورثها جيل سالم لجيل ناشئ يتعرض للتلقي، ويقبَلُهُ، ويمتص، ويرشف، ويرتوي.
أضف تعليقك (0 )