مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

السياسة والحكم

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحق الفلسطيني

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحق الفلسطيني

ننظر في آخر الديباجة، فنقرأ نداء «ليبذل كل الأفراد وكل المنظمات الاجتماعية المستوحية لهذا الإعلان جهودهم في التعليم والتربية، لينموا احترام هذه الحقوق والحريات، وليُؤَمنوا الاعتراف بها، وتطبيقها العالمي والفعلي بإجراءات تدريجية على الصعيد القومي والدولي، سواء وسط شعوب الدول العضوة نفسها أو وسط الشعوب التي تحت سيطرتها».

على آخر جملة في ديباجة الإعلان نقف.

التطبيق العالمي الفعلي، والإجراءات التدريجية، وضعت إطارين مختلفين، ورتبت درجتين مختلفتين لإنسانيتين غير متساويتين: إنسانية مسيطرة، وأخرى مسيطر عليها.

لا تناقض إذا بين النوايا المعلنة منذ أربعة عقود ونيِّف وبين التطبيقات والإجراءات العالمية الفعلية المتجلية في طرد العرب من فلسطين، وتثبيت أقدام الشتات اليهودي في فلسطين، ومحرقة بغداد، ومجازر البوسنة والهرسك الرهيبة. وفي التطبيقات العالمية الفعلية الإجرائية منذ أربعة عقود ونيف ما يثبت أن الاستعمار الذي أملى إعلان الحقوق والحريات هو نفس الاستعمار قبل إعلانها، بل هو بعد الإعلان أشد ضراوة.

نصبر على قراءة الإعلان الذي تولدت عنه مواثيق هي مرجعية حاملي شعارات الحقوق والحريات ومصادرهم وحججهم المكتوبة التي تؤسس قرارات مجلس الأمن مَعْطِن الخمسة الكبار.

فنقرأ في البند الأول أن: «الكائنات البشرية تولد حرة متساوية في الكرامة والحقوق، وتتمتع بالعقل والضمير، ويجب عليها أن يعامل بعضها بعضا بروح الأخوة».

ما أجمل الكلام! كرامة وحقوق وحرية وعقل وضمير وروح أخوة!

ويضمن البند الثاني: «كل الحقوق والحريات بدون تمييز عرقي، أو لوني، أو جنسي، أو لغوي أوديني، أو رأي سياسي، أو أي رأي آخر من أصل قومي، أو اجتماعي، أو ثروة، أو مولد، أو أي مكانة أخرى، أو وضعية سياسية، أو قانونية دولية أو وطنية».

اعجبوا رحمكم الله للصياغة القانونية المحبوكة الجامعة المانعة.

جامعة مانعة، لأنها جمعت ما لا ينجمع، ومنعت عن بعض ما كانت أعلنت من عالميته وشموليته.

لا تترك الجملة الأخيرة من البند الثاني منزعا للصبر، فهي تصنف الأوطان وسكان الأوطان تصنيفا استعماريا صرفاً وقِحاً.

كانت حركات التحرير الوطنية إذ ذاك لما تستجمع قوتها ونضالها لتفرض الجلاء على القوات الاستعمارية. ثم ثارت الشعوب، وانسحب الاستعمار الاحتلالي، وبقي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان معتمَدا في تسيير العالم. مكتوبا فيه حرفا بحرف أن الوضعية السياسية والقانونية والدولية والوطنية تسري عليها بنود الإعلان الثلاثون «مستقلا كان هذا الوطن، أو تحت وصاية، أو غير مستقل، أو محدود السيادة».

قلت حرفا بحرف أي معنى بمعنى لأني لا أدري كيف الترجمة الرسمية إلى العربية.

لم يبق في قوس الصبر منزع، فالنفاق ليس تطبيقا فعليا إجرائيا فقط، بل هو مبدئي لا يخفي من نياته شيئا. العالم في تلك النيات كان -ولا يزال- عالمين اثنين: أحدهما مستقل الأوطان، سيد عليها وعلى الناس، والآخر: مَسُودٌ، غير مستقل، تحت الوصاية، ومحدود السيادة. والإنسان إنسانان، والحقوق صنفان.

حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ص 221-223.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد