الأخلاق بناء للإنسان وقوام للعمران (8) الأخوَّة الحانية الخادمة
«المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه. من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. ومن فَرّج عن مسلم كُربة فرج الله عنه بها كُربة من كُرب يوم القيامة. ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة». حديث رواه الشيخان والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخُوة بين مسلمين تضُمُّ إليها التائبين في أمان وخدمة متبادلة ورحمة وعفو وستر.
وتحيط بهذه الأخوة الحانية وتكلأُها أخوة بين المؤمنين. والمؤمنون، لا المسلمون، هم المخاطبون بالقرآن الحاملون أعباءَ المجتمع الأخوي. الرباط بينهم قلبي إيماني. التأليف بينهم عميق الجذور كالشجرة الطيبة تثمر للمسلمين التائبين وللناس أجمعين ثمار العدل والإحسان والبر والعطاء الأخوي والأمن والعفو والستر. وتفريج الكُرب والخدمة وقضاء الحاجات.
قال الله عز وجل يخاطب حمَلَة الأمانة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾1.
هذا التأليف القلبي بين المؤمنين، وتلك الأخوَّة الحانية الخادمة العادلة المحسنة بين المسلمين هما المِيزتان الظاهرتان، يراهما المراقب من خارج ويعيشهما العضو الحامل و المشارك.
بين المواطنين في المجتمع القانوني روابط مصلحية ينظمها قانون وضعي لا غير. وبين المسلمين ينبغي أن تلُف المواطنةُ الإيمانيَّةُ المواطنة الجغرافية السياسية القومية برداء الرحمة، رحمةِ: ﴿فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾.
هذه المواطنة المزدوجة يشير إليها ويُشَرِّعُها قول الله عز وجل عن الأنصار الذين آووا النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانهم المهاجرين ونصروا وأنفقوا وأحبوا: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾1.
»تبوَّأوا الدار والإيمان». لو تبوأوا مع الآخرين الدار فقط لكان الكل مواطنين يجمعهم الوطن وتملي عليهم ضرورة التعايش قوانين وضعية لحفظ المصالح. لكنهم تبوأوا الدار وتبوأوا الإيمان كما تبوَّأهما من هاجر إليهم. وبهذا التبوُّءِ الثنائي كانت الأخوة التي أثنى الله عز وجل عليها ونقرأ عنها بإعجاب في السيرة.
تبوّأ المكان بمعنى استوى فيه واستقر. فكيف الاستقرار في الإيمان إن كنا نَعرف الاستقرار في الأوطان؟ هذا هو السؤال المحوري دائما. نمسك من هذه الآيات في سورة الحشـر أن هؤلاء الأنصارَ المحمودين المشكورين وُقُوا شُحَّ أنفسهم. شح النفس بخلها وانقباضها. فصفتُهم الأولى المؤهِّلة هي خروجهم من عبودية النّفس وهواها إلى عبودية الله تعالى. بهذا الخروج نعرف من تاب «التوبة قلب الدولة»، ومن يحمِل العمران الأخوي. والله ولي المؤمنين. العدل، الإسلاميون والحكم، ص 196-197.
1 سورة آل عمران، الآيتان 103-102.
أضف تعليقك (0 )