مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

التزكية والدعوة

الأخلاق بناء للإنسان وقوام للعمران (6) أركان الإسلام تمتين للرابطة الأخوية

الأخلاق بناء للإنسان وقوام للعمران (6) أركان الإسلام تمتين للرابطة الأخوية

الأخلاق بناء للإنسان وقوام للعمران (6) أركان الإسلام تمتين للرابطة الأخوية

هذه الحقوق وما شابهها مما ورد به الكتاب ووردت به السنة، تُرسي دعائم المجتمع المسلم على قواعد التحابِّ والتعاون والبذل، واحترام المسلمين، وصون كرامتهم، وحفظ عرضهم.

لُحْمَةٌ من الأخلاق الرفيعة سَداها رعاية وصية الله ووصيةِ رسوله.

مجتمع رابطتُه أخويَّةٌ تنعقِد في صف الصلاة في المسجد. فالصلاة عبادة فردية تتعلق بذمة المسلم، لكنها إن أدّيَتْ جماعة وفي المسجد فضَلَتْ الصلاة الـمُؤداةَ على انفراد خمسا وعشرين ضعفا.

الصلاة جماعةً تسلُك المؤمنين والمسلمين في سِلك رابطةٍ روحية تعمِّقُ المحبة وتقدسها بين المسلمين إذ تذكرهم خمس مرات في كل يوم من أيام حياتهم أن الذي يجمعهم، ويقرب بعضهم من بعض، ويُدْمجُ بعضهم في بعض، أسمَى من الرباط المدنيِّ الحضاري السكني المصلحي. هم إخوة في الله، يقفون بخشوع في صف الصلاة بين يدي الله، فتسري من قلب لقلب معاني الوَلاية في الله المشْتقّةِ من الوَلاء لله، ومحبة الله، والإخلاص لله.

رجّحَ الفقهاء الحنابلة رحمهم الله أن الصلاة لاَ تُجْزِئُ في حق المسلمين من الرجال إلا جماعة. وفي المسجد إلا لعذر. ولهم أدِلّة قوية على مذهبهم.

والزكاة الركْنُ الاجتماعي من أركان الإسلام صِلة أخرى بين العباد وربِّ العباد. صِلَة ماديةٌ لها مقاديرُ ومواقيتُ ومستحقون. عبادةٌ هي، وشرط هي في صحة إسلام المسلمين، لكنها لا تُؤدّى إلاّ في المسلمين، وبين ظُهْرَانيْهم، لتساعد الفقير، وتَرْفِد المسكين، وتنظِّم التكافل الاجتماعي، وتحبِّبَ إلى الناس الإسلام لما في البذل والعطاء الإسلاميّيْنِ من حفظ كرامة وضمان عيش، ولتحرر الرِّقابَ من العبوديات لغير الله، ولتفُكَّ ذِمّةَ الـمَدِينِ الغارمِ، ولتُبَلّغَ الـمُنقطع الغريبَ مأمنه، ولتجهِّز الجماعة المسلمة بلوازم الجهاد في سبيل الله.

الزكاة عبادة جماعية بوسائلَ مادية اقتصادية كما هي الصلاة عبادة ترفع الجماعية في أدائها قيمتها الروحية، ونورانيتها التربوية، وثوابها عند الله أضعافا كثيرة.

أما الحج فالجماعية فيه أظهرُ وَأكثرُ. الصلاة تجمع أهل الحِلّةِ والحي، وصلاة الجمعة تجمع أطراف المدينة، والزكاة تُغني أهل البلد وتقرب فقيرهم من غنيهم، وتطفئ ما عسى يكون في مجتمع متفاوت الطبقات من ضغائن.

ويجمع الحج في مكان وزمان محدديْن كافة المسلمين ليُشعِرهم أولا أنهم في الدنيا عابرو سبيل، يذكرهم لباسُ الإحرام بكفن الموت، ويذكرهم شظف الحياة وشَعَثُ الحالة الجسدية وتعب التنقل والحمْل والحط أن الدنيا دار امتحان وتَعب لا دار استرواح ومتعة.

وليشعرهم ثانيا أن المسلمين أمة واحدة، يَمثُلُون أمام قبلتهم الحسية الواحدة، يذكرون ربهم الواحد، يصلون صلاة واحدة، مطمحهم واحد، بشر به رسول واحِد مؤكِّدا ما بشر به الرسل عليهم جميعا الصلاة والسلام.

والصوم عبادة تجمعُ في الحس والمعنى ما تجمعه الصلاة، وتجمعه الزكاة، ويجمعه الحج.

والشهادتان، أول ركن من أركان الإسلام، هما الجامعة الكبرى، والباب والمدخل، والهُوَية والتعريف. المسلمون أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله قبل كل اعتبار. هم أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا أن تغلب في الشعور هُوَيّةٌ أخْرى مُفَرِّقَةٌ، كقومية وعشائرية ونِسبَةٍ وثقافة وطبقة اجتماعية.

الجهاد الذي تُعبّأ له جهود المسلمين وأموالهم من زكاة واجبة وصدقة يحب الله مُؤتيها عبادة أخرى جامعة أكثر ما يكون الاجتماع متعيّنا. اللفظة لها مدلول لغوي كما لها حُمُولة تاريخية يشيران إلى أن الجهاد يعني الجماعة، وأن الجهاد يعني المشاركة. جاهد على صيغة «فاعلَ» وهي صيغة مشاركة في الفعل.

وهكذا نستقْرئ مفردات الواجبات والنوافل وفضائل الأعمال والأخلاق في الإسلام، فنجد أنه دين جامع، دين جماعة.

وتأتي الحقوق الـمُفصَّلة التي كتبنا بعضها لتتمم النسيج الأخوي.

الشورى والديمقراطية، ص 151-153.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد